قانون الوظيفة العمومية يحرم غالبية القضاة من الحصول على “عطلة الأبوة”
بعد مُضي نحو عام على دخول النص القانوني الذي يخول لموظفي القطاع العمومي حق الاستفادة من عطلة الأبوة، ما زال أغلب القضاة محرومين من الاستفادة من هذا الحق بسبب عدم الحسم في مسألة أحقيتهم في الاستفادة.
وأفاد مصدر قضائي بأن حق استفادة القضاة من رخصة الأبوّة، التي تم إقرارها بعد تعديل قانون الوظيفة العمومية، ما زال متأرجحا بين قرارات فردية للمسؤولين القضائيين في ظل عدم صدور منشور من المجلس الأعلى للسلطة القضائية يحسم في أحقية استفادة القضاة من هذا المقتضى.
وأضاف المصدر ذاته أن هناك تفاوتا بين المسؤولين القضائيين بالمحاكم في تفعيل هذا المقتضى الذي يروم تكريس مقاربة النوع الاجتماعي وإذكاء مفهوم الذكورة الايجابية وتقاسم الأدوار والمسؤوليات العائلية، “بين محاكم تفعل رخصة الأبوة المحددة في 15 يوما للقضاة طبق المقتضيات قانون الوظيفة العمومية الذي يبقى بمثابة الشريعة العامة، ومسؤولين يرفضون ذلك لانعدام نص في النظام الأساسي للقضاة الذي يبقى هو القانون الخاص”.
وأوضح المصدر ذاته أن عددا من المقتضيات القانونية غير المنصوص عليها في النظام الأساسي للقضاة يرجع فيها إلى قانون الوظيفة العمومية.
حرمان أغلب القضاة من رخصة الأبوة أكده عبد الرزاق الجباري، رئيس نادي قضاة المغرب، الذي أوضح أن الأمر لا يتعلق فقط برخصة الأبوة بل برخصة الكفالة أيضا، بالنسبة للقضاة والقاضيات.
وقال الجباري، في تصريح لهسبريس، إن نقاشا أثير وسط الجسم القضائي، بعد نشر القانون رقم 30.22 القاضي بتغيير النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، بعد صدور الظهير الشريف المنفذ له في الجريدة الرسمية، حول مدى استفادة القضاة من هذا النوع من الرخص، خصوصا رخصة الأبوة بالنسبة للآباء من القضاة ورخصة الكفالة للقضاة والقاضيات معا.
أردف الجباري بأن النقاش المثار حول المقتضيات الجديدة في الشق المتعلق برخصة الأبوة ورخصة الكفالة أسفر عن عدم منح هذه الرخص من طرف جل المسؤولين القضائيين بالمحاكم إلا نادرا، بعلة كون الفصل الرابع من قانون الوظيفة العمومية يستثني تطبيق هذا القانون على رجال القضاء.
ويرفض نادي قضاة المغرب هذا التعليل، ويطالب بـ”التأويل الديمقراطي للفصل الرابع المذكور، وتطبيق قانون الوظيفة العمومية على القضاة فيما لم ينص عليه نظامهم الأساسي، ومن ذلك تمتيعهم برخصة الأبوة والكفالة”.
ويستند نادي قضاة المغرب، في دفاعه عن التأويل الديمقراطي لقانون الوظيفة العمومية، كما جاء على لسان رئيسه، “على مبدأ المساواة بين جميع الأشخاص أمام القانون، طبقا للفصل السادس من الدستور، إذ لا مبرر لتمييز القضاة عن باقي الموظفين العموميين بهذا الخصوص”.
وأضاف أن نادي قضاة المغرب استند أيضا في موقفه “على ضرورة احترام مبدأ تمتيع الرجل والمرأة، بغض النظر عن مركزيهما، على قدم المساواة، بكافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، طبقا للفصل الـ19 من الدستور، وكل ذلك تعزيزا لحقوق القضاة، رجالا ونساء، وتمكينهم من التوفيق بين حياتهم المهنية وحياتهم الخاصة، وذلك انسجاما مع مبدأ المسؤولية المشتركة الذي تقوم عليه الأسرة المغربية”.
وسبق للمكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب أن رفع وجهة نظره بشأن حرمان القضاة من رخصة الأبوة والكفالة إلى أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية، عن طريق لجنته المكلفة بالتواصل مع الجمعيات المهنية للقضاة.
وقال الجباري إن النادي “عبر عن موقفه الرافض للتأويل الذي يعطى للفصل الرابع من قانون الوظيفة العمومية من قبل المسؤولين القضائيين، لأن إرادة المشرع في نصه على عدم تطبيق القانون المذكور على القضاة ترتد إلى علة مراعاة بعض الخصوصيات التي تتميز بها الوظيفة القضائية. أما ما دون هذه الخصوصيات، فيبقى القانون المذكور شريعة عامة فيما لم ينظمه النظام الأساسي للقضاة وما لم يخالف تلك الخصوصيات”.
واعتبر المتحدث ذاته أن عدم تمتيع القضاة برخصة الأبوة والكفالة “ليس فيه مراعاة لأية خصوصية قضائية، بل هي مرتبطة بإنسانية الموظف؛ وهو ما يشترك معه فيها القاضي باعتباره إنسانا، فلا تمييز في هذا الشأن بين القاضي وغيره من الموظفين”.
وختم بالقول: “نتمنى من المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يصدر توجيها عاما بهذا الخصوص، يراعي التأويل الديمقراطي لقانون الوظيفة العمومية المنبني على أساس المساواة بين جميع أطر وموظفي الدولة”.