أخبار العالم

ضبابية الموقف من الصحراء تدفع المغرب إلى “تجاهل” صفقات السلاح الفرنسي



كشف التقرير السنوي لوزارة الجيوش الفرنسية، المرفوع إلى الجمعية الوطنية، الذي حصلت وكالة “فرنس برس” على نسخة منه وتناقلته وسائل إعلام فرنسية، أن مبيعات السلاح الفرنسي برسم السنة الماضية حققت رقما قياسا بلغ 27 مليار يورو، مدفوعة بمبيعات مقاتلات رافال، التي اشترت الإمارات العربية المتحدة لوحدها 80 وحدة منها بعقد بلغت قيمته أكثر من 16 مليار يورو.

المصدر ذاته أشار إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط والأدنى جاءت على رأس الدول المستوردة للسلاح الفرنسي بإجمالي صادرات بلغت 64 في المائة من مجموع مبيعات الأسلحة الفرنسية، تليها الدول الأوروبية بنسبة 23 في المائة ثم الدول الآسيوية بنسبة 8 في المائة.

وفي وقت احتلت فيه المملكة المغربية الرتبة الثالثة ضمن أكبر مستوردي السلاح الفرنسي برسم سنة 2020، حسب تقرير رسمي لوزارة الدفاع الفرنسية، إذ بلغت قيمة مشترياتها حينها أكثر من 425 مليون يورو، ما مثل نسبة 8 في المائة من مجموع المبيعات الفرنسية عالميا و50 في المائة من هذه المبيعات على صعيد القارة الإفريقية، يبدو أن العتاد الحربي فرنسي الصنع لم يعد يستهوي الرباط التي غاب اسمها للعام الثاني على التوالي ضمن قائمة الدول الأكثر شراء للعتاد الفرنسي.

غياب يُرجعه خبراء إلى مجموعة من العوامل المرتبطة أساسا بالاستراتيجية العسكرية المغربية الجديدة القائمة على تنويع الشركاء من جهة، إضافة إلى حاجة الرباط إلى نوع محدد من العتاد الذي لا نتجه الصناعة العسكرية الفرنسية من جهة أخرى؛ فيما يظهر العامل السياسي المتمثل في تقاعس “فرنسا-ماكرون” في الخروج بموقف واضح من قضية الصحراء المغربية، واستمرار محور “الجزائر-باريس” في معاكسة مصالح الرباط، كعامل مفسر هو الآخر لتوجيه المغرب لبوصلته العسكرية صوب شركاء آخرين.

شراكة أمريكية وحاجة مغربية

محمد شقير، خبير عسكري واستراتيجي، قال إن “فرنسا طالما كانت من أهم الدول التي يتزود منها المغرب بالسلاح؛ غير أن تراجع مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى المغرب يعود إلى مجموعة من العوامل، أولها تبني الرباط لاستراتيجية جديدة للتسلح تقوم على تنويع الشركاء العسكريين، خاصة أنها أبرمت مع الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية شراكة عسكرية تمتد من سنة 2022 إلى سنة 2030، والتي تحصل من خلالها على أحدث الأسلحة من هذا البلد”.

أما العامل الثاني، أضاف شقير، فيتثمل في أن “المملكة المغربية في حاجة إلى نوعية خاصة من الأسلحة لا تتوفر عليها فرنسا؛ على رأسها الطائرات المسيرة التي أصبح المغرب يركز بشكل أساسي على ضمها إلى ترسانته العسكرية، بالنظر إلى دورها الاستراتيجي وفعاليتها الكبيرة في ساحات الحروب، كالساحة الأوكرانية على سبيل المثال. وهذا ما يفسر اعتماد الرباط على تل أبيب وأنقرة وبكين في الحصول على هذا النوع من الأسلحة”.

