فصل الصيف يزدحم بمواعيد متزامنة للمهرجانات الثقافية والفنية في المغرب
مع حلول فصل الصيف بالمغرب، تظهر حركية غير عادية على مستوى المهرجانات الثقافية والفنية التي تخلق حراكا ثقافيا بمختلف ربوع المملكة، يجعل من الصيف موسما للمهرجانات بامتياز يصعب على الجمهور في كثير من الأحيان مواكبتها بسبب برمجتها في مواعيد متزامنة.
وبدت هذه الظاهرة جلية خلال الأسبوع الذي سبق عيد الأضحى المبارك، حيث تزامن تنظيم ثلاثة مهرجانات كبرى بالبلاد، هي مهرجان الصويرة والمهرجان الوطني للفنون الشعبية بمراكش ومهرجان الجاز بالدار البيضاء؛ ما أثار استغراب العديد من المتتبعين.
انتقاد البرمجة
بلال مرميد، الإعلامي والناقد الفني والسينمائي، واحد من الذين يرون أن المغرب يعيش مشكلة حقيقية تجعله بعيدا عن بلوغ مستوى البلدان التي تتوفر على “صناعة ثقافية” التي ترتبط بالضرورة أساسا بالبرمجة.
وأضاف مرميد، في حديث مع هسبريس، مستغربا من تزاحم برمجة الأنشطة الثقافية والمهرجانات في ظرف زمني وجيز “هناك العشرات من الأسابيع، وأستغرب في بلد عدد المواعيد الثقافية قليلة وفي بعض الأشهر تكون شبه منعدمة، كيف نحشر عددا من الأنشطة في نفس الشهر، وأحيانا تجد ثلاثة مهرجانات كبرى في نفس نهاية الأسبوع”.
وتابع المتحدث ذاته موضحا: “لا يمكن الحديث عن صناعة ثقافية ونحن مازلنا غير قادرين على التفنن في البرمجة حتى نربط موعدا بفترة معينة من العام؟”، وضرب مثالا بمهرجان كان السينمائي الذي ربطه منظموه بشهر ماي، وأصبح موعدا تاريخيا كبيرا أسس لسوق الفيلم العالمي.
الثقافة من الكماليات
وشدد مرميد على أنه “يجب ألا ننظر إلى الثقافة على أنها مجرد كماليات؛ لأنه حينما نرى المنتوج الثقافي كماليا هنا تكون بداية المأساة”، معتبرا أن المتلقي والجمهور يحتاج إلى أنشطة على امتداد السنة و”كل موعد ثقافي ولو كان صغير في بدايته عندما تربطه بفترة معينة من العام، وفق مفهوم الصناعة الثقافية، سيحجز مكانا له في المستقبل إذا كان مبنيا على قوام سليم، ويمر من المرحلة الجنينية إلى مرحلة النضج ويصبح مدرا للدخل والأرباح”.
ومضى الإعلامي والناقد الفني والسينمائي ذاته ساخرا من البرمجة “سينتهي يوليوز ولن نجد سوى مهرجانات “مصروف الجيب” التي لا يمكن أن نفرق بينها وبين الموسم، ولا تأتي بأي جديد ولا تخلق أي إضافة في الساحة الثقافية بالبلاد”، داعيا القائمين على المهرجانات إلى التخلي عن الغرور والأنانيات؛ لأن الأمر يحتاج إلى “تنسيق أكبر ونتجاوز الغرور، وإذا كان عندنا مهرجان قائم مثل مهرجان الصويرة لا داعي أن أبرمج مهرجانا أو نشاطا جديدا في نفس الموعد، فهذا عيب”.
ظاهرة جيدة ومطلوبة!
من جهته، قال إدريس القري، الأكاديمي والباحث في الجماليات، إن المهرجانات في جميع الحالات، “سواء كان البلد فيه بنيات تحتية للإنتاج والترويج والتوزيع الثقافي بشكل كاف، تبقى ظاهرة جيدة ومطلوبة وتساهم في تقدم وتطور العقليات”.
وأضاف القري موضحا، في اتصال مع هسبريس، أن المهرجانات الثقافية تلعب دورا مهما في نزع الناس وإخراجهم من روتين الحياة اليومية ككائنات بيولوجية، مبرزا أن هذا الأمر يبقى مشروطا بأن هذه المهرجانات “لا ينبغي أن تكون فقط متنوعة ما بين ما هو رياضي وفني وثقافي وما هو فكري وما هو متخصص وعمومي”.
وزاد الأكاديمي والباحث في الجماليات مبينا “ينبغي أن تكون المهرجانات فيها مراعاة الحد الأدنى من احترام قيم الوطن والانسجام مع المشروع المجتمعي، والحد الأدنى من احترام الرصانة؛ حتى وإن كان الأمر يتعلق بالفكاهة والتسلية والرياضة”.
وشدد القري على أن المهرجانات، مثلها مثل باقي الصناعات الثقافية، “سلاح ذو حدين؛ إما أن يكون مواكبا للمشروع المجتمع وتطوير بنيات المجتمع بالنظر إلى الوضع الدولي ووضعية البلاد ومكانتها في الخريطة الدولية ووضعيتها الجيوستراتيجية، أو العكس”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن التقدم مسألة ترتبط بالبعد الثقافي كرافعة أساسية، لأنه “لا يمكن الحديث عن قوة بلد دون الحديث عن قوة شعب وانسجامه، ودون عقلية منسجمة وحد أدنى من الوعي الوطني والمدني”.
واعتبر القري أن المهرجانات جزء من الاشتغال على “أنماط السلوك والعقليات وتهييئها لمواكبة هذا المستوى من التطور الوطني حتى تكون للبلد مكانة في الخريطة التنافسية الدولية، مثل التي عندنا في الرياضة ينبغي أن تكون لنا مكانة في الثقافة أيضا”.
وأشار الأكاديمي والباحث في الجماليات إلى أن ازدهار ظاهرة تنظيم المهرجانات في الصيف بصفة خاصة “ربما ترتبط بتفرغ الناس أكثر، وربما أن منتجي هذه المهرجانات يراهنون على الصيف لأن الناس يكونون أكثر استعدادا للإقبال على هذه المهرجانات، وهي فرصة لاستغلال هذا الأمر لتحقيق الإفادة والمتعة وتنمية الذوق العام وتطور المجتمع نحو الأحسن والأفضل”، وفق تعبيره.