روسيا وأوكرانيا: ما أثر انتهاء اتفاقية الحبوب الأوكرانية على أسعار الغذاء حول العالم؟
سجلت أسعار القمح حول العالم ارتفاعا ملحوظا بعد أن رفضت روسيا تمديد اتفاقية الحبوب مع أوكرانيا.
وبموجب هذه الاتفاقية، تبحر السفن عبر البحر الأسود محملة بملايين أطنان القمح إلى باقي دول العالم.
ما هي اتفاقية الحبوب؟
عندما اجتاحت روسيا الأراضي الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، أغلق الأسطول الروسي موانئ على البحر الأسود، مما حال دون تصدير 20 مليون طن من القمح.
وأدى ذلك بدوره إلى ارتفاع ملموس في أسعار الغذاء على نحو هدّد بحدوث نقص في المواد الغذائية بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والتي تستورد بلدانها كميات كبيرة من الحبوب الأوكرانية.
وفي يوليو/تموز 2022، أُبرمت اتفاقية بين روسيا وأوكرانيا بوساطة من تركيا والأمم المتحدة. وبموجب هذه الاتفاقية، تبحر السفن المحملة بالحبوب عبر ممر في البحر الأسود بطول 310 أميال بحرية وعرض ثلاثة أميال.
ويمتد المعبر بين موانئ أوديسا وتشورنومورسك ويوجني/بيفديني الأوكرانية.
وتمنح الاتفاقية أسطول روسيا البحري الحقّ في تفتيش السفن العابرة لمضيق البوسفور عند مدخل البحر الأسود، للبحث عن أسلحة.
وبموجب هذه الاتفاقية، جرى شحن نحو 33 مليون طن من الحبوب الأوكرانية، كما تراجعت أسعار الغذاء العالمية بنحو 20 في المئة نتيجة لذلك، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
أين ذهبت الحبوب الأوكرانية؟
وفقا لمركز التنسيق الأممي المشترك، ذهبت 57 في المئة من الصادرات الغذائية الأوكرانية على مدار العام الماضي إلى دول نامية، فيما ذهبت 43 في المئة من تلك الصادرات إلى دول متقدمة.
وكانت الصين وإسبانيا وتركيا وإيطاليا على رأس الدول التي تلقت تلك الصادرات الأوكرانية.
وتتذرّع روسيا في انسحابها من الاتفاقية بفشل أوكرانيا في تصدير نسبة أكبر من الحبوب إلى دولٍ أكثر فقرا. فيما تقول الأمم المتحدة إن أوكرانيا قدّمت إلى برنامج الأغذية العالمي 725 ألف طن من الحبوب، كانت في طريقها كمساعدات إنسانية إلى أفغانستان وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال والسودان واليمن.
كما يقول الاتحاد الأوروبي إنه على مدار العام الماضي، أمدّت أوكرانيا برنامج الأغذية العالمي بأكثر من 80 في المئة من كل ما لديه من الحبوب، مقارنة بـ 50 في المئة قبل الحرب.
ووصفت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس-غرينفيلد، انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب بأنه “عمل وحشي”.
وتشير تقديرات إلى أن أكثر من 50 مليون شخص في كل من الصومال وكينيا وإثيوبيا وجنوب السودان هم الآن في حاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية بعد سنوات من الجفاف.
كيف تأثرت أسعار الغذاء بعد تعليق روسيا مشاركتها في الاتفاقية؟
انتهت اتفاقية الحبوب في 17 يوليو/تموز الجاري. ومنذ ذلك اليوم، شنت روسيا سلسلة من الغارات على موانئ أوكرانية، ما أدى إلى إفساد حوالى 60 ألف طن من الحبوب.
كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها تعتبر كل سفن البضائع في البحر الأسود المتجهة إلى أوكرانيا، أهدافا عسكرية محتملة.
وأوكرانيا إحدى أكبر دول العالم المصدّرة للمحاصيل الغذائية مثل زيت عباد الشمس والشعير والذرة والقمح.
وكان لانتهاء اتفاقية الحبوب أثر كبير على أسواق الغذاء العالمية؛ حيث سجلت أسعار القمح ارتفاعا حادا في أسواق الجملة الأوروبية والأمريكية على السواء.
لماذا رفضت روسيا تجديد اتفاقية الحبوب؟
عندما توسّطت الأمم المتحدة لإبرام اتفاقية الحبوب، قالت لروسيا إن ذلك سيساعدها في تعزيز صادراتها من الحبوب والمخصّبات.
وعلى الرغم من أن دولا غربية لم تفرض عقوبات على الصادرات الزراعية الروسية، تقول موسكو إن قيودا أكثر شمولا مفروضة عليها بالفعل تعيق شركات الشحن والبنوك وشركات التأمين الدولية من التعامل مع المنتجات الروسية.
وطالبت موسكو بعودة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام سويفت العالمي (والذي حجب كل البنوك الروسية في يونيو/حزيران 2022).
واقترحت الأمم المتحدة أن تنشئ روسيا فرعا للبنك، يتم السماح فيه باستخدام نظام سويفت، لكن روسيا رفضت المقترح الأممي.
كما رفضت روسيا مقترحات أخرى، مثل مبادلة مدفوعات بمنتجات غذائية ومخصّبات عبر بنك جي بي مورغان تشيس أو عبر البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير.
وتشترط روسيا تلبية كل شروطها قبل أن تجدّد اتفاقية الحبوب.
هل يمكن لأوكرانيا أن تصدّر حبوبها عبر مسار آخر؟
تسعى جمعية الحبوب الأوكرانية إلى تصدير الحبوب عبر أوروبا، من خلال موانئ على نهر الدانوب.
على أن هذا المسار لا يتسع لتصدير الكثير من صادرات الحبوب، فضلا عن التكلفة المرتفعة لذلك وطول الوقت المستغرق فيه.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعدّ خطة في مطلع عام 2022 من أجل توزيع الحبوب الأوكرانية حال عدم التمكّن من شحنها عبر البحر الأسود.
وأفادت خطة الاتحاد بأنه يمكن نقل صادرات أوكرانيا من الحبوب عبر حدودها مع بولندا، قبل أن تؤخذ هذه الحبوب إلى موانئ على بحر البلطيق، أو إلى ميناء كونستانتسا في رومانيا.
على أن لخطوط السكك الحديدية في أوكرانيا مقاييس مختلفة عن نظيراتها في بقية دول أوروبا، مما يعني أن كل شحنة من القمح يجري نقلها عبر السكك الحديدية سيتعيّن عند الحدود نقلها من قطارات إلى قطارات أخرى.
علاوة على ذلك، لا تتمتع شبكة السكك الحديدية في أوروبا الشرقية بالطاقة الكافية لنقل حتى كميات صغيرة من الحبوب التي كانت أوكرانيا في السابق تصدّرها عبر الطرق البرية.