زيارة تبون إلى الصين .. معاكسة المصالح المغربية تمر عبر المعسكر الشرقي

بعد شهر من زيارته إلى موسكو، يستعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى زيارة أخرى ستقوده هذه المرة إلى الصين، حليفة روسيا، في الفترة الممتدة ما بين الـ17 والـ22 من شهر يوليوز الجاري، في إطار “تعزيز العلاقات المتينة والمتجذرة وتقوية التعاون الاقتصادي بين البلدين”، حسب بيان للخارجية الجزائرية.
زيارة تعكس توجها واضحا في السياسة الخارجية الجزائرية نحو المعسكر الشرقي بقيادة كل من الصين وموسكو، في خطوة يرى فيها محللون “محاولة من الجزائر لتضييق الفارق العسكري بينها وبين الرباط”، ومعاكسة المصالح القومية للمغرب في ما يخص وحدته الترابية، إضافة إلى تقوية العلاقات الاقتصادية مع بكين، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد نتيجة اعتمادها الكامل على “الطاقة”، في وقت اتجهت فيه أغلب الدول النفطية إلى تقليل اعتمادها على النفط والغاز عبر البحث عن بدائل جديدة.
أسلحة لتقليص الفارق مع المغرب
محمد الطيار، خبير أمني، قال إن “الرئيس الجزائري يسعى، من خلال هذه الزيارة، إلى توسيع التعاون مع الصين في المجال العسكري، خاصة أن الجزائر تحاول بأي شكل من الأشكال التخلص من هيمنة السلاح الروسي على ترسانتها العسكرية والحصول على منظومات دفاعية من خارج السوق الروسية”.
“كما تسعى كذلك إلى الحصول على أسلحة متطورة تعتمد التكنولوجيا الصينية، خاصة فيما يتعلق بالطائرات المسيرة لمحاولة تقليص الفارق الكبير بينها وبين المغرب في هذا المجال”، أضاف المتحدث عينه، الذي أوضح أن “المنظومة الدفاعية المغربية أصبحت تمتلك أسلحة نوعية بتقنيات متطورة وتكنولوجيا دقيقة ودقة عالية في تحديد وضرب الأهداف العسكرية، نتيجة الشراكات المغربية مع عدد من الدول في هذا الإطار على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؛ وهو ما يُثير حفيظة النظام الجزائري”.
ومقابل سعيه إلى تقليص الفارق العسكري بينه وبين المملكة المغربية، أكد الطيار أن “النظام العسكري الجزائري سيقدم مبالغ وامتيازات اقتصادية كبيرة للصين على شاكلة ما قدمته لموسكو، من أجل معاكسة المغرب وتهديد الأمن والاستقرار في محيطه الإقليمي”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “السقوط المدوي للجزائر في أحضان المعسكر الشرقي ستكون له تداعيات خطيرة على هذا البلد، الذي سيكون بلا شك موضوع موقف من الدول الغربية التي لا يمكن أن تقبل ارتماء الجزائر بهذا الشكل السريع في أحضان موسكو وبكين”.
شراكة اقتصادية لا تعكس المواقف
بدر زاهر الأزرق، محلل اقتصادي، قال إن “الجزائر تعتبر من أكبر الشركاء الاقتصاديين، سواء بالنسبة للصين أو بالنسبة لروسيا. كما أن لبكين حضورا قويا على مستوى مجموعة من القطاعات الاقتصادية؛ في مقدمتها قطاع البناء والمحروقات”.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن “هذه الشراكة الاقتصادية القوية بين البلدين لا تنعكس، إلى حدود الساعة، على المواقف السياسية للصين تجاه قضايا المنطقة”، لافتا إلى أن “المملكة المغربية بدورها من أهم الشركاء الاقتصاديين للصين، التي انخرطت في مجموعة من مشاريع البنى التحتية والطاقات المتجددة التي أطلقها المغرب في السنوات الأخيرة”.
في السياق نفسه، أورد الأزرق أن “هناك أيضا مجموعة من الاستثمارات الصينية في المغرب في قطاع السيارات، إضافة إلى استثمارات أخرى مرتقبة سواء في مدينة طنجة التكنولوجية أو في غيرها من المدن المغربية الأخرى، دون أن ننسى أن المملكة تعد من الدول المشاركة في مشروع طريق الحرير الصيني”.
وخلص المتحدث عينه لهسبريس إلى أن “ملف الانضمام إلى مجموعة البريكس سيكون هو الآخر حاضرا ضمن أجندة هذه الزيارة التي ستحاول من خلالها الجزائر إقناع بيكين بشأنه”، مردفا أن “الانضمام إلى هذا التكتل يقتضي أولا استيفاء الجزائر لمجموعة من المعايير، خاصة على مستوى نسبة النمو والناتج الداخلي الخام والالتزام بمجموعة من الإصلاحات، على مستوى البنية الاقتصادية للدولة ومؤسساتها الداخلية”.
حضور ملف الصحراء المغربية
محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، قال إن “زيارة تبون إلى الصين تندرج في إطار محاولة الجزائر التموقع مجددا داخل محيطها الإقليمي والدولي”، مضيفا أن “المشاورات الجزائرية الصينية ربما ستركز على الجانب الاقتصادي بشكل كبير وجذب الاستثمارات الصينية إلى الجزائر، إضافة إلى محاولة كسب ود الصين كدولة عضو في مجلس الأمن على اعتبار دورها في صناعات القرارات الدولية وتمتعها بحق النقض الفيتو”.
وحول إمكانية حضور ملف الصحراء المغربية ضمن هذه المشاورات، أورد العروسي أن “السياسة الجزائرية تركز دائما على هذا الملف في كل المنتديات واللقاءات الدبلوماسية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو على مستوى العلاقات متعددة الأطراف؛ بل حتى على مستوى الأنشطة الثقافية والرياضية، فهي تحاول دائما إقحام قضية الصحراء المغربية في كل مناسبة”.
وتابع: “هذه القضية أصبحت تشكل عنصرا أساسيا ثابتا في السياسة العدائية للجزائر تجاه المغرب. ومن ثم، فهذا الملف من دون أدنى شك سيكون حاضرا في إطار المحادثات الصينية الجزائرية. وقد رأينا هذا الأمر مع العديد من الدول، على غرار ألمانيا وهولندا وإيطاليا، في إطار سياسة رد الفعل ومعاكسة المصالح المغربية”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “الجزائر كانت دائما تحاول خلق تكتل قار معادي للمغرب في العديد من المنظمات الدولية والإقليمية، ومازالت تروج لأطروحتها المتهالكة لدى العديد من الأطراف، وهذا ما ستحاول تكراره مع الصين؛ غير أن موقف هذه الأخيرة معروف تجاه النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية منذ ستينيات القرن الماضي، وهو الدفع بالتسوية السياسية لهذا النزاع”.