أخبار العالم

هل الذهب لا يزال ملاذا آمنا في مواجهة الشدائد الاقتصادية؟



إلا أن مجموعة من العوامل ومستجدات الأسواق من شأنها التأثير على النظرة التقليدية للذهب كوسيلة للتحوط. وقد عبر عن ذلك الكاتب الاقتصادي تايلر كوين، في مقال له عبر بلومبرغ، عندما أشار إلى أن الذهب لم يعد وسيلة فعالة للتحوط أو الاستثمار في الأوقات الصعبة، وذلك لسببين رئيسيين:

– أولاً، سعر الذهب يتأثر بارتفاع أو انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية (الأسعار تنخفض عند ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية).

– ثانياً، سعر الذهب يرتفع أو ينخفض عندما يتغير الطلب عليه كسلعة.

يعني ذلك أن الذهب أصبح أكثر ارتباطاً بعوامل اقتصادية مختلفة (أسعار الفائدة المنخفضة والنمو الاقتصادي العالمي)، وبالتالي أصبح أصل اقتصادي كغيره من الأصول. لذا، فإن ارتفاع أو انخفاض سعر المعدن النفيس لا يعكس بالضرورة توجهات اقتصادية سلبية أو انهياراً اقتصادياً واجتماعياً.

إعادة تعريف الذهب

كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss، مازن سلهب، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن ثمة إعادة تعريف للذهب كملاذ آمن خاصة في المرحلة الأخيرة.

ويشير إلى أنه في الوقت الذي لا يزال الذهب مرتفعاً بأكثر من 5.5 بالمئة في العام 2023، فإنه قد سجل تراجعاً في حدود 4.5 بالمئة خلال الأشهر الأخيرة؛ بسبب ارتفاع عوائد السندات الأميركية لثلاثة وستة أشهر وعام فوق الـ 5 بالمئة، وطالما أن التضخم يتراجع دون الـ 4 بالمئة فإن ذلك يمثل سيناريو سيء للذهب.

وبينما يشير إلى أن “العائد” يشكل المعيار الحقيقي، وبينما الاستثمار في سندات الخزانة أكثر جدوى تبعاً لذلك، فإنه يعتقد بأنه “ليس دقيقاً الحكم على الذهب بأنه ليس ملاذاً، لا سيما وأن الاستثمار في الذهب يعتمد على الزمن (الاستثمار طويل الأجل) فعلى سبيل المثال فإن من استثمر في الذهب منذ 2005 وحتى 2022 كانت له عوائد لا تقل عن الـ 9 بالمئة خلال تلك الفترة، دون أن يقم بفعل أي شيء، وهي نسبة أعلى من معدل التضخم وبغض النظر عن ما يجري في سوق الأسهم”.

ورغم ذلك فإن سلهب ليس مع تسمية الذهب كملاذ آمن، ويقول: لا أؤيد هذه التسمية.. الذهب هو أداة استثمارية، وبالتالي فإن هذه الآداة تخسر وتربح، ومن ثم ليس دقيقاً أيضاً تسميتها كملاذ آمن (في المطلق) بشكل أو بآخر، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار عاملين رئيسيين، هما:

– مدة الاستثمار: هناك استثمار طويل أو قصير الأجل، والذهب عادة ما يكون الاستثمار فيه متوسط وطويل الأجل وليس مضاربة شهرية.

– البلد الذي يعيش فيه المستثمر: بالنسبة للمستثمرين في البلدان التي تشهد معدلات تضخم مرتفعة وتتراجع فيها العملة الوطنية بشكل كبير فإن الذهب هو الاستثمار الحقيقي وعندئذ يتحول إلى ملاذ آمن في هذه الحالة.. أما بالنسبة للاقتصادات المتقدمة وذات العملة المستقرة فإن هناك أدوات استثمارية أخرى تقدم عائداً أفضل من الذهب على المديين المتوسط والبعيد.

وفي نفس السياق، يتحدث كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss، عن العوامل التي دفعت الذهب للتماسك عند مستويات مرتفعة رغم ارتفاع الفائدة منذ نهاية العام الماضي، رغم أنه من المنطقي أن يكون هناك تناسب عسكي بين أسعار الذهب ومعدلات الفائدة، مشيراً إلى سببين رئيسيين:

– السبب الأول هو أن التضخم في العالم ظل مرتفعاً، والتضخم عادة ما يصاحبه تكالب على الذهب، لا سيما من قبل الدول، مثلما هو الحال بالنسبة للصين والهند وكثير من اقتصادات العالم، في ظل إقبال البنوك المركزية على شراء الذهب في الربع الأخير من 2022 والربع الأول من 2023.

– السبب الثاني هو أن هناك قراءة حقيقية في السوق لاتجاهات الفيدرالي الأميركي، الذي يلجأ بالفعل إلى وقف رفع الفائدة في المرحلة المقبلة.

– النقطة الأهم هي أن ميزانية الفيدرالي الأميركي تم خفضها بنسبة ضئيلة جداً (أقل من التوقعات) من 8.9 تريليون دولار إلى 8.3 تريليون دولار. ما يعني أنه لا تزال هنالك سيولة في الأسواق، وماتزال هذه السيولة تدعم الذهب.

ضعف الدولار.. وبريق الذهب

من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي، استاذ الاستثمار والتمويل بالقاهرة الدكتور مصطفى بدرة، بأن الذهب لا يزال الملاذ الاستثماري الأكثر أمناً -لا سيما على المدى الطويل- سواء بالنسبة للأفراد (الذين يعتمدون عليه كمخزن قيمة لأموالهم خاصة في فترات الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة الوطنية) وكذلك بالنسبة للدول التي تلجأ فيها البنوك المركزية إلى شراء الذهب للتحوط بعيداً عن الدولار الأميركي.

يُشار هنا إلى تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، في وقت سابق، ذكر أن “ضعف الدولار عزز بريق الذهب”. ومما ورد في التقرير أن:

– البنوك المركزية تخفض بشكل حاد حيازاتها من الدولار وتبحث عن بديل آمن. وتشتري الآن أطناناً من الذهب أكثر من أي وقت مضى.

-ساعدت طفرة الشراء هذه في دفع أسعار الذهب إلى مستويات قريبة من المستويات القياسية (..) من الواضح أن هناك شيئاً جديداً يقود أسعار الذهب.

– تسعة من العشرة الأوائل من كبار المشتريين في العالم النامي، بما في ذلك روسيا والهند والصين. وليس من قبيل الصدفة أن هذه الدول الثلاث تجري محادثات مع البرازيل وجنوب إفريقيا حول إنشاء عملة جديدة لتحدي الدولار.

– أقدم الأصول وأكثرها تقليدية (الذهب) يشكل وسيلة لثورة البنوك المركزية ضد الدولار.

-غالباً ما كان يُنظر إلى الدولار والذهب في الماضي على أنهما ملاذات، ولكن يُنظر الآن إلى الذهب على أنه أكثر أماناً.

– خلال الأزمة المصرفية القصيرة في مارس، استمر الذهب في الارتفاع بينما تراجع الدولار. الفرق في الحركة بينهما لم يكن بهذا الحجم من قبل.

ويشار هنا إلى أن تمرد الدول الناشئة حاليا على الدولار بينما كانت التجارة العالمية قائمة على العملة الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يأتي بسبب أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد تحولوا بشكل متزايد إلى العقوبات المالية كسلاح.

ويوضح بدرة، أن “الأوضاع الاقتصادية مهما تغيرت في ضوء التحديات التي تلف العالم، يظل الذهب الاستثمار الأقوى تبعاً لذلك بوصفه أداة رئيسية للتحوط ضد الأزمات والملاذ الآمن الأول”، مشيراً إلى المعدلات التي حققها الذهب وملامسته مستويات تاريخية خلال العام على أساس سنوي، رغم الانخفاض الأخيرة، ورغم حالة “اللايقين” و”الضبابية” المسيطرة على الاقتصاد العالمي، وفي ضوء تأثر عديد من القطاعات والملاذات الاستثمارية.

– تفاوت أداء الذهب خلال الستة أشهر الأولى من العام.
– مع بداية العام، ارتفع المعدن الثمين (وصولاً إلى 1945 دولاراً للأونصة بنهاية يناير) بسبب عدم اليقين بشأن استقرار الاقتصادي العالمي وفي ظل التوترات الجيوسياسية، ومع ارتفاع معدلات التضخم.

– مع اعتماد البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على إجراءات لمكافحة التضخم من خلال زيادة أسعار الفائدة، بدأ سعر الذهب في الانخفاض بداية من فبراير. تبعاً لذلك انخفض الذهب في مارس إلى 1817 دولاراً للأونصة.

-ارتفعت أسعار الذهب مرة أخرى، مع عودة المخاوف بشأن الركود المحتمل في الولايات المتحدة إلى الظهور.

– وصل الذهب إلى ذروته في مايو ، عند 2055 دولاراً، واستقر في يونيو إلى 1975 دولاراً، قبل أن ينخفض إلى حدود الـ 1900 دولار.

ويوضح أستاذ التمويل والاستثمار أن ارتفاع أسعار الفائدة (ضمن سياسة التشديد النقدي المتبعة من جانب البنوك المركزية لكبح جماح التضخم) لم يؤثر بشكل كبير على الاتجاه نحو الذهب، لا سيما وأنه قد صار هنالك حرص على الموازنة بين الذهب والدولار، في ضوء التقلبات الأخيرة فيما يخص الدولار والتحديات التي يواجهها”.

وأشار في الوقت نفسه إلى أن “تبعات كورونا وارتفاع معدلات التضخم والسياسات المالية والنقدية المتبعة بعد ذلك وسوء استخدام الولايات المتحدة للدولار، كل ذلك من العوامل التي دفعت إلى التخوف من الاعتماد على العملة الأميركية وبالتالي استفاد الذهب من ذلك، مع لجوء المستثمرين للاحتفاظ به كوسيلة للتحوط”.

ويضيف الخبير الاقتصادي: “مما يعكس الثقة في الذهب كملاذ آمن أيضاً اتجاه البنوك المركزية له كأداة للتحوط من مخاطر الاستثمار في الأدوات الأخرى، إذا يُنظر إليه باعتباره البديل الأمثل، ومن ثم ترفع البنوك المركزية نسب حيازتها”.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى