أخبار العالم

هل تحولت الشقق المفروشة في الصيف إلى ملاذات آمنة للمحظورات بالمغرب؟



تبرز خلال فترة الصيف ظاهرة كراء الشقق المفروشة بمدينة الجديدة، سواء بواسطة الطرق التقليدية المعتادة، المتمثلة في التلويح بمفاتيح عند مداخل المدينة من طرف شبان وأطفال ونساء، أو عن طريق الحجز الإلكتروني عبر مواقع ومنصات إلكترونية متخصصة في هذا المجال، حيث يتم التوافق مسبقا مع الزبائن بعد عرض صور الشقق والفيلات وأماكن تواجدها وسومتها الإيجارية.

تزداد وتيرة عروض كراء الشقق المفروشة مع استقبال المدينة لوفود الزائرين الراغبين بالاستمتاع بجمال شواطئها الهادئة ومهرجاناتها الفنية، خصوصا تظاهرة موسم الولي الصالح مولاي عبدالله أمغار.

وعلى الرغم من الحملات الأمنية التي تشنها بين الفينة والأخرى المصالح المعنية لمحاربة هذه الظاهرة التي تشتغل خارج الضوابط القانونية، والتي أصبحت تدر على أصحابها أموالا طائلة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعروض معدة خصيصا للزبائن الباحثين عن قضاء أوقات للمتعة وتفريغ النزوات.

ومع توالي التهديدات الإرهابية على بلادنا، شددت السلطات الأمنية الخناق على ظاهرة كراء الشقق المفروشة، حيث أصبحت إجراءات التبليغ بهويات المكترين أمرا ضروريا يجر أصحاب الشقق إلى المساءلة في حالة التهاون.

وبالرغم من كل هذه التحذيرات، لا تزال ظاهرة كراء الشقق المفروشة تتم خارج إطارها القانوني، مما يطرح السؤال حول تحيين الإطار القانوني لسد الفراغ التشريعي وتنظيم هذه العملية، وسد باب التهرب الضريبي الذي يحرم خزينة الدولة من استخلاص مستحقاتها.

وسطاء السوق السوداء:

بمجرد وصول الزائر إلى مدخل مدينة الجديدة يجد نفسه أمام طوابير من حاملي مفاتيح الشقق المفروشة والفيلات يلوحون بها على الزوار حسب المدة التي يرغبون بقضائها، في غياب شبه تام لأي شروط أو التزامات تحترم هذا التعاقد أمنيا وقانونيا وأخلاقيا.

دفعنا الفضول، أنا وصديقي، إلى أن نقصد أحد حاملي المفاتيح، فكان طلبنا هو إيجاد شقة ليومين، فأجاب بأن الطلب متوفر، والثمن هو 600 درهم لليلة الواحدة، دون أن يطالبنا بأي شروط أو التزامات، عكس ما وقع حين وجهنا الطلب نفسه إلى إحدى الوكالات المتخصصة في كراء الشقق المفروشة، حيث طلب منا صاحبها ملء استمارة معلومات، ونسختين من بطاقة التعريف الوطنية، إضافة إلى الالتزام بعدم الزيادة في عدد المقيمين المصرح به في الاستمارة، مبررا ذلك بأسباب أمنية وتعليلات أخرى من قبيل أن أصحاب الشقق أصبحوا يشتكون من “ظاهرة” الاتفاق مع بضعة أفراد لكراء الشقة، وبمجرد أن تتم عملية الكراء يصبح عدد الأفراد المقيمين أكثر من الطاقة الاستيعابية للشقة، مما يؤثر سلبا، حسب زعمه، على وتيرة استهلاك الماء والكهرباء، إضافة إلى خسارات مادية أخرى.

الشقق المفروشة.. أوكار تخفي العديد من الممنوعات:

أغلب الذين التقيناهم من حاملي مفاتيح الكراء لا يشترطون أي شيء سوى الاتفاق على ثمن الكراء، الذي يتجاوز في المتوسط 400 درهم لليلة الوحدة، وقد تنخفض هذه السومة إلى حدود 200 درهم، كما جاء على لسان أحد الشبان الذين التقيناهم، وحينما استفسرناه عن مكان هذه الشقق، لم يتردد في إبداء استعداده لمرافقتنا إلى المكان المحدد لمعاينة الشقة.

ومع إلحاحه الشديد في مرافقتنا، أراد زميلي أن يتخلص منه بسؤال محرج حول إمكانية اصطحاب فتيات لقضاء بعض الليالي الحمراء، فكانت المفاجأة على لسانه أن هذه الشقق معدة أصلا لمثل هذه الأغراض ولزبناء خاصين. ركب معنا السيارة وتوجهنا إلى مجمع سكني عبارة عن عمارات تضم العديد من الشقق، وعند وصولنا ربط اتصالا هاتفيا بإحدى مالكات الشقق المفروشة، التي حددت الثمن في مبلغ 250 درهما إذا تجاوزت الإقامة خمس ليال و300 درهم لليلة الواحدة إذا انخفض عدد الليالي عن خمس.

