مؤشر أسعار الغذاء يواصل التراجع عالميا.. والمغرب ينتظر “انعكاسات إيجابية”
بوتيرة مسترسلة، استمرت الأسعار العالمية للحبوب والزيوت في مسار “تراجعها” خلال شهر يونيو 2023، وفق أحدث بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، مقابل حفاظ “أسعار السلع الغذائية على مستوياتها المرتفعة جدا في الأسواق الداخلية للدول الأكثر فقرا”.
مؤشر “الفاو” لأسعار الغذاء، الذي يُستخدم لقياس التغير الشهري في الأسعار الدولية لسلة السلع الغذائية الأساسية، واصل طريقه نحو الانخفاض، ليصل في يونيو إلى تحقيق تراجعه بنسبة 1,4 في المائة، مقارنة بشهر ماي المنصرم.
أبرز الانخفاضات كانت من نصيب أسعار القمح بنسبة 1,3 في المائة، متأثرة بـ”العرض الروسي الوفير” و”ضريبة تصدير أقل”؛ كذلك الأمر بالنسبة للسكر الذي تراجع، بعد أربعة أشهر من الارتفاع، بنسبة 3,2 في المائة.
وتوقعت المنظمة الأممية للأغذية أن “يتراجع إنتاج الحبوب في الدول الـ44 “ذات الدخل المنخفض والتي تعاني من عجز غذائي”؛ منبهة إلى أن أثر ذلك من حيث “زيادة حاجتها إلى الاستيراد”.
“الفاو” رصدت، أيضا، خلاصة مفادها “عدمُ انعكاس انخفاض الأسعار العالمية لبعض المنتجات الغذائية في الأسواق الداخلية لهذه الدول، أو على الأقل ليس بشكل كامل..”؛ وهو ما يطرح السؤال ذاته بالنسبة للأسواق المغربية التي عرفت تقلبات كثيرة منذ العام الفائت؛ بالتزامن مع موجة الجفاف واندلاع حرب أوكرانيا.
بالمغرب، تؤكد آخر الأرقام التي وفرتها المندوبية السامية للتخطيط أن الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، خلال ماي 2023، قد انخفض فعليا بـ0,4 في المائة بالمقارنة مع الشهر السابق، مدعوما بـ”تراجع طفيف” للرقم الاستدلالي للمواد الغذائية (بـ0,8 في المائة).
انخفاضات المواد الغذائية، التي سجلتها مصالح الـHCP خلال الفترة المذكورة، لامست (حينها) أثمان “الخضر” بـ7,9 في المائة و”السمك وفواكه البحر” بـ7 في المائة و”الحليب والجبن والبيض” بـ0,6 في المائة و”الخبز والحبوب” بـ0,4 في المائة و”الزيوت والدهنيات” و”القهوة والشاي والكاكاو” بـ0,1 في المائة”.
في انتظار الانخفاض”
الخبير الاقتصادي أحمد أزيرار، منسق الأبحاث في “المعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي”، قال إن “انعكاسات تراجع مطرد لمؤشر الأسعار العالمية لسلة المواد الغذائية الأساسية على الأسعار في المغرب قادمة لا محالة إلا أنها ستأتي متأخرة”، مسجلا في هذا السياق أن “المغرب مستورد كبير للمواد الغذائية الأساسية وعمليات الاستيراد التي يجريها تكون في أغلبها حسب عقود لأمد محدد”.
وفي إفادات لجريدة هسبريس، لفت أزيرار الانتباه إلى “وجوب مراعاة المصاريف الخدماتية التي تضاف لأثمنة المواد (بما يشمل مصاريف النقل، التأمين…) والتي ما زالت عالية”. وزاد شارحا: “يجب عدم إغفال معطى ثالث حاسم في تحديد أثمان المواد، ويتمثل في إشكالية سلاسل التوزيع التي ليست مهيكلة بشكل كامل وكلي”.
وخلص أزيرار إلى أنه “يجب انتظار مدة زمنية قبل أن ينعكس الانخفاض العالمي لأسعار الغذاء ومؤشراته على الأثمنة المحلية للمواد الغذائية المستوردة في أسواق المغرب”.
انعكاس متأخر بـ3 أشهر
بدوره، سار إدريس الفينا، أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط، في مسار التحليل ذاته، مسجلا أن “المتتبع لمؤشر أسعار الغذاء العالمي في الأشهر القليلة الماضية يستنتج بسهولة تراجعا، شهرا بعد شهر، أبانت عنه معظم المواد والأصناف الغذائية، لا سيما من حيث الحبوب بمختلف أنواعها وكذا الزيوت”.
الخبير الاقتصادي ذاته بسَط، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أهم سبب يعزى إليه عدم انعكاس فوري لانخفاض أسعار الغذاء العالمية على نظيراتها المسوقة بها المنتجات الغذائية في المغرب، مؤكدا أن “المشتريات والمقتنيات من الخارج، لا سيما مواد الغذاء المستوردة بكميات كبيرة جدا، تكون في غالب الأحيان مؤجلة ولا تتم بشكل مباشر؛ ما يستدعي أن تأخذ ما بين 3 إلى 4 أشهر كي نرى أثرها في السوق المغربية”.
وعدد الفينا المواد التي سيطالها انخفاض أو تراجع في أثمنتها بعد أشهر، تبعا لما أوردته بيانات “الفاو”، في “الحبوب والقطاني وباقي المواد الغذائية المستوردة المكونة من الزيوت واللحوم كذلك”.
كما لم يفت أستاذ الاقتصاد أن يؤكد لهسبريس أن “هناك انعكاسا إيجابيا لتراجع مؤشر “الفاو” لأسعار الأغذية يتمثل في تحسن مؤشرات الميزان التجاري للمغرب، في اتجاه تقليص قيمة الواردات التي من المرتقب أن تُكمل مسارها في التراجع؛ ما يعني تحسين أداء الميزان التجاري خلال النصف الثاني من السنة الجارية”.