مخيم جنين: العملية العسكرية تجدد الغضب الفلسطيني تُجاه إسرائيل
تراكمت طبقة سميكة من الرماد الأسود على الأرصفة والطرق في وسط جنين، من جراء الإطارات المحترقة التي يقيمها شبان فلسطينيون في الشوارع عندما يرون سيارة عسكرية إسرائيلية.
وبعضهم يحمل حجارة أو قنابل منزلية الصنع لرشق المركبات الإسرائيلية المارة. وفي المقابل، يتردد صوت إطلاق النار والانفجارات في مخيم اللاجئين، الذي يقع على مرتفعات فوق مركز المدينة، والطائرات المسيرة الإسرائيلية تحلق بشكل مستمر في الأجواء.
في بعض الأحيان، يخرج فلسطينيون مسلحون من خلف دخان الإطارات ليطلقوا النار على الإسرائيليين.
أصبح العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين حدثاً يومياً تقريباً هذا العام.
وعندما يراق الدم، تتصاعد غالباً ديناميكية للانتقام، تشمل الجماعات المسلحة الفلسطينية، واليهود الذين يعيشون في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، والجيش الإسرائيلي.
وقال الإسرائيليون إنهم اقتحموا مخيم جنين لأن أكثر من 50 هجوماً نفذ من هناك مؤخراً.
لكن جذور العنف واليأس والكراهية أعمق بكثير من الصدامات العنيفة الأخيرة، وتنمو هذه الجذور في السموم التي تولدها النزاعات حول ملكية الأرض والتي بدأت قبل أكثر من قرن.
لفترة من الزمن، في التسعينيات، كانت هناك آمال في أن السلام قد يحل إذا أُقيمت دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، ما يُعرف بحل الدولتين، لكن هذه المحاولة فشلت.
الدول الغربية القوية، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، لا تزال تصر على أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن، لكن كلامهم لا يعدو أن يكون شعارات فارغة، فالمحاولة الأمريكية الأخيرة لتحقيق هذه الفكرة انهارت في عام 2014.
كانت أجواء العملية الإسرائيلية هنا في جنين، منذ أشهر. على الرغم من الهجمات الإسرائيلية المحدودة المتكررة، أصبحت الجماعات المسلحة الفلسطينية قوية ومتحدة بما يكفي للسيطرة على مخيم جنين للاجئين، وبدا أنهم يزدادون قوة.
قبل أسبوعين، فجروا سيارة عسكرية وقاتلوا بشراسة لصد هجوم إسرائيلي، حيث توفيت فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 15 عاماً.
في اليوم التالي، قتل أربعة إسرائيليين على يد فلسطينيين اقتحموا مطعماً ليس بعيدًا عن جنين حيث كانوا يتناولون الطعام.
حمى الجيش الإسرائيلي المستوطنين، الذين اجتاحوا القرى الفلسطينية وأحرقوا السيارات والمنازل في سلسلة من الأعمال الانتقامية.
كانت مسألة وقت، قبل أن يتحرك الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذين يسيطرون على مخيم جنين للاجئين، ويقول إنه ينفذ عملية مُنظمة لتعقب وتدمير الأسلحة والمتفجرات.
يجتاح الغضب والإحباط الشباب الفلسطينيين، الذين كونوا تجمعات غاضبة عند تقاطعات الطرق في المدينة وخارج مستشفى على حافة مخيم جنين للاجئين. وقد خلفت حواجز الإطارات المحترقة وراءها دوائر سوداء وأكواما من المطاط المحترق والأسلاك الملتوية.
ينشر الجيش الإسرائيلي تحديثات حول المتفجرات التي تم اكتشافها وتعطيلها خلال يومين في المخيم، جنبا إلى جنب مع ما يسميه “مراكز قيادة إرهابية”.
يتناقض الأسلوب العملي للبيانات العسكرية، مع التصريحات التي يدلي بها أعضاء من مجلس الوزراء الإسرائيلي، الذين يعارضون أي نوع من تقرير المصير الفلسطيني.
وبعد عملية تل أبيب الأخيرة، التي نفذها فلسطيني دهس بسيارته حشداً من الإسرائيليين، وأُطلق عليه الرصاص من قبل مارة، أصدر وزير الأمن العام إيتامار بن غفير، بياناً يقول فيه إن حرب إسرائيل في جنين هي أيضاً حربهم في تل أبيب، وأضاف أن كل يهودي هو هدف للقتلة.
يسعى السيد بن غفير وحلفاؤه السياسيون لشن حملة قمعية (عقابية) في الضفة الغربية للتعامل مع أعدائهم.
لكن الجيش الإسرائيلي أكثر حذراً، لأنه يشعر بالمخاوف من مخاطر التصعيد ونتائجه، فكل الدلائل كانت تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يود حصر عمليته في مخيم جنين، وإعلان النصر، وأمر جنوده بالعودة إلى قواعدهم.
انتصارات إسرائيل بعد عملية من هذا القبيل لا تدوم طويلاً، إذ تعيد الجماعات المسلحة الفلسطينية تجهيز أسلحتها وتبدأ الحلقة بالدوران من جديد.
كما أن خطط توسيع المستوطنات اليهودية على الأراضي المحتلة التي يرغب الفلسطينيون في إقامة دولتهم عليها، ترفع أيضاً من درجة التوتر القائم.
كما يشعر العديد من الفلسطينيين بخيبة أمل من زعمائهم المسنين غير الفاعلين في السلطة الفلسطينية، الذين هم إرث لعملية السلام في التسعينيات التي كان من المفترض في ذلك الحين أن تبني المؤسسات اللازمة لإنشاء دولتهم الخاصة.
ووفقاً للأحداث السابقة، عندما تنتهي هذه العملية، سيدعي كلا الجانبين النصر، ومن ثم فإن الحقائق الحالية لهذا الصراع الطويل ستظهر على السطح من جديد.
يعزز الغضب واليأس والفقر ثقافة المقاومة التي رُسخت في المجتمع الفلسطيني، خاصة في جنين ونابلس.
وكلما استمرت الحكومة الإسرائيلية في تشكيلتها اليمينية المتشددة، ستحاول التوفيق بين خطابها وأفعالها.
لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن الإسرائيليين والفلسطينيين ينزلقون نحو مرحلة أكثر عنفاً في صراعهم الطويل.