التضخم في مصر: لماذا تتباين أرقام الجهات الرسمية حول معدلاته؟
أعلنت جهتان اقتصاديتان حكوميتان في مصر يوم الاثنين رقمين مختلفين لمعدل التضخم السنوي، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة.
ففي الصباح أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن المعدل السنوي للتضخم الأساسي لإجمالي الجمهورية وصل إلى 36.8 في المئة في يونيو/ حزيران 2023 مقابل 32.7 في المئة في مايو/ أيار 2023، وهو الأعلى على الإطلاق.
وبعد عدة ساعات أعلن البنك المركزي أن المعدل السنوي للتضخم الأساسي سجل 41.0 في المئة في يونيو/ حزيران 2023 مقابل 40.3 في المئة في مايو/ أيار 2023.
فما سر هذا التباين في الأرقام؟
كيف يُقاس التضخم رسميا؟
طرح هذا التباين في الأرقام بين جهتين رسميتين تساؤلات حول المنهجية التي يتم اتباعها في احتساب التضخم بمصر، وما إذا كانت كل جهة تعمل بمعزل عن الأخرى.
وقد تحدثت بي بي سي إلى صفاء سامي، رئيسة الإدارة المركزية للإحصاءات الاقتصادية والمالية والمشرفة على إعداد تقرير التضخم بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حيث قالت: إن “احتساب التضخم يتم عبر مسح ميداني يقوم به 200 باحث يستقون معلوماتهم من قرابة 11 ألف مواطن ثابتين وموزعين على 141 منطقة ثابتة متنوعة بين الحضر والريف في جميع أنحاء مصر”.
وأوضحت أن الباحثين يقومون برصد أسعار نحو 1200 سلعة وخدمة، مشيرة إلى أن الرصد يتم 3 مرات شهرياً للسلع سريعة التغير مثل: الخضار والفواكه، أما أسعار الخدمات فيتم رصدها مرة واحدة شهرياً، وهناك أسعار الأجهزة الكهربائية والسلع المعمرة (السلع التي لا تُبلى بسرعة) التي يتم رصدها على فترات أطول.
وأكدت صفاء أن عملية الرصد تغطي تغيرات الأسعار في مختلف السلع والخدمات التي يستهلكها المصريون، وقالت: “نحن وصلنا إلى رصد التغيرات في أسعار حلاقة وتصفيف الشعر والعناية بالبشرة”.
وأضافت أن الخدمات المركزية المقدمة من خلال الحكومة مثل تراخيص المرور وشهادات الميلاد يتم تجميعها من الجهات الرسمية بالقاهرة فقط لأنه لا تغير فيها بين المحافظات، أما أسعار خدمات التعليم والمدارس فيتم رصد التغير فيها سنوياً وتحديداً في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام.
لماذا التباين في الأرقام الرسمية؟
تحدث وكيل مساعد محافظ البنك المركزي سابقا، الدكتور هاني جنينة لبي بي سي، حول سبب الاختلاف في أرقام التضخم بين البنك المركزي والجهاز المركزي للإحصاء قائلاً: “إن البنك المركزي يعمل على احتساب التضخم من أجل تحديد سياسته بالنسبة لرفع أو تثبيت أو خفض معدل سعر الفائدة بغرض تحقيق الهدف الأساسي وهو السيطرة على الطلب”.
ولذلك فإن البنك المركزي، بحسب جنينة، يعتمد على تقرير التضخم الصادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء ولكن يحذف منه عنصرين أساسيين وهما السلع سريعة التغير في الأسعار والمتحكم فيها عوامل أخرى بخلاف الطلب مثل: الخضار والفواكه، وكذلك يستبعد أسعار الوقود والكهرباء والغاز لأن أسعارها لا يتحكم فيها الطلب من جانب المستهلكين بل قرارات إدارية. وقال جنينة إن “البنك المركزي يركز في حساب التضخم على التغير الذي تُحدثه زيادة أو قلة الطلب على أسعار السلع والخدمات”.
وأكد أنه في فترات سابقة كان معدل التضخم العادي الشامل للريف والحضر الذي يصدره جهاز التعبئة والإحصاء أكبر من معدل التضخم الأساسي الذي يصدره البنك المركزي، ولكن في هذه الفترة حدث العكس لأن هناك شبه ثبات في أسعار الوقود والكهرباء وهما محذوفان من حساب التضخم لدى البنك المركزي ويتم الاعتماد فقط على السلع التي ارتفعت أسعارها بسبب زيادة الطلب عليها.
من جانبها، أوضحت صفاء سامي أن “البنك المركزي يعتمد على التقرير الذي يعده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لحساب التضخم ولكن يحذف منه بيانات الريف ويكتفي بالحضر فقط”.
لماذا يبدو معدل التضخم أكبر في الواقع؟
تتعرض تقارير التضخم الصادرة عن البنك المركزي وجهاز التعبئة العامة والإحصاء كثيرا للتشكيك في دقتها خاصة مع تزايد الحديث عن أن الزيادة الكبيرة والمتسارعة في الأسعار لا تترجم بشكل واقعي في تلك التقارير، فضلا عن وجود مؤسسات بحثية داخل وخارج مصر تشير إلى أن التضخم تخطى أكثر من 100 في المئة في بعض الشهور.
وردت مسؤولة جهاز التعبئة العامة والإحصاء على ذلك التشكيك بالقول إن الشعور بالشيء يختلف عن طريقة قياسه بشكل علمي ودقيق، وأردفت “كلنا نشعر أن التضخم كبير جدا، ولكن الإحساس شيء والقياس شيء آخر”.
وشرحت أن البعض مثلا يقول إن سعر اللحوم تضاعف مرتين خلال عام، فكيف يكون التضخم أقل من 40 في المئة فقط؟
وقالت صفاء إن الوزن النسبي للحوم في مقياس التضخم ليس كبيرا، فهناك بحث يسمى “الدخل والإنفاق والاستهلاك” يصدر كل عامين ويحدد الأوزان النسبية للسلع في قياس التضخم، من خلال احتساب متوسط إنفاق الأسر شهريا من قيمة دخولهم على السلع والخدمات.
ونوهت صفاء إلى أنه ووفقاً لهذا المقياس نجد أن زيادة 20 قرشا في سعر كيلو الطماطم تترجم إلى زيادة أكبر في التضخم مقارنة بزيادة 50 ألف جنيه في سعر سيارة، لأن الوزن النسبي لأهمية الطماطم كسلعة أساسية في كل بيت أكبر من وزن السيارة.
وأوضحت أن أرقام البنك المركزي للتضخم تكون أيضاً أكبر من أرقام جهاز التعبئة العامة والإحصاء لأن البنك المركزي يعيد احتساب أوزان السلع وفق حجم الطلب عليها بعيدا عن المتغيرات الأخرى التي تكون في تقرير جهاز الإحصاء.
وحول سبب ارتفاع التضخم بشكل غير مسبوق في مصر، قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب لبي بي سي، إن هذا الشهر تزامن مع عيد الأضحى، وزيادة أسعار الأضاحي فضلا عن تضاعف استهلاك المصريين للحوم في تلك المناسبة.
وختم قائلاً: إن “هذا أدى بالتبعية إلى زيادة أسعار الدواجن ومنتجاتها، ومجموعة الألبان ومشتقاتها فضلا عن زيادة أسعار الخضار والفواكه”.