هل يعوض المغرب “سياسة السدود” بتحلية مياه البحر لتوفير المياه السطحية؟
فرضت التغيرات المناخية والظروف الصعبة التي يواجهها المغرب، على غرار مجموعة من دول العالم من حيث ندرة المياه، تساؤلات عديدة على مختلف المتدخلين في إرساء السياسات العمومية بالبلاد، لاسيما تلك المتعلقة بالماء، سواء الموجه إلى الشرب أو الري الفلاحي.
ولعل أبرز التساؤلات المطروحة في الوقت الراهن هو: كيف يمكن مواجهة التأثير المتعاظم لدرجات الحرارة المرتفعة التي تُسجلها البلاد في السنوات الأخيرة على مخزونه من مادة الماء، لاسيما السطحية التي يتم تجميعها في سدود أُحدثت وأخرى قيد الإنشاء، نتيجة تسارع وتيرة التبخر وانخفاض مخزونها الاحتياطي، لاسيما في ظل شح التساقطات؟.
وبلغ احتياطي مخزون سدود المملكة، إلى غاية اليوم الاثنين 17 يوليوز الجاري، 4935,1 مليون متر مكعب بنسبة ملء بلغت 30،6 في المائة؛ فيما تُشير الأرقام الأخيرة الصادرة عن المديرية العامة لهندسة المياه التابعة لوزارة التجهيز والماء إلى أن غالبية السدود لا يتجاوز مخزونها الاحتياطي نسبة الـ40 في المائة.
ولمواجهة تحديات الاعتماد على الموارد المائية التقليدية (المياه السطحية والجوفية)، يعتزم المغرب إحداث مجموعة واسعة من محطات تحلية مياه البحر خلال السنوات المقبلة، تم الشروع بالفعل في تنفيذ بعضها، خاصة محطة التحلية بالدار البيضاء التي تبلغ سعتها 300 مليون متر مكعب في السنة، وسيتم العمل بها خلال 2026، فضلا عن محطات أخرى بمجموعة من جهات المملكة ما بين 2027، 2030، 2035، 2040، 2045.
ويطرح هذا التوجه نحو توسيع مجال تحلية مياه البحر، -وفي ظل إكراهات الحفاظ على مخزون المياه السطحية والجوفية- سؤال إمكانية تعويض المغرب “سياسة السدود” بـ”سياسة محطات التحلية”.
وقال أحمد الهوتي، خبير في الهندسة القروية أحد أعضاء المجموعة الفرعية للماء لخريجي معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، إن إنجاز محطات تحلية المياه في هذه الظرفية “إجراء راهني لا مفر منه لحل مشاكل تزويد الساكنة بالمياه خاصة، الصالحة للشرب”.
وأضاف الهوتي، ضمن تصريح لهسبريس، أن المياه المحلاة تبقى، من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، “السبيل الوحيد لمعالجة مشكل ندرة مياه الشرب، مع التحفظ على إمكانية استعمالها في الري الفلاحي، إلا في حالات نادرة وفي مناطق معينة متخصصة في إنتاج منتجات فلاحية ذات قيمة عالية وموجهة للتصدير”.
واعتبر الخبير ذاته إلى أن المغرب “استفاد من تجربة سنوات الجفاف، بحيث لم يعد يبني سياسته المائية على الموارد المائية الطبيعية فقط، والتي هي في طريقها نحو النقصان نتيجة التغيرات المناخية التي تعرفها جميع دول العالم”.
من جانبه، استبعد الخبير الزراعي محمد بنعطا تخلي المغرب على “سياسة السدود” بالرغم من “ما لهذه السياسة وما عليها”، وفق تعبيره.
وأكد بنعطا، في تصريح لهسبريس، أن المغرب “في حاجة إلى إعادة النظر في حكامة تدبير الموارد المائية المتوفرة”، مبرزا أنه ما يُلاحظ الآن في السياسات المائية للبلاد هو “سياستين متناقضتين وتسيران في اتجاه معاكس؛ وهما السياسة المائية والسياسة الفلاحية”.
وخلص الخبير الزراعي ذاته، في هذا السياق، إلى أن “محطات تحلية مياه البحر قد تسدد حاجيات الماء الصالح للشرب لبعض المدن؛ لكنها تحتاج بكل تأكيد إلى دراسة حول تأثيرها على ملوحة البحار وتنوعها البيولوجي”.