كأس العالم للسيدات: كيف أسهمت ثورة كرة القدم الممولة من الملك في تعزيز تلك الرياضة في المغرب؟
- Author, إيان ويليامز
- Role, بي بي سي سبورت أفريكا
“لطالما ظل المغرب بلد كرة قدم للرجال، وكان لا بد وأن يصبح بلد كرة قدم للنساء أيضا”.
رينالد بيدروس هو المدرب الذي سيقود فريق كرة قدم السيدات المغربي خلال أول مشاركة له في بطولة كأس العالم والتي ستقام في كل من أستراليا ونيوزيلندا. بعد أن صنع التاريخ بالفعل عندما قاد فريقه للتأهل، يدرك بيدروس جيدا أن هذه الأيام تحمل الكثير من الإثارة لمشجعي الرياضة المغاربة – ذكورا كانوا أم إناثا.
خلال بطولة كأس العالم التي أقيمت في قطر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نجح منتخب المغرب لكرة القدم للرجال، الذي لُقب أعضاؤه بـ”أسود الأطلس”، في أن يكون أول منتخب عربي وأفريقي يصل إلى الدور قبل النهائي للبطولة.
كما تمكن منتخب البلاد الأوليمبي من التأهل لأوليمبياد باريس التي ستقام العام القادم بعد فوزه بكأس الأمم الأفريقية لمن هم دون 23 سنة.
لكن الاستثمارات الأخيرة التي ساعدت على تحقيق تلك الإنجازات في كرة قدم الرجال سمحت أيضا للاعبات البلاد بالتفوق، حيث حجز منتخب السيدات مكانا له في كأس العالم بعد وصوله إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية العام الماضي، محققا أفضل نتيجة لبلاده في تاريخ المنافسة.
فلماذا إذن تعالى زئير “لبؤات الأطلسي” أكثر من أي وقت مضى؟
منشآت تليق بالملوك
في عام 2009، افتتح الملك محمد السادس أكاديمية جديدة لكرة القدم بالمغرب بالقرب من مدينة سلا. الفكرة من وراء تلك الأكاديمية، التي أنشأت برعاية وتمويل ملكي، هي تخريج لاعبين ولاعبات من الشباب قادرين على تطوير كرة القدم المغربية وإعادة رسم صورتها بوصفها رياضة للجنسين.
التركيز المبدأي على الرياضة على مستوى القاعدة الشعبية شمل أيضا إنشاء المئات من الملاعب فائقة الجودة في شتى أنحاء البلاد، ولكن تلك الجهود بلغت ذروتها في عام 2019، عندما افتتح الملك، وهو مشجع متحمس لكرة القدم، منشأة حملت اسمه، هي مجمع محمد السادس الرياضي، بالقرب من العاصمة المغربية، الرباط.
المركز، الذي تكلف إنشاؤه 65 مليون دولار أمريكي، هو المقر الذي تتدرب فيه فرق الرجال والنساء الدولية وكذلك فرق الناشئين، ويضم ثمانية ملاعب بالحجم الكامل وملاعب لكرة القدم الخماسية وكرة القدم الشاطئية، وصالة تدريبات رياضية “جيمنازيوم”، وحمام سباحة بالحجم الأوليمبي وفصولا، فضلا عن فندق خمس نجوم.
تقول لاعبة الدفاع المغربية ياسمين مرابط في تصريحات لفريق بي بي سي سبورت أفريكا خلال زيارته للمجمع: “لا يمكنك أن تطلب أكثر من هذا. أنا أشعر حقا بأنني لاعبة كرة قدم محترفة”.
“الاستثمار الذي قام به الاتحاد في العامين الماضيين، ولا سيما في مجال كرة قدم السيدات، كان رائعا. وتستطيع أن ترى النتائج بوضوح”.
بالفعل تستطيع ذلك.