ونحن نغادر المجمع السكني بادر زميلي بتوجيه سؤال إلى الشاب المرافق عن سر هذا الرواج داخل هذا المجمع، فهمس لنا، وهو يمجّ ما تبقى من سيجارته، بأن هذه الشقق تعود أغلب ملكيتها إلى ممتهنات عالم الليل، وأن أقساط تسديد القروض تتم من مداخيل إيجارها، مختتما حديثه بأن عروض المتعة متنوعة ومتاحة ابتداء من الكراء لساعات إلى أكثر من ليلة حسب رغبة الزبائن واستعدادهم لتغطية مصاريف هذه العروض.

أما بخصوص شروط والتزامات المكتري، فإن الأمر، حسب الوسيط المرافق، يبقى غير إلزامي مادام أداء مستحقات الكراء يكون كاملا بمجرد الاتفاق، زيادة على خدمات أخرى إضافية خلال مدة الإقامة.

 شبكات تكتري شققا فاخرة وتخصصها لزبناء من نوع خاص:

أكدت مصادر مطلعة أن ظاهرة كراء الشقق الفاخرة تتم غالبا وفق ضوابط قانونية عبر وكالات متخصصة في المجال تقوم بعرض منتوجاتها بواسطة مواقع إلكترونية تتضمن استمارات خاصة بمعلومات تخص المكتري ومرافقيه، فيما تفضل شبكات أخرى التحايل عل الضوابط القانونية، وتجند جيوشا من السماسرة المتخصصين في اقتناص الراغبين بقضاء الليالي الحمراء داخل شقق فاخرة مفروشة، تقوم بكرائها من ملاكها الأصليين بدون عقود وبسومة كرائية شهرية تتراوح بين 3000 و4000 درهم لتعيد كراءها لليلة الواحدة بأثمنة تتراوح بين 800 و1000 درهم، وقد يتضاعف الثمن خلال فصل الصيف بحكم ارتفاع الطلب على مثل هذه الشقق.

وتضيف المصادر نفسها أن الخدمات التي ترافق المقيمين في هذه الشقق، وخصوصا الأجانب، تتضاعف إلى أثمنة خيالية، خصوصا إذا تعلق الأمر بإحضار مشروبات كحولية في أوقات متأخرة من الليل، إضافة إلى أنواع أخرى من المخدرات التي يطلبها بعض المدمنين من الزبائن.

هذه الشبكات أصبحت تسيء إلى سمعة مدينة الجديدة، تقول سناء القاطنة بإحدى العمارات. وأضافت بنبرة حزينة “ندمت ندما شديدا حينما اقتنيت شقة عن طريق قرض بنكي مناصفة أنا وزوجي، وكان أملنا أن نعيش حياة مستقرة كباقي العائلات، إلا أن هذه السهرات الماجنة التي تنظم جهارا داخل الشقق المفروشة جعلت حياتنا جحيما”، مكملة حديثها بصوت متقطع وعيون دامعة “حاولنا بيع شقتنا ولو بثمن أقل بكثير من ثمن اقتنائها للبحث عن مسكن هادئ، إلا أن الأمر بات مستحيلا بحكم السمعة السيئة للعمارة”. وتابعت قائلة إن الوضع يزداد سوءا في فصل الصيف رغم حملات المداهمة التي تشنها المصالح الأمنية بين الفينة والأخرى.

 الرأي القانوني في كراء الشقق المفروشة:

في اتصال هاتفي برشيد وهابي، المحامي بهيئة الجديدة، أكد أن ظاهرة كراء الشقق المفروشة أصبحت متفشية في المدن الساحلية، خاصة مدينة الجديدة. وأضاف أن المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود المغربي كان ينص على أن الكتابة من عدمها شبه محسوم قانونا وقضاء باعتباره غير لازم، فقد كان الفصل 628 يعتبر أن مجرد تراضي الطرفين على الشيء والأجر كاف لإبرام عقد الكراء، وهو ما يعني عدم وجوب الكتابة، محيلا كذلك على الفصل 629 من قانون الالتزامات والعقود، الذي أكد أنه يُرغب بكتابة عقد كراء العقارات، دون أن يعتبر أن غياب الكتابة قد يؤثر على قيام العلاقة الكرائية.

