الطالبي العلمي يوظف الديبلوماسية البرلمانية في تقوية العلاقات المغربية البريطانية
في الأيام الجارية، يوجد رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، بعاصمة المملكة المتحدة لندن للقاء مجموعة من الشخصيات السياسية النشطة داخل البرلمان البريطاني وخارجه، وذلك لتباحث سبل التعاون البرلماني وتبادل الخبرات سياسيا وديبلوماسيا وإداريا.
لكن هذه الزيارة توضح بشكل ما رهانا استراتيجيا بالنسبة للمغرب، يتعلق بآفاق الديبلوماسية البرلمانية وإمكانية أن تشكل عوائد استراتيجية بالنسبة للبلد الشمال إفريقي داخل المنظمات البرلمانية الأوروبية والعالمية، وأيضا الإقليمية. فما مدى نجاعة هذا الشكل من الديبلوماسية؟
واجهة مهمة
عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، اعتبر أن “هذه الزيارة تأتي في إطار ديبلوماسية برلمانية أثبتت نجاعتها بالنسبة للمغرب كواجهة مهمة للدفاع عن المصالح”، مفسرا بأن “التكتلات البرلمانية تشكل اليوم عنصرا حيويا داخل المجتمع الدولي؛ فهناك عدة تجمعات برلمانية على المستوى العالمي كالاتحاد البرلماني الدولي، أو تجمعات إقليمية كما هو الأمر بالنسبة للبرلمان المتوسطي أو البرلمان الإفريقي أو البرلمان العربي”.
وشدد أدمينو، ضمن تصريح لهسبريس، على أن “هذه المؤسسات صارت مؤثرة فعليا، بحيث تصدر في أحيان كثيرة توصيات ذات مصداقية أو حتى مواقف وبلاغات تهم العديد من القضايا”، مبرزا أن “حضور المغرب على مستوى هذه الهياكل البرلمانية الإقليمية والدولية، هو تصور سياسي يحاول أن يحصن به المغرب مصالحه داخل هذه البرلمانات، بحيث يهمه جدا ألا تُصدر هذه المؤسسات البرلمانية أية مواقف يمكن أن تمس سياساته الخارجية الاستراتيجية، وخصوصا قضية الوحدة الترابية”.
وأضاف أن “المغرب لا ينكر الدور الديبلوماسي للبرلمان، بحيث لاحظنا المجهود الذي بذل على مستوى التواصل مع المؤسسات البرلمانية بأمريكا اللاتينية أساسا، ولا ننسى البرلمان الإفريقي ودوره في عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي”، مؤكدا أن “الديبلوماسية البرلمانية المغربية لعبت أدوارا كبيرة للدفع بالبرلمان الإفريقي لإحباط العديد من المبادرات والمحاولات التي تمس بمصالح المغرب، وخصوصا وحدته الترابية”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن “المغرب دخل في صداقات برلمانية عديدة، وشكل علاقات ثنائية مع نظرائه عبر العالم”، لافتا إلى أن “زيارة رئيس مجلس النواب إلى البرلمان البريطاني تأتي في هذا التوجه الرسمي الذي يراهن أن يعرّف، عبر البرلمان، بالجهود الذي يبذلها المغرب قاريا وعالميا، وإبراز ما تم تحقيقه على المستوى السياسي الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك ما يتيح المغرب من فرص للتعاون بين هذه الدول”.
وبالنسبة لأدمينو، فإن “قوة الرهان على الديبلوماسية البرلمانية في علاقتنا بأوروبا، تتجسد بوضوح في كون البرلمانات في الدول الديمقراطية لها تأثير كبير على اتخاذ القرارات وتغيير التوجهات السياسة الخارجية ومواقف هذه الدول”، مسجلا أن “هذه الزيارات ليست ترفا، لأن من شأنها أن توضح وتكشف ما بلغه المغرب، وأيضا أن تكرس مدى مصالحه الحيوية على المستوى الداخلي والخارجي”.
البرلمان صوت الشعب
من جهته، قال هشام معتضد، خبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية، إن “دور الدبلوماسية البرلمانية كان دائما مهما في البناء الدبلوماسي للمغرب مع مختلف حلفائه الاستراتيجيين، ولكن التوجهات الرسمية على أعلى مستوى في السنوات الأخيرة، خصوصا الملك، دفعت المؤسسة التشريعية إلى الانخراط أكثر في الديناميكية التي تشهدها دبلوماسية المغرب”.
وأرجع ذلك إلى “المكانة السياسية التي تحظى بها السلطة التشريعية في الثقافة السياسة”، و”مصداقية الخطاب السياسي للسلطة التشريعية لدى الفاعلين الدوليين، لكونها تمثل صوت الشعب المباشر ومحراب الشارع وصوته المدني”، مؤكدا أن “المساهمة الدبلوماسية للفاعل التشريعي في البناء السياسي للخارجية المغربية، كانت دائما تشكل إضافة نوعية لخلق فضاء للحوار المباشر بين مختلف الأطراف دون ضغط ميكانيزمات الدبلوماسية الرسمية التقليدية، لذلك فدور الدبلوماسية البرلمانية المغربية كان دائما يشكل قناة للتواصل السياسي”.
وأورد المتحدث لهسبريس أن “عوائد الصداقة البرلمانية بين المغرب والمملكة المتحدة لا تنحصر في تنشيط العلاقات الخارجية بين البلدين فقط”، موضحا أنها “تلعب كذلك دور البناء المشترك في تشييد إطار الرؤية الاستراتيجية للعلاقات المستدامة بين الرباط ولندن، وتساهم في تنزيل خريطة الطريق السياسية التي يسعى البلدان إلى تنفيذها بإشراك مختلف الفاعلين السياسيين، وخاصة المكونات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالجهاز التشريعي”.
وأجمل معتضد بأن “الصداقات البرلمانية بين المغرب وبريطانيا كانت دائما تلعب دورا بنّاء في تعزيز الشراكة بين البلدين، خاصة وأن المؤسسة التشريعية البريطانية لها مكانة جد مهمة في هرم السلطة البريطانية”، خاتما بكون “انخراط الجهاز التشريعي المغربي في تقوية روابطه السياسية معها، سينعكس إيجابيا بدون شك على التوجهات السياسية والدبلوماسية، خصوصا العلاقات الثنائية بين الرباط ولندن”.