قبل استضافة كأس أفريقيا لكرة قدم السيدات العام الماضي للمرة الأولى، كان المغرب قد تأهل للبطولة مرتين (عامي 1998 و2000)، حيث فاز منتخبه بمبارة واحدة فقط من بين ست مباريات، وأحرز خمسة أهداف مقابل 22 هدفا دخلت شباكه. وعلى أرضه، وصل المنتخب إلى المبارة النهائية التي خسرها، حيث أحرز هدفا واحدا مقابل هدفين مكنا منتخب جنوب أفريقيا من الفوز، أمام جمهور من المشجعين بلغ 51 ألف مشجع.
تقول قائدة الفريق غزلان شباك التي لعب والدها العربي شباك ضمن منتخب بلاده خلال بطولة كأس الأمم الأفريقية الوحيدة التي فاز بها المغرب، عام 1976: “لقد أدهشتنا الجماهير الغفيرة التي أخذت تزداد بعد كل مباراة”.
وأضافت اللاعبة البالغة من العمر 32 عاما بعد انتهائها من جلسة تدريب صباحية: “بدأنا نلعب وقد غمرنا الكثير من المشاعر. واجبنا هو أن نكون قدوة يُحتذى بها”.
“كانت هناك مجهودات جادة، وقد شرعنا في جني الثمار. إننا محظوظون لكوننا من أبناء هذا الجيل”.
يتفق مدرب منتخبها الوطني، بيدروس، على أن المجهودات التي بذلت خارج أرض الملعب لعبت دورا رئيسيا في تنفيذ ما وصفه بـ”رغبة الملك”.
يضيف المدرب الفرنسي الذي تعاقد معه الاتحاد المغربي لكرة القدم (الجمعية الملكية لكرة القدم) في ديسمبر/كانون الأول عام 2020 بعد فوز فريق ليون الذي كان يدربه بدوري أبطال أوروبا مرتين: “أعتقد أننا لم نكن لننجح لولا دعم الاتحاد لنا”.
“في أوروبا، بدأت [الاستثمارات] منذ زمن بعيد، لكن المغرب واحد من عدد قليل من البلدان الأفريقية التي تستثمر في كرة قدم السيدات.
“بمجرد أن تؤمن بما تفعل، فإنك تمرر هذه الشعلة لآخرين”.
احتراف
الاستثمار لم يوجه فقط للبنية التحتية ولدفع رواتب مدربين أجانب ناجحين.
في أغسطس/آب عام 2020، وقع الاتحاد المغربي لكرة القدم اتفاقا مع دوري السيدات الوطني لجعل المنافسة احترافية. كما أعلن عن خطط لإقامة بطولة وطنية لمن هن دون سن الـ 17، وكذلك منافسات إقليمية للشابات.
الدافع وراء ذلك المشروع لم يكن فقط صناعة لاعبات عاليات الاحتراف للمستقبل – ولكنه كان أيضا شكلا من أشكال الهندسة الاجتماعية في بلد مسلم له قيمه التقليدية.
وقال فوزي لقجع رئيس الاتحاد لدى إعلانه عن خطط زيادة عدد النساء اللاتي يمارسن رياضة كرة القدم ليصل إلى 90 ألف سيدة بحلول عام 2024، وتمرين 10 آلاف مسؤولة تنفيذية لإدارة العديد من النوادي والمسابقات الجديدة: “هدفنا هو تطوير كرة قدم السيدات ونشر هذه الممارسة في كل مناطق المملكة”.
ولتحقيق تلك الأهداف، ارتفعت ميزانية كرة القدم النسائية إلى 65 مليون دولار – أي بمعدل 10 أمثال.
يقول معاذ عكاشة رئيس فريق سبورتينغ الدار البيضاء النسوي: “لم يكن من السهل في الماضي أن يكون لدينا نساء يمارسن رياضة كرة القدم”.