وأشار إلى أنه بعد صدور قانون 12/67، المتعلق بكراء الأماكن السكنية، نصت المادة 3 منه على وجوب إبرام عقد الكراء بمحرر كتابي ثابت التاريخ يتضمن مجموعة من البيانات المحددة في هذه المادة، مستنتجا أن المادة 3 لم تحدد أي جزاء على عدم احترام شرط الكتابة في إبرام عقد الكراء. وأضاف أن هذا ما جعل عمل المحاكم المغربية يتجه إلى السماح بإمكانية إثبات العلاقة الكرائية بشهادة الشهود.

وأوضح وهابي أن ما يُدعم وجهة نظره من كون شرط الكتابة واجب ولازم لإثبات كل علاقة كرائية، خلاف التوجه العملي الذي تسير عليه أغلب المحاكم المغربية، هو ما نصت عليه كذلك المادة 22 من قانون 12/67، التي تشير إلى أن إثبات العلاقة الكرائية لا يكون سوى بعقد مكتوب أو بحكم نهائي يحدد السومة الكرائية بين المكري والمكتري.

وهو الأمر نفسه الذي أكده القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، الذي نص في مادته الثالثة على شرط وجوب تحرير عقد الكراء بمحرر ثابت التاريخ.

وأشار وهابي إلى أنه تم تنظيم مجال ضبط شؤون الشقق المفروشة بمقتضى الظهير الشريف الصادر بتاريخ 11 يناير 1932، حيث ألزمت مقتضيات الظهير المذكور أصحاب الشقق المفروشة بتقديم تصريح مكتوب مقابل وصل الاستلام إلى مصالح الأمن الوطني أو الدرك الملكي حسب الاختصاص الترابي، وكذا إلى مصالح إدارة الضرائب التابع لها محل سكناهم، خلال 15 يوما ابتداء من تاريخ مباشرة الكراء. واعتبر أن مدة 15 يوما لم تعد مناسبة مع تنامي الخطر الإرهابي الذي بات يهدد أمن بلادنا لكون 15 يوما، حسب تصريحه، تعتبر كافية لذوي النيات السيئة لتنفيذ مخططاتهم التخريبية، مما أصبح يتعين معه ضرورة التصريح قبل مباشرة عملية الكراء.

وأضاف أن القانون الجنائي ينص في فقرته السادسة من المادة 218 على أنه بالإضافة إلى حالة المشاركة المنصوص عليها في المادة 129، فإنه يعاقب بالسجن من 10 إلى 20 سنة كل شخص يقدم عمدا لمن يرتكب فعلا إرهابيا أو يساهم أو يشارك فيه مكانا للاجتماع أو السكن أو الاختباء.

وأكد أن عملية إيجار الشقق المفروشة خارج الإطار القانوني يفوت على خزينة الدولة مستحقات جد مهمة، مما أصبح يتطلب تكثيف الجهود بين مختلف الفاعلين، من سلطات معنية ومجالس منتخبة، لإيجاد صيغ إجرائية لمراقبة هذه العملية وضمان سيرها وفق مساطر مضبوطة يتم تعميمها على سائر المدن التي تعرف هذا النوع من الإيجار.

وبخصوص نظام الإيواء عند الساكن، أوضح وهابي أن القانون رقم 80.14 المتعلق بالمؤسسات السياحية وأشكال الإيواء السياحي يعتبر عملية الإيواء عند الساكن شكلا من أشكال الإيواء السياحي، مشيرا إلى أنه يخضع لتسيير عائلي ويتيح لشخص معين استقبال سياح في محل سكناه لليلة أو أكثر. وأوضح أن هذا الشكل من الإيواء السياحي يحدد بنص تنظيمي العدد الأقصى للغرف التي يتم تسويقها في إطار هذا الشكل، مشيرا إلى أن هذا النوع من الإيواء يخضع لرخصة مرفقة بدفتر التحملات، مع مراعاة القوانين المؤطرة واحترام النظام العام، لافتا إلى أنه لم تصدر لحد الآن النصوص التنظيمية التي تحدد كيفيات تسليم رخصة الاستغلال ومدة صلاحيته وكذا نموذج دفتر التحملات، مما أصبح يتعين معه ضرورة تنزيله على أرض الواقع لتأطير العملية قانونيا وأمنيا.

هذا وقد سبق للمصالح المركزية لوزارة الداخلية أن نبهت في بلاغ لها إلى أن أي تهاون لأصحاب الشقق المعدة للكراء قد يعرضهم للمساءلة القضائية، باعتبارهم شركاء محتملين لمنفذي الجرائم والمبحوث عنهم من طرف مختلف المصالح الأمنية بواسطة مذكرات بحث وطنية، على اعتبار أنهم يوفرون ملذات آمنة لذوي النوايا الخبيثة.

*باحث في الصحافة والإعلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى