اشتباكات السودان: ما آثار التدابير الجديدة التي تتخذها مصر لتنظيم الدخول إلى أراضيها؟
- Author, أحمد الخطيب
- Role, بي بي سي عربي
“الوضع الراهن شديد الصعوبة.. التأشيرة أصبحت غالية جدا .. الزيادة في الرسوم ناهزت 200 في المئة .. لابد أنهم لا يريدون استقبال المزيد من اللاجئين”.
بهذه الكلمات بدأ أحمد آدم عطية، وهو سوداني يدير مركزا خدميا للاجئين من أبناء بلاده في مصر، حديثه لبي بي سي.
ويذكر عطية كيف كانت تأشيرة الدخول من السودان إلى مصر في الماضي مجانية، “حتى عبر الوكالات، لم تكن تزيد قيمتها على نحو 2000 جنيه مصري، أما الآن فهي تزيد على 10 آلاف جنيه، مع العلم أن غالبية هؤلاء الناس قادمين من أحياء فقيرة، وحتى لو كان بحوزتهم نقود فهي بالكاد تكفيهم لحدّ المعبر قبل أن تنفد”.
ويرأس عطية مركز المعرفة للتدريب والتطوير الذي يقدم دعما لحوالي 2800 سوداني (950 أسرة) في مصر.
ويقول لبي بي سي ” لدينا أُسرة في المركز مكوّنة من أُمّ وثلاث بنات، أمّا أخوهم الكبير وأبوهم فلا يزالان محجوزين في المعبر منذ أكثر من أسبوع .. والآن الأبُ يصرّ على العودة للخرطوم حيث خطر الحرب، قائلا إنه يفضل الموت بكرامته على الذهاب لمن لا يريدون استقباله”.
وقالت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن أعداد الوافدين من السودان إلى مصر عبر معبرَي أرقين وقسطل، انخفضت بنسبة 86% خلال شهر يونيو/حزيران.
وجاء هذا الانخفاض بعد تطبيق السلطات المصرية إجراءات جديدة تخص دخول السودانيين إلى مصر التي كانت أعلنت في شهر يونيو/حزيران اعتماد تأشيرات دخول لجميع السودانيين الراغبين في العبور إلى أراضيها، بغضّ النظر عن الفئة العمرية لهؤلاء الوافدين أو جنسهم.
وكانت هذه التأشيرات في السابق قاصرة على الرجال فقط، وتحديداً في الفئة العمرية بين 16 و50 عاما.
وتقول السلطات المصرية إن الهدف من هذه التدابير هو “وضْع إطار تنظيمي” لعملية دخول السودانيين إلى مصر.
ملف شائك
ويقول أحمد آدم عطية لبي بي سي: ” المفترَض أن تكون التأشيرة مجانية؛ فهؤلاء الناس وفدوا فارّين من ويلات الحرب”، قائلا إن ” الأولاد فوق 16 عاما يتم احتجازهم في المعبر”.
ومن جهته، يرى ضياء داوود، النائب في البرلمان المصري، أن ملف اللاجئين أصبح شائكا ويحتاج إلى تنظيم “لكن لا يجب بحال من الأحوال أن يحرم هذا التنظيم اللاجئين من حقوقهم التي ضمنتها لهم المبادئ الدولية التي تنظّم شؤون اللاجئين”.
ويقول داوود لبي بي سي إنه “لا يجب فرض أيّ رسوم تُحصَّل من اللاجئ نفسه، على أنه من الممكن مطالبة مؤسسات تمويلية دولية أو جهات إغاثية بذلك، وهذا حقّ للدولة المصرية شأنها شأن دول كثيرة”.
ويضيف النائب المصري: ” لم أرَ أن هناك انتقادات وُجّهت للدولة التركية أو كثير من الدول الأوروبية عندما فعلت ذلك”.
ويلفت داوود إلى أنه “رغم الأعداد التي تتجاوز الملايين، لم تطلب مصر طوال السنوات العشر الماضية من مؤسسة دولية أو عربية أن تتحمل معها أيا من أعباء اللاجئين؛ على اعتبار أنها ترى أن هذا التزام سواء فيما يتعلق باللاجئين السوريين أو السودانيين أو أيّ عربيّ لجأ إليها بسبب اضطرابات داخلية في بلده”.
ويضيف داوود قائلا إن ” كل ذلك يضغط على موازنة متهالكة في بلد تجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة”.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 113 ألفاً فروا من السودان إلى مصر عبر المنافذ الحدودية المشتركة خلال الفترة من 15 أبريل/نيسان إلى 17 مايو/أيار، بينهم 107 آلاف سوداني وأكثر من 5 آلاف من جنسيات أخرى.
كما تقدّر المنظمة الدولية للهجرة أعداد المهاجرين الذين يقيمون في مصر بأكثر من تسعة ملايين شخص، وفدوا إليها من نحو 60 دولة.
ووافقت الحكومة المصرية الشهر الماضي على مشروع قانون لتنظيم لجوء الأجانب إلى مصر وإدارة شؤونهم بعد اللجوء.
وينصّ مشروع القانون الجديد على إنشاء لجنة دائمة تتولى إدارة شؤون اللاجئين، على أنْ تكون هذه اللجنة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء.
وستهيمن هذه اللجنة بدورها على كل شؤون اللاجئين؛ بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة بأعداد اللاجئين.
وعليه، سيتعين على جميع طالبي اللجوء إلى مصر التسجيل مباشرة لدى الحكومة.
ويستهدف هذا التشريع حصر أعداد اللاجئين وأسباب لجوئهم وكذلك توفيق أوضاعهم وتقديم الدعم والرعاية للمستحقين بالتعاون مع الجهات الدولية المعنية.
وفي ذلك، يقول النائب داوود: “من الطبيعي أن تفكر الحكومة في أن تكون هناك جهة تستقبل اللاجئين وتنظّم وجودهم بحيث يسهل التعرّف أماكن إقامتهم وعلى أعدادهم الحقيقية وتتبّعهم لإنفاذ القانون سواء لهم أو عليهم”.
“خطوة إيجابية طال انتظارها”
وأعرب مراقبون عن تخوفات من أن تكون الحكومة المصرية تستهدف من وراء مثل هذا القانون “تحصيل رسوم بالدولار، أو استخدام ورقة اللاجئين أمام المنظمات الدولية والجهات المانحة”.
لكن عبد الجواد أحمد، وهو حقوقي ومستشار لدى الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يرى أن “الخطوات المتعلقة بتنظيم مسألة الدخول إلى مصر هي أمر معتاد في معظم دول العالم فيما يخص سيادة كل دولة على أراضيها”.
ويستدرك عبد الجواد، في حديثه لبي بي سي قائلا: “على أن مَن تتوافر فيه شروط اللجوء المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين (التي وقعت عليها مصر) تُتاح له فرصة اللجوء بلا قيود”.
ويرى عبد الجواد أن “شروع الحكومة المصرية في إصدار قانون بحق اللجوء يُعدّ خطوة إيجابية طال انتظارها”، مشيرا إلى أن “وجود لجنة دائمة من شأنه أن يقضي على كثير من التحديات التي كان يواجهها اللاجئ”.
ويوضح عبد الجواد لبي بي سي: “بدلا من مفوضية أممية تقدّم خدمات مؤقتة على اعتبار أن اللجوء أمر مؤقت، أصبحت هناك لجنة دائمة تُعنى بشؤون اللاجئين وتقدّم لهم خدمات دائمة .. إنها فكرة من شأنها أن تعزز جهود تمكين اللاجئ من الحد الأدنى من حقوقه كإنسان”.
وإلى ذلك، تقول كريستين بشاي، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر: “بالتأكيد المفوضية وحدها لا تستطيع أن تلبي جميع احتياجات النازحين واللاجئين، خاصة وأن التمويل لديها لا يكفي 50 في المئة من هذه الاحتياجات”.
وتضيف بشاي، في حديث لراديو الأمم المتحدة: “للأسف في هذا العام ازداد الوضع سوءا مع اندلاع الاقتتال في السودان ومع وصول 10 في المئة فقط من الدعم المطلوب”.