موقف أنغولا من قضية الصحراء المغربية يعصف بـ”جمهورية تندوف الورقية”
هل يمكن اعتبار الموقف الأنغولي الجديد “تغيرا كبيرا” في موقف لواندا من قضية الصحراء المغربية؟ سؤال تبادر إلى ذهن الكثيرين بعد زيارة تيتي أنطونيو، وزير خارجية أحد “أكبر معاقل” تنظيم ما يسمى بجبهة “البوليساريو”.
تحافظ لواندا على تمثيلية مقاتلي تندوف على أراضيها، كما يحافظ رئيسها جواو لورنسو على دعمه لـ”أطروحة الانفصال” التي ترعاها الجزائر، آخرها كان قبل شهرين في رسالة وجهها إلى زعيم التنظيم إبراهيم غالي، يشدد فيها “على دعم بلاده للانفصال عن المغرب”.
في شتنبر من العام الماضي، “تفاجأ” المغاربة بالاستقبال الرسمي الذي حظي به إبراهيم غالي، خلال حفل تنصيب الرئيس جواو لورنسو، واعتبرت العديد من التقارير أن “الأمر مشابه للاستقبال الذي حظي به من قبل قيس سعيد في تونس”؛ وهو الأمر الذي أدى إلى ضمور واضح في العلاقات بين الرباط وتونس، لا تزال تفاصيله مستمر إلى حدود الساعة.
كيف يمكن، إذن، قراءة تصريح تيتي أنطونيو الذي جاء فيه أن “أنغولا تدعم جهود أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وستيفان دي ميستورا، مبعوثه الشخصي، لإيجاد حل سياسي دائم ومقبول لدى كل الأطراف؟”.
ذهب مراقبون إلى القول بأن “الدبلوماسية المغربية تتبنى سياسة جديدة بعيدة عن” تبادل العداء مع أصحاب المواقف الرمادية من القضية الوطنية الأولى”، كما أن “تعزيز العلاقات مع لواندا سيساهم في ابتعادها عن أطروحة الانفصال”.
ماذا بعد؟
محمد نشطاوي، خبير في العلاقات الدولية، قال إن “ما صرح به وزير خارجية أنغولا يوم أمس يظهر جليا أن هنالك تغيرا جذريا، باعتبار أنه قد أشاد بالمسلسل الأممي لحل النزاع المفتعل”.
وأضاف نشطاوي، في حديث لهسبريس، أن “السؤال الحقيقي الذي أثاره الموقف الأنغولي هو ماذا سيحدث مستقبلا؟، وهل ستبتعد أنغولا عن دعم البوليساريو، والإبقاء على تمثيلية لها على أراضيها؟”.
حسب المتحدث عينه، فإن “الموقف الأنغولي، الصادر الثلاثاء، كان إيجابيا بشكل مقبول؛ لكن ذلك سيظهر بشكل واضح في المستقبل، وليس في الوقت الحالي”.
وخلص الخبير في العلاقات الدولية إلى أنه “منذ عودة المغرب إلى الكرسي الإفريقي حرص على الانفتاح على جميع الدول الإفريقية، سواء الأنغلوفونية أو الفرنكوفونية، وحتى التي تدعم البوليساريو”، مشددا على أن “ذلك يأتي في سياق تعريف هاته الدول بحقيقة هذا النزاع المفتعل”.
دعم للموقف المغربي
سجل أحمد نورالدين، خبير في العلاقات الدولية، أن “البيان المشترك لوزيري خارجية المملكة وأنغولا تضمن تحولا جذريا في موقف أنغولا من الصحراء المغربية؛ فقد عبرت، في هذا البيان، عن دعمها للحل السياسي القائم على التوافق، وهو ما يعتبر انقلابا على الموقف السابق الذي كان يعترف بجمهورية تندوف الورقية”.