“واليوم، أصبح الأمر سهلا للغاية، حيث ترى الآباء يأتون مع بناتهن ويشجعوهن ويتفاوضون مع المدارس لتخصيص أوقات للمزيد من التمرينات”.
“هناك أثر اجتماعي نراه بوضوح في كافة أنحاء المغرب”.
تشكل نادي سبورتينغ الدار البيضاء قبل أربعة أعوام وبدأ منافساته في دوري الدرجة الثالثة. والعام الماضي، احتل النادي الترتيب الثاني في الدوري الممتاز، متأهلا لدوري أبطال أفريقيا للسيدات، وهي مسابقة فاز بها العام الماضي نادي الجيش الملكي المغربي.
وكغيره من باقي نوادي الدور الممتاز، يتلقى سبورتينغ الدار البيضاء مخصصات مالية سنوية قدرها 120 ألف دولار لتغطية نفات الرواتب، وهو ما سمح للنادي بالتعاقد مع لاعبات من بوركينا فاسو وساحل العاج ونيجيريا.
يقول عكاشة إن الاحترافية الجديدة أدت إلى رفع المستويات.
“أنت بحاجة إلى أن يكون لديك بطولة قوية داخل البلاد. وسوف تغذي [النوادي] منتخبنا الوطني تلقائيا لجعله الأفضل في أفريقيا وواحدا من بين الأفضل في العالم”.
“على النساء التزام بيوتهن”
ورغم التقدم الذي أحرز، لم يتخل الجميع على ما يبدو عن وجهة النظر التي تعتبر كرة القدم رياضة للرجال فقط وليس للنساء.
وبسؤالها عن طريقة التفكير التقليدية تلك، أجابت مرابط: “لم تختف تماما. أعتقد أن كرة قدم النساء ما زالت تعيش في هذا الموقف”.
وفقا لريم ذات الأربعة عشر عاما، والتي تلعب ضمن فريق الناشئات بنادي سبورتنغ الدار البيضاء، فإن فرص الفتاة لا تزال تعتمد على موافقة الآباء.
تشرح قائلة: “لقد نشأت في أسرة تعشق الرياضة. والدتي مدربة سباحة ووالدي مدرب رفع أثقال لذوي الاحتياجات الخاصة”.
“غالبية الناس لا يقبلون أن النساء يمكن أن يلعبن كرة القدم أيضا، لأن من واجبهن البقاء في البيت لكي يرعين الأطفال ويصبحن أمهات يقتدى بهن وزوجات صالحات”.
“لكني أرى العكس، فالنساء يستطعن أن يفعلن العديد من الأشياء، ويمكنهن تطوير العديد من مناحي حياتهن من خلال كرة القدم”.
الأمل هو أن تساعد مشاركة المغرب الأولى في كأس العالم للسيدات على تكسير الحواجز العنيدة.
تقول شباك: “هذا هو هدفنا، أن نظهر أنه حتى في المغرب، هذا البلد المسلم المحافظ، لدينا الانفتاح اللازم وباستطاعتنا توصيل القيم التي نرغب في توصيلها”.
وبوصفها وجه ثورة كرة قدم النساء في المغرب، فإن شباك، صاحبة الرقم القياسي الوطني لأكبر عدد من الأهداف، ترى أن اسمها أصبح رمزا مميزا للنجاح.
“اليوم، ترتدي الفتيات قمصان شباك ويتمنين أنهن سوف يلعبن ويرتدين قمصانا عليها أسماؤهن في يوم من الأيام. هذا هو الشيء الذي يسعدني ويحملني مسؤولية كبيرة لبذل المزيد من الجهد”.
ومثل قائدة فريقها، ترى مرابط أن التغيير بات جليا بالفعل.
“أرى العديد من الفتيات يلعبن كرة القدم..في الشوارع، وعلى الشواطئ”.
“ما أحققه الآن في المغرب هدفه أكبر من مجرد كرة القدم”.
“نحن نرغب في التقدم إلى الأمام، ولن نتوقف”.