سياسة الدولة الإسبانية تثبت الموقف من قضية الصحراء المغربية
في جوابها عن مصير الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية في حالة نجاح اليمين في تشكيل الحكومة، قالت كريمة بنيعيش، سفيرة المملكة المغربية المعتمدة لدى المملكة الإسبانية، إن العلاقة التي تجمع المملكتين “علاقة دولة. كما أن السياسة الخارجية للدول الديمقراطية وكذلك قراراتها ومواقفها الخارجية، ينبغي أن تراعي في العادة سياسة الدولة التي تؤطرها المصالح والعلاقات الاستراتيجية”.
وأضافت بنيعيش، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الممارسات غير الأخلاقية التي شهدتها الانتخابات الإسبانية ومست رموز المملكة المغربية، تهم أقليات لا تمثل الشعب الإسباني”، كما أوردت أن “ملف ترشيح المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم 2030، يعد سابقة في تاريخ كرة القدم”.
نص الحوار كاملا:
ما المنحى الذي تسير فيه العلاقات المغربية الإسبانية منذ عودتكم إلى العمل بعد “أزمة غالي”، كيف تقيمون هذا التحول الجذري في العلاقات؟
أود التذكير في البداية بأن العلاقات المغربية الإسبانية علاقات متجذرة عبر التاريخ منذ قرون خلت، وتوجد العديد من القواسم المشتركة بين الشعبين الصديقين؛ فالمغرب، مثلا، هو البلد الوحيد، سواء في العالم العربي أو الإفريقي، الذي يقتسم مع إسبانيا بشكل مباشر كل ما يزخر به التراث الأندلسي من حضارة وثقافة، وقد تفرد الدستور المغربي لسنة 2011 باعتبار البعد الأندلسي أحد روافد الهوية المغربية.
ثانيا، عامل القرب الجغرافي؛ فالمغرب لا تفصله عن إسبانيا سوى 14 كيلومترا، الأمر الذي يساهم بقوة في تمتين وتطوير العلاقات بين البلدين، حيث يفرض عليهما هذا القرب الجغرافي ضرورة التعاون في العديد من الملفات، مثل مسألة الهجرة ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والتعاون الأمني، وغيرها من الملفات والقضايا المشتركة.
فالعاملان التاريخي والجغرافي يعدان ثابتين في العلاقات بين البلدين، ومن خلالهما يمكن أن نفهم طبيعة هذه العلاقة التي تجمع بين الدولتين المغربية والإسبانية، التي تجد أساسها في سياسة الدولة المعتمدة من طرف الجانبين، حيث بفضلها يتم تجاوز الظروف الطارئة التي يمكنها أن تقع في بعض الأحيان.
وقد عرفت علاقات الشراكة الاستراتيجية تطورا كبيرا بين البلدين في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل المصالح المشتركة والاعتماد المتبادل الذي يساهم بشكل كبير في التغلب في أحيان كثيرة على المشاكل والأزمات. فإسبانيا حاليا هي الشريك التجاري الأول للمغرب، إذ يصل حجم المبادلات بين البلدين إلى ما يقرب من 20 مليار دولار.
بعد توجيه رسالته إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، التي دعم من خلالها مقترح الحكم الذاتي، معتبرا إياه “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع”، قام جلالة الملك على إثرها باستقبال السيد رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، في السابع من أبريل 2022، فتح صفحة جديدة في علاقاتنا الثنائية، لتكون أكثر طموحًا، متضمنة محتوى حقيقيا أكثر من أي وقت مضى لشراكتنا الاستراتيجية، وتم التوقيع بهذه المناسبة على خارطة طريق رسمت المحاور الكبرى والمبادئ التي ينبغي أن تؤطر من خلالها العلاقات بين البلدين في المستقبل. ثم بعدها عقد الاجتماع رفيع المستوى في مستهل شهر فبراير من السنة الجارية، الذي عرف توقيع ما يقرب من 20 اتفاقية. هذا دون أن ننسى الوتيرة القوية والمتسارعة لزيارات المسؤولين من كلا البلدين، التي تضاعفت بشكل ملحوظ لتواكب كل ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين.
ارتباطا بمذكرة الطريق التي تم الاتفاق حولها، هل الموقف الإسباني من مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية قد يتغير في حالة وجود حكومة يمينية؟
ينبغي هنا أن أذكر بمسألة جوهرية، هي أن أهم مبدأ من المبادئ التي تؤطر السياسة الخارجية المغربية يتمثل في عدم التدخل في السياسة الداخلية للدول، وهو بالمناسبة مبدأ أممي. لهذا، لا يمكننا أن نقول إن هذا الحزب أو ذاك هو من سيشكل الحكومة في إسبانيا، فهذا شأن داخلي يتم تدبيره من طرف مؤسسات الدولة وفق دستور وقوانين البلد. كما أن مسألة تشكيل الحكومة مازالت لم تحسم بعد.
وفي جميع الأحوال، نعود ونؤكد أن العلاقة التي تجمع المملكة المغربية والمملكة الإسبانية هي علاقة دولة. كما أن السياسة الخارجية للدول الديمقراطية وكذلك قراراتها ومواقفها الخارجية ينبغي أن تراعي في العادة سياسة الدولة التي تؤطرها المصالح والعلاقات الاستراتيجية.
في الانتخابات رأينا ممارسات غير أخلاقية لبعض الأحزاب تجاه رموز المملكة المغربية أثارت غضب المجتمع المدني للجالية المغربية، كيف ترون ما وقع؟
نعم، تابعنا هذا الأمر بقلق شديد، وعبرنا حينها عن رفضنا المطلق لهذه الممارسات التي لا تمت بصلة إلى حرية التعبير، لأنه لا مجال للحرية في الاعتداء والتهجم على الآخرين، فما بالك برمز من رموز بلد آخر، الذي عندما يتم المساس به فهذا يعني الاعتداء والمساس بشعور 40 مليون مغربي. لهذا السبب، انتفضت جميع القوى الحية والمجتمع المدني المغربي في إسبانيا للتعبير عن رفضها لهذا السلوك المشين، الذي نعتبره صادرا عن أفراد قليلين لا يعبرون عن الشعب الإسباني. وفي اعتقادنا، فإن هذا السلوك ناتج عن جهل أصحابه وقلة تجربتهم في المجال السياسي.
وهنا لا بد من التوقف للإشادة برد الفعل الحضاري الذي قامت بها الجالية المغربية المقيمة في إسبانيا، عبر ممثليها في الجمعيات المختلفة التي عبرت عن ارتباطها الوثيق بثوابت ورموز المملكة المغربية، وعن وطنية قل نظيرها، وأن انتقالها للعيش في هذا البلد لم ينسها هويتها وجذورها المغربية.
لهذا، فأنا دائما أعبر كلما أتيحت لي الفرصة عن اعتزازي وفخري بهذه الجالية المتميزة بسلوكها الحضاري وباندماجها في المجتمع الإسباني، ومساهمتها الفعلية في اقتصاد إسبانيا وتنميتها. ولن أخفيكم مدى سعادتي عندما ألتقي هنا في إسبانيا بنماذج من الشابات والشبان الناجحين والطموحين من أصول مغربية، عندما يعبرون لي عن مدى اعتزازهم وفخرهم بالانتماء إلى البلدين، بلد الإقامة والعيش وبلد الأصل والجذور. لذلك، أعتبر أن الجالية المغربية في إسبانيا هي بمثابة الجسر الذي تتلاقح بواسطته ثقافة البلدين.
ستقدم مدريد والرباط ولشبونة ملفا مشتركا لتنظيم كأس العالم 2030، كيف سيساهم هذا الحدث في تعزيز العلاقات بين هاته الدول؟
للإشارة، فقد علم الجميع بهذا الموضوع، عن طريق إعلان صاحب الجلالة الملك محمد السادس الترشح المشترك للمغرب مع كل من إسبانيا والبرتغال لاستضافة مونديال 2030 خلال شهر مارس الماضي في العاصمة كيغالي، في خطاب تلاه السيد شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بمناسبة حفل تسليم جائزة الكاف للتميز لعام 2022 لفائدة صاحب الجلالة، وقد شدد جلالة الملك في هذا الخطاب على أن هذا الترشيح سيكون ترشيحا للالتئام حول أفضل المقومات من الجانبين، وإظهار تحالف العبقرية والإبداع والخبرة والإمكانيات، وتنبع أهمية هذا الترشيح من كونه سيشكل سابقة في تاريخ كرة القدم، حيث سيوحد لأول مرة دولا من قارتين مختلفتين، هما القارة الإفريقية والقارة الأوروبية. ولهذا، فإن هذا الترشيح المشترك سيكون محطة متميزة للالتقاء بين إفريقيا وأوروبا، وبين شمال وجنوب المتوسط، وبين العالم الإفريقي والعربي والأورومتوسطي.
كلمة أخيرة ..
أود أن أجدد شكري لكم على كل ما تبذلونه من عمل وجهد محمودين لتنوير الرأي العام الوطني، ونقل الأخبار وتحليلها بكل جدية ومهنية.
كما أريد من خلال إطلالتي هاته أن أهنئ جميع قرائكم الأوفياء وكافة المواطنات والمواطنين المغاربة بحلول الذكرى الرابعة والعشرين لتربع مولانا أمير المؤمنين على عرش أسلافه الميامين، التي هي ذكرى عزيزة على قلوب جميع المغاربة داخل البلاد وخارجه.
وبهذه المناسبة، يسعدني ويشرفني، أصالة عن نفسي ونيابة عن كافة أعضاء وأطر السفارة والقنصليات العامة المغربية بإسبانيا، أن أتقدم إلى الجناب الشريف والمقام العالي بالله بأسمى آيات الطاعة والولاء، وبأخلص التهاني وأغلى المتمنيات، راجية من الله العلي القدير أن يعيد أمثال هذه المناسبة الميمونة على سيدنا المنصور بالله بالنصر والتمكين والصحة والعافية والسعادة والهناء، وأن يحقق لشعبه الوفي كل ما تصبو إليه جلالته من تقدم ورفعة وازدهار.