حسب نورالدين الذي تحدث لهسبريس، فإن “هذا المعطى مكسب دبلوماسي كبير للمملكة، خاصة أن أنغولا كانت من الدول الأولى التي اعترفت بالكيان الانفصالي سنة 1976، أسبوعا واحدا بعد إعلان الدعم الجزائري الذي يحتضن الحركة الانفصالية ويمولها ويسلحها؛ ما يعني ذلك هزيمة نوعية للنظام الجزائري في عقر دار الداعمين له، إذ سيكرس عزلة الكيان الوهمي وراعيته الجزائر داخل الاتحاد الإفريقي، الذي باتت الدول المعترفة داخله بالانفصاليين لا تتجاوز 12 دولة من أصل 54 دولة عضو”.
في سياق تدقيقه للموقف الأنغولي، تابع المتحدث عينه: “إذا استنطقنا مفردات البيان الوزاري المشترك، فسنجد أن “دعم الحل السياسي” يعني التخلي عن دعم المشروع الانفصالي، والتخلي عن دعم العودة إلى حمل السلاح الذي تتبناه الجزائر والجبهة الانفصالية منذ تطهير الكركرات سنة 2020″، مشيرا إلى أن “الموقف الجديد هو دعم مباشر للموقف المغربي الذي يتشبث بالحل السياسي، كما تشير إلى ذلك كل قرارات مجلس الأمن منذ 2007”.
سحب للاعتراف
استطرد الخبير في شؤون الصحراء المغربية أن “وصف البيان المشترك لهذا الحل السياسي بأنه “قائم على التوافق أي “Compromis ” هو أيضا دعم للمغرب الذي تقدم بمشروع الحكم الذاتي، الذي يعتبر خيارا توافقيا، قدمه المغرب ليحفظ ماء الوجه الجزائر التي أنفقت مئات المليارات لهدم وحدة المغرب طيلة نصف قرن ويحفظ ماء الوجه لبقايا الجبهة الانفصالية للعودة بكرامة إلى بلدهم المغرب، إذ من هذا المنطلق يمكن أن نعتبر الموقف الانغولي الجديد هو في حد ذاته سحب للاعتراف بشكل ضمني، وما تبقى هو مسألة شكلية يجب أن تتم تسويتها في أسرع وقت”.
وزاد: “على الرغم من أن الموقف من الصحراء المغربية هو “المنظار الذي ينظر به المغرب للعالم”، فإن الرباط تميز بين ين الدول الإفريقية التي اعترفت في ظروف تاريخية اتسمت بالحرب الباردة وشراء الذمم بالبترودولار الجزائري كما يشهد بذلك وزراء خارجية مثل أحمد ونيس، وزير خارجية تونس سابقا”، لافتا إلى أن “هذه الدول تعامل معها المغرب بشكل مختلف عن تعامله مع بقية دول العالم في قضية الصحراء، وسعى إلى إزالة سوء الفهم وإلى إبطال مفعول سياسة الابتزاز التي تنهجها الجزائر، وقد أثمرت إلى حدود الساعة هاته السياسة نتائج مقبولة تتراوح بين سحب الاعتراف وبين الحياد الإيجابي ودعم الحكم الذاتي أو الحل القائم على التوافق، وهو مثلا ما جرى مع نيجيريا”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “أنغولا تسير في الاتجاه نفسه؛ لأنها أولا دولة منتجة للنفط والغاز، وليست بحاجة إلى الرشوة الجزائرية، ثم ثانيا أنها دولة تطمح إلى تنويع اقتصادها الذي يعتمد على تصدير النفط والغاز، والاقتصاد الجزائري ليس له ما يقدمه بل هو نموذج لاقتصادات الريع الفاشلة إفريقيا وعربيا ودوليا”، معتبرا أن “أنغولا وكل الدول الإفريقية لا تريد الانخراط في “مشروع الهدم” الذي تتبناه الجزائر؛ ولكنها تريد الانضمام إلى دينامية البناء التي أطلقها المغرب منذ عودته إلى البيت الإفريقي، وشتان بين الهدم والبناء وبين محور الشر ومحور الخير”.