“عدوى” خفض إنتاج النفط تتفشى وسط توقعات بتأثير طفيف على المغرب
في ساعات قليلة، خطَتْ كل من السعودية وروسيا، أول وثاني أكبر مُصدِّري النفط في العالم، خطوة متشابهة ستسهم في “رفع أسعار المحروقات على الصعيد العالمي”، بينما يظل الهدف المعلن من ورائها “دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية” التي شهدت تقلبات متسارعة منذ اندلاع الحرب المستمرة في أوكرانيا.
من المرتقب أن تدفع خطوة خفض صادرات موسكو إلى جانب تمديد الخفض السعودي (مليون برميل يومياً) طيلة شهر غشت 2023 أسعار النفط إلى “الارتفاع” عن مستواها الحالي المسجل منذ أشهر، بعدما ظلت تُراوح نطاقا بين 70 و75 دولاراً للبرميل.
وشرعت السعودية في تنفيذ قرارها الخفض الطوعي للإنتاج من النفط بحلول الشهر الجاري إلى أواخر غشت المقبل، “مع إمكان تمديده”، وفق ما أوردته منصة “الطاقة” المتخصصة؛ قبل أن تسارع الجزائر إلى اقتفاء أثر كل من روسيا والسعودية، معلنة عبر بيان لوزارة الطاقة الجزائرية “قرار خفض طوعي للإنتاج بنحو 20 ألف برميل يوميا بدءا من فاتح الشهر القادم”، وتتبَعها ليبيا مؤيدة القرار نفسه.
وتصل التخفيضات المعلنة إلى 1.5% من الإمدادات البترولية العالمية، رافعة بذلك التخفيضات الإجمالية التي تعهد بها تحالف “أوبك+” إلى 5.16 مليون برميل يوميا.
تعاملات اليوم الإثنين تأثرت بمجمل هذه القرارات، ليرتفع سعر خام برنت بنسبة 1.6% إلى 76.60 دولارًا للبرميل، مباشرة إثر الإعلان الروسي وبيان السعودية بشأن “تمديد خفض الإنتاج الطوعي”.
وعند متم اليوم الإثنين (3 يوليوز) أدت قرارات الخفض في ما يشبه “تماهياً بين الدول” إلى ارتفاع العقود الآجلة لخام برنت إلى 0.6 في المائة أو 43 سنتا إلى 75.84 دولارا للبرميل، في حين صعد “خام غرب تكساس” الوسيط إلى 0.6 في المائة أو 39 سنتا إلى 71.03 دولارات للبرميل.
خفض تحت “تأثير الدومينو”
يأتي قرار خفض صادرات النفط الروسي تأكيداً لالتزام موسكو بالتخفيضات الطوعية للإنتاج التي أعلنتها بشكل تقريبا متزامن عدد من دول “تحالف أوبك+”، البالغة 1.66 مليون برميل يومياً حتى متم دجنبر 2024.
كما أنها خطوات في اتجاه “تعزيز الجهود المشتركة التي تقودها بلدان ‘أوبك بلس’، ودعم التخفيضات الإضافية التي أعلنتها كل من السعودية وروسيا”، حسب تحليل نشرته منصة “الطاقة” المتخصصة.
“أثر طفيف” على المغرب
أكد مصطفى لبراق، خبير اقتصادي مغربي متخصص في الطاقة، أن “أثر قرارات هذه التخفيضات من طرف دول منتجة للنفط لها وزنها في السوق العالمي سيكون محدودا وبشكل طفيف على أثمان المحروقات وبيعها في المغرب”، مقدّراً أن “الارتفاع قد يطال أسعار المحروقات بمحطات الوقود بحوالي 10 إلى 20 سنتيما”.
وتابع لبراق، في حديث مع جريدة هسبريس، بأن “الارتفاع في أسعار المحروقات لن يكون في مستوى وبمِثل وتيرة ما عرفته البلاد سنة 2022 تزامنا مع انعكاس سلبي لاندلاع النزاع في أوكرانيا وتغيرات جيوسياسية عاشتها أوروبا”.
وعزا الخبير الطاقي ذاته ما عرفته “السوق العالمية للنفط من تذبذبات الأسعار” إلى “ضعف وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي مع تعافٍ بوتيرة أقل من المتوقع رغم موجات التضخم التي ميزت الدورة الاقتصادية العالمية”.
“تكتيك ليس لأول مرة”
“الإنتاج في دول أوبك+ يوجد في مفترق طرق”، يورد لبراق، مسترسلا في الشرح لهسبريس: “الأمر لا يعدو أن يكون تكتيكا متبّعا من طرف الدول المصدرة للنفط، وليست هذه المرة الأولى بالمناسبة، بعدما أحسّت بوطأة انخفاض الطلب عالميا مقابل استشعار واضح لاتجاه متصاعد نحو اللجوء إلى مزايا الطاقات المتجددة عِوَض الأحفورية”.
وأضاف المتحدث ذاته: “دول كالسعودية وروسيا أصبحت ترى أن انخفاض البرميل في الأشهر القليلة الماضية إلى مستوى 70 دولارا للبرميل لا يخدمها، مقابل ما عرفته سلاسل الإمداد والتوريد ووسائل الإنتاج من انحسار في فترة كوفيد”، مستحضرا “ضغطا آخر تمارسه البنوك المركزية العالمية على أسعار إنتاج النفط وتصديره برفعها نسب الفائدة لكبح جماح التضخم الذي لم تنْجُ منه أسعار المواد الطاقية بدورها”.
“المغرب زبونٌ صغير للنفط”
من جهته، سار أمين بنونة، الخبير الطاقي أستاذ علوم الطاقة (سابقا) بجامعة القاضي عياض بمراكش، على مسار الخط ذاته، مؤكدا أن “هذه التقلبات في قرارات إنتاج/تصدير النفط من طرف دول أوبك+ لا تعني المغرب كثيرا من حيث وَقْعِها المرتقب على سياسة اقتناء المملكة للمواد البترولية”.
وأبرز بنونة، في تصريحه لهسبريس، أن “المغرب يظل زبوناً صغيراً في سوق النفط العالمي”، وزاد شارحا أن “حوالي %70 إلى 80% مما نقْتَنيه يتم عبر عقود موثقة متوسطة المدى في أغلب الحالات تمتد إلى 6 أشهر أو سنة أو ربما أكثر؛ بينما 20 في المائة فقط هي التي تخضع لمستويات السوق الحر والشراء متقلب السعر”.
الخبير الطاقي ذاته سجل “صعوبة التنبؤ بأسعار النفط لأسابيع طويلة قادمة”، ما يعني تبعا لذلك، وفقه، أن “المفعول الذي قد تُحدثه قرارات خفض الإنتاج طوعيا لا يُعلم بعدُ مدى أثره”، خاتما: “السعودية لها شفافية واضحة ومشهود لها في ما يخص أرقام إنتاج النفط وتصديره، عكس روسيا مثلا التي عادة ما تلعب على أثر الخبر الدعائي وأثره السياسي أكثر من وقْعه اقتصاديا، لاسيما بعد العقوبات الغربية عليها في هذا الإطار”.