وتابع المتحدث عينه أن “المغرب تحرر من الضغوط الفرنسية التي كانت تمارس عليه والتي كانت تدفعه إلى تفضيل سوق السلاح الفرنسي على غيره من الأسواق الأخرى”، مشددا على أن “التكاليف المرتفعة لاقتناء الأسلحة الفرنسية هي الأخرى ساهمت في تراجع مشتريات المغرب من هذا البلد؛ ذلك أن المملكة أصبحت تبحث عن الأسلحة الأكثر فعالية والأقل تكلفة، سواء من حيث الصيانة وقطع الغيار أو من حيث التدريب على هذه الأسلحة”.

وخلص شقير، في تصريحه لجريدة هسبريس، إلى أن “هذه العوامل مجتمعة هي التي جعلت المغرب يخرج من قائمة الدول الأكثر استيرادا للأسلحة الفرنسية؛ إضافة إلى مجموعة من الاعتبارات السياسية الأخرى المرتبطة أساسا بالمصالح القومية للرباط في علاقتها بالملفات الإقليمية، خاصة ملف الصحراء المغربية”.

موقف فرنسي وخيار متجاوز

من جهته، قال محمد عصام العروسي، رئيس مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، إن “انتهاج المغرب لسياسة تنويع شركائه العسكريين جاء بناء على استراتيجية مدروسة، ولم يُبنَ هذا الأمر من فراغ”، مضيفا أن “الرباط لها اختيارات استراتيجية وجيو-سياسية تقوم على أساسها بتعزيز الشراكة والتعاون مع دول بعينها وتحقيق التقارب السياسي والعسكري معها انطلاقا من معيار المصلحة والواقعية السياسية”.

وأضاف المتحدث عينه أن “الرباط توجهت، في الآونة الأخيرة، نحو محور واشنطن-تل أبيب التي حصلت منه على مجموعة من الأسلحة النوعية المتطورة، إضافة إلى تقاربه مع كل من الهند والصين والبرازيل وغيرها من الدول”، مشيرا في الصدد ذاته إلى أن “المحرك السياسي لأية شراكة عسكرية يعقدها المغرب مع أية دولة ترتبط أساسا بموقف هذه الأخيرة من قضية الوحدة الترابية”.

“تراجع مستوى الشراكة المغربية مع الدولة الفرنسية، سواء على المستوى العسكري أو على مستويات أخرى، راجع بالأساس إلى اختيارات باريس التي تذهب بعيدا عن المصالح الاستراتيجية للرباط وتقاربها مع الجزائر على حساب المغرب”، أكد العروسي، الذي أوضح أن “فرنسا كانت، منذ سنة 2007، من الدول الأولى التي أثنت على المقترح المغربي للحكم الذاتي؛ غير أنها لم تتزحزح عن هذا الموقف في وقت عبرت فيها مجموعة من العواصم الكبرى عن مواقف أكثر تقدما من الموقف الفرنسي”.

وشدد العروسي على أن “فرنسا وبعدما فشلت في إتمام صفقة الغواصات مع أستراليا التي تراجعت عن هذه الصفقة في آخر اللحظات، أصبحت تبحث عن شركاء جدد لتسويق أسلحتها؛ لكن هيمنة المواقف السياسية في فرنسا دفعت المغرب إلى تغيير البوصلة في اتجاه شركاء آخرين والاستغناء عن الأسلحة الفرنسية لصالح شراء أسلحة أخرى، على غرار الأنظمة الدفاعية والطائرات المسيرة من بلدان أخرى”.

وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “المغرب حريص على تنويع شراكاته العسكرية مع مختلف الدول، مسترشدا بذلك بقضية الصحراء التي قال عنها الملك محمد السادس إنها بمثابة المنظار الذي تقيس به الرباط شراكاتها مع الدول”، مشيرا إلى “أن فرنسا أصبح خيارا مستبعدا؛ بل ومتجاوزا، سواء بالنسبة للمؤسستين العسكرية أو الدبلوماسية المغربيتين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى