انقطاع الكهرباء في مصر…بين معاناة المواطنين وتصريحات المسؤولين
- أميمة الشاذلي
- بي بي سي – القاهرة
“العودة لتخفيف الأحمال لن يحدث مرة أخرى”، هذا ما جزم به وزير الكهرباء المصري محمد شاكر في مارس/آذار الماضي، مؤكدا أن انقطاع التيار لن يتكرر في مصر مهما بلغت الأحمال على الشبكة القومية للكهرباء، سواء خلال أشهر الصيف أو الشتاء.
لكن الإجراءات الحكومية نتيجة موجة الحر الشديدة التي اجتاحت أنحاء البلاد، والتي تجاوزت الأربعين درجة مئوية، جاءت مناقضة لتصريح الوزير، مع عودة مسلسل انقطاع التيار الكهربائي لساعات في مختلف المحافظات المصرية، وهو الأمر الذي زاد من معاناة المواطنين.
يقول أحمد، طبيب انقطعت الكهرباء في عيادته أثناء إجراءه منظارا لأحد مرضاه، وتزامن ذلك مع مشكلة بالمولد بسبب تكرار انقطاع التيار وعودته، مما أدى إلى اعتماده على عمل الأجهزة بالبطارية لنصف ساعة كاملة: “اضطررت لإنهاء المنظار مبكرا، وإعادته لاحقا في وقت نكون فيه على يقين من وجود التيار الكهربائي”.
وفق الطبيب، لم يكن الحل في إصلاح المولد، فالمولد ذاته يعمل بالوقود ويصدر دخانا وصوتا مرتفعا للغاية، وهو ما دفع أحمد إلى وضعه بالشرفة وتقليل مدة الاعتماد عليه قدر المستطاع بما لا يتجاوز الساعة لعدم الإزعاج.
لا يتوقف الأمر على صوت المولد، فالمولد ذاته يحتاج الوقود باستمرار، وهي مشكلة أخرى اضطرت الطبيب إلى إضاعة وقته الثمين بحثا عن محطة وقود توافق على تزويده بالبنزين الخام في وعاء بكميات قليلة لوضعه في مولد عيادته.
ويقول: “ذات مرة، لم أجد محطة توافق على تزويدي بالبنزين، فاضطررت إلى العودة إلى محطة الوقود ومعي المولد في سيارة نقل، نظرا لأن السيارات العادية لا تستوعب حجم المولد”.
هذا الأمر، كلف أحمد المال والجهد والوقت من أجل مرة واحدة للحصول على بعض الوقود الذي لن يكفيه لمدة طويلة.
كما أعرب الطبيب عن شعوره بالمسؤولية الجسيمة تجاه مرضاه، لاسيما وأن عيادة أحمد في الطابق الرابع، الأمر الذي قد يتسبب في مضاعفة معاناة المرضى، واصفا تعطل المصعد مع انقطاع الكهرباء بالموقف المخيف للغاية.
ويقول: “هناك مرضى يأتونني محمولين على أكتاف ذويهم أو يعانون من الهبوط، وبدون المصعد لن يتمكنوا من الوصول للعيادة، وسينتظرون لنصف ساعة أو ساعة بالأسفل لحين عودة الكهرباء”.
مخاوف بشرية ومادية
تحدثت أمنية، وهي فتاة تعيش في روض الفرج، أحد أحياء العاصمة القاهرة، عن معاناتها بعد عودتها من يوم عمل شاق، على أمل الاستمتاع بحمام بارد ونيل قسط من الراحة.
وتقول: “علقت في المصعد بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وواصلت الكهرباء الانقطاع ثم العودة لأكثر من عشرين مرة متتابعة في يوم واحد”.
وتضيف: “دخلت المبنى الذي أقطن فيه، ففوجئت باحتراق جميع المصابيح المعلقة في السقف بسبب تكرار انقطاع التيار الكهربائي، وفور دخولي المصعد انقطع التيار من جديد”.
من حسن حظ أمنية أن التيار في ذلك اليوم كان يستمر في الانقطاع والعودة لفترات قصيرة، وهو ما مكنها من الخروج من المصعد بعد فترة وجيزة.
لكن تذبذب التيار الذي أنقذها من أن تسجن في المصعد لمدة طويلة، كان من ناحية أخرى مصدر رعب مادي، خوفا من تلف الأجهزة المنزلية التي أصبحت بآلاف الجنيهات، لاسيما وأن التيار كان يعود لمدة لا تزيد عن سبع دقائق قبل أن ينقطع من جديد.
وتقول: “أصبح فصل مقابس الأجهزة الكهربائية شغلي الشاغل مع كل قطع للتيار، خوفًا عليها من التلف مع العودة المفاجئة”.
ربما هذا ما لم ينتبه إليه السيد إيهاب، وهو رب أسرة خمسيني، حيث أخبرني في تعليق على فيسبوك أن عودة التيار المفاجئة بتردد مرتفع، تسببت في تلف جهاز التكييف في منزله، وتكبد 3 آلاف جنيه لإصلاح جهاز واحد.
أخبرني كل من نادر وأمنية أيضا عن معاناة أصدقائهم ومعارفهم في مناطق أخرى في العاصمة، مع انقطاع التيار الكهربائي والماء والإنترنت في آن واحد ولساعات عدة تصل إلى 7 ساعات.
كما أن معاناة أمنية امتدت لوالدها الذي لا يستطيع صعود الدرج لستة طوابق حيث شقته، وهو ما اضطره إلى الانتظار ساعة كاملة أسفل البناية لحين عودة الكهرباء.
بيان مثير للجدل
في نفس التوقيت الذي علقت فيه أمنية في مصعد منزلها، أصدرت الشركة القابضة لكهرباء مصر بيانا على صحفتها على موقع التواصل “فيسبوك” مع إرشادات للحفاظ على المواطنين “من انقطاعات التيار الكهربائي في الفترة الحالية”.
وأوضح البيان أن انقطاع التيار الكهربائي يأتي ضمن “برنامج تخفيف الأحمال” في كل منطقة، مع مراعاة بدء قطع الكهرباء في مدة زمنية تسبق أو تلي رأس الساعة بعشر دقائق، على ألا تزيد مدة قطع التيار عن “ساعة واحدة من وقت انقطاع الكهرباء”.
ولم يحدد البيان مواعيد معينة لقطع التيار في الصباح أو المساء، أو مرات تكرارها، لكنه أكد أن تفعيل هذا النظام سيسري منذ منتصف السبت الموافق 22 يوليو/تموز، داعيا المواطنين إلى عدم استخدام المصاعد خلال الفترة المحددة لفصل التيار حفاظا على سلامتهم.
ليست ساعة واحدة
إيمان صحفية، يعتمد عملها على التصوير وتحرير المقاطع المصورة فيما يعرف بالمونتاج، لكن انقطاع التيار الكهربائي في منزلها بالجيزة، حال دون تمكنها من إتمام عملها الذي يستغرق ساعات عدة.
وتقول: “حملت جهاز الكمبيوتر المحمول إلى مقهى في حي الزمالك، ظنا مني أنه حي راقٍ يصعب معه انقطاع التيار الكهربائي، وحين شرعت في العمل، فوجئت بانقطاع التيار لساعتين، قبل أن أقرر المغادرة”.
وتحدثت إيمان عن وجود بطء مستمر في سرعة شبكة الـ”واي فاي” المنزلية في كل مرة يعود فيه التيار بعد انقطاع، وهو أمر أكدته أمنية، التي قالت إن المشكلة لا تتوقف على الإنترنت المنزلي، بل يشمل الإنترنت العام للهواتف فيما يعرف بـ”الموبايل داتا”.
وأدت الأزمة إلى معاناة مختلف البيوت المصرية على مستوى المحافظات من الشمال إلى الجنوب. ففي القاهرة الكبرى، تشتكي سيدة من انقطاع التيار “ثلاث مرات في اليوم، وفي كل مرة يستمر الانقطاع من ساعتين إلى ٣ ساعات”.
وفي محافظة الإسكندرية المطلة على البحر المتوسط، اشتكت مواطنة من انقطاع التيار لديها 4 مرات في اليوم، بمعدل ساعة في كل مرة.
أما في محافظة بني سويف، إحدى محافظات إقليم شمال الصعيد، فيشتكي مواطن بإحدى قرى المحافظة من انقطاع التيار لمرتين في اليوم، بمعدل ساعتين إلى ثلاث في كل مرة، بل وأحيانا يصل الأمر إلى ٤ ساعات في المرة الواحدة.
في حين اشتكى أحدهم في مدينة الأقصر السياحية في إقليم جنوب الصعيد، من انقطاع التيار لـ٧ ساعات يوميا.
وها هي شكوى أخرى على الصفحة الرسمية لشركة الكهرباء تقول: “النور منقطع في منطقتي لـ 12 ساعة، وشركة الكهرباء لا تجيب على الهاتف ولا ترد على الشكوى الإلكترونية. الرحمة!”
تصريحات رسمية
جاءت تصريحات المسؤولين مع بداية الأزمة منذ أكثر من أسبوع، مناقضة لتصريح وزير الكهرباء المصري محمد شاكر منذ أربعة أشهر، والتي كان يشير فيها إلى انتهاء معاناة المواطن المصري إبان عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، خلال صيف عامي 2012 و2013.
ففي الأسبوع الماضي، أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن استهلاك الكهرباء في مصر زاد بصورة كبيرة، وأدى إلى زيادة حجم استهلاك الغاز اللازم لإنتاج الكهرباء، وإلى ضغط شديد على الشبكات الخاصة به، وهو ما أدى إلى انخفاض ضغوط الغاز في الشبكات الموصلة لمحطات الكهرباء.
وأضاف أن تخفيف الأحمال بالتناوب بدأ منذ ذلك الحين، حتى يمكن الوصول للضغوط العادية لشبكة الغاز، على أن ينتهي انقطاع الكهرباء في مصر بدءا من الثلاثاء 25 يوليو/تموز.
وصرح وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، دكتور محمد شاكر، للإعلام المحلي أن إجراءات تخفيف الأحمال “مؤقتة”، وأن “هذه الخطوة الضرورية تستهدف الوصول للضغوط العادية لشبكة الغاز المستخدم في إنتاج الكهرباء”.
كما أكد المتحدث باسم الوزارة للإعلام المحلي، أن العمل جار على حل الأزمة سريعا، وأنها ستنتهي خلال أيام قليلة.
لكن العديد من الناس أكدوا لي استمرار انقطاع الكهرباء لأكثر من مرة أمس الثلاثاء الذي كان من المفترض أن يشهد بداية التوقف عن انقطاع التيار، وفق مدبولي، بل إن الصحفية إيمان أخبرتني أن الكهرباء في منزلها انقطعت منذ فجر الثلاثاء ولمدة 8 ساعات متواصلة.