“الحياة في “طي النسيان – BBC News عربي
- Author, هانا ريتشي
- Role, بي بي سي نيوز- سيدني
مركز الاحتجاز الأسترالي المثير للجدل في ناورو فارغ ، وذلك بعد إجلاء آخر لاجئ متبقٍ في الأسبوع الماضي.
ويضع هذا نهاية لأكثر من عقد من نظر أستراليا في طلبات طالبي اللجوء في الدولة الصغيرة الواقعة في المحيط الهادئ ،حيث احتُجز 4183 شخصا هناك منذ عام 2012.
ووصف زوار من منظمة أطباء بلا حدود وهيومن رايتس ووتش ناورو بأنه “يأس إلى أجل غير مسمى” و “انتهاكات مستمرة”، وهو “شوكة” في سجل أستراليا في مجال حقوق الإنسان.
ومع ذلك، لا تزال المعالجة الخارجية- التي تنطوي على احتجاز أشخاص في المحيط الهادئ أثناء انتظارهم لإعادة التوطين في بلد ثالث- واحدة من أكثر سياسات أستراليا ديمومة.
ودافع سبعة رؤساء وزراء متتالين عن دور هذه السياسة في حماية حدود البلاد وقطع الطريق على مهربي البشر.
وعلى الرغم من بقاء المراكز شاغرة، فإن حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز ستنفق مبالغ طائلة من المال- بما في ذلك 486 مليون دولار أسترالي (320 مليون دولار أمريكي) هذا العام – لإبقاء ناورو مفتوحة كرادع.
الحياة في “طي النسيان”
وتعرف ماريا شعور النقل الجوي من ناورو في غضون مهلة قصيرة. إذ تم إجلاؤها إلى سيدني في عام 2014 بسبب مشكلة حادة في الكلى، بعد احتجازها في الجزيرة لأكثر من عام.
وفرّت ماريا، التي كانت قد نجت من ختان الإناث في الصومال، من الحرب الأهلية قبل أن تقوم برحلة استمرت أسابيع بالطائرة، ثم بالقارب إلى أستراليا.
“عديني فقط: لا تموتي” ، ناشدها شقيقها الأصغر عندما غادرت منزل العائلة للمرة الأخيرة.
وتقول ماريا، التي لا تريد الإفصاح عن اسم عائلتها: “هذا حطمني، لأن لدينا الكثير من الجيران وأبناء العم الذين لقوا حتفهم في البحر الأبيض المتوسط”.
قالت ماريا لبي بي سي إنها شعرت بأن وقتها في البحر “لا ينتهي أبدا”. كان القارب صغيرا ولم يكن لدى عشرات الركاب مرحاض. “كنت أهلوس لأنني كنت مريضة جدا. بقيتُ أفكر في أخي. وكيف لم أرغب في الكذب عليه”.
في النهاية تم التقاطهم من قبل البحرية الأسترالية، ونقلوا في النهاية إلى ناورو.
ذكريات ماريا عن الجزيرة حية ومكثفة. تصف أنها أُصيبت بجروح وحروق في أقدامها بعد المشي على أحجارحادة بدون حذاء في حرارة شديدة. وتضيف أن الرطوبة تركت خيمتها مغطاة “بالعفن الأخضر والأسود الذي نما على كل شيء”.
تعلمت الانتقال في مجموعات وتجاهل الدعوات الجنسية من الرجال داخل المخيم. تقول ماريا إن المعاملة غير الإنسانية ، مثل المراقبة أثناء الاستحمام أو تقنين الفوط الصحية من قبل الحراس، أصبح هو القاعدة.
“كان هناك الكثير من العلاقات غير اللائقة بين الحراس والفتيات. أنت لاجئ، لكنهم نظروا إليك كما لوكنت في السجن”.
بعد مغادرة ناورو، تم اعتقال ماريا في سيدني، قبل إطلاق سراحها أخيرا بتأشيرة مؤقتة. هي تديرالآن شركة في بريسبان، حيث تعيش مع زوجها الأسترالي وطفليها.
لكن تأشيرتها تتطلب التجديد كل ستة أشهر وتعيش في رعب من أخذها بعيدا عن عائلتها وإعادتها إلى الاحتجاز. “لا أعرف ماذا سيحدث غدا.”
سرد عدد لا يحصى من اللاجئين قصصا عن معاناتهم، مثل معاناة ماريا منذ بدء برنامج توطين اللاجئين في مخيمات خارج أستراليا لحين البت في أمرهم في عام 2001.
كان هذا تصور رئيس الوزراء المحافظ، جون هوارد. عندما ترك منصبه في عام 2007، إذ قامت حكومة حزب العمال برئاسة كيفن رود بتجميد البرنامج، قبل استئنافه في عام 2012، في البداية كإجراء لسد الفجوة بعد ارتفاع في عدد القوارب.
دافع السياسيون المتعاقبون عن السياسة باعتبارها مفتاحا لحماية حدود أستراليا وإنقاذ الأرواح في البحر.
لكن الباحثين قالوا إنها لم تفعل شيئا يُذكر للحد من الوافدين البحريين أو الوفيات. انخفض كلاهما من عام 2014 فصاعدا، عندما تحولت الحكومة بهدوء إلى “إعادة” القوارب – وهو نهج يبعد سفن المهاجرين من المياه الأسترالية ويرسل من هم على متنها إلى بلدان مغادرتهم.
وتوقف جميع الوافدين الجدد إلى مراكز الاحتجاز البحرية في ناورو وجزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة.
ومنذ ذلك الحين ، “أنفقت أستراليا الكثير من الجهد والمال في محاولة فاشلة لانتشال نفسها من ترتيباتها في ناورو وبابوا غينيا الجديدة”، وفقا لمراجعة عام 2021 للاحتجاز في الخارج التي قدمها مركز كالدور لقانون اللاجئين الدولي.
ودفعت الاتهامات المتزايدة بالأزمات الصحية بين المعتقلين في أستراليا إلى إجلاء الناس من الجزر بموجب مخطط تشريعي خاص.
ونتيجة لذلك، تم نقل الجميع من ناورو، لكن 80 شخصا اعتقلتهم الحكومة سابقا ما زالوا”محاصرين” في بابوا غينيا الجديدة، وفقا لمركز قانون حقوق الإنسان.
على مدى العقد الماضي، أعربت كل هيئة من هيئات الأمم المتحدة الخبيرة المكلفة بمراجعة المعالجة الخارجية عن مخاوفها بشأن هذه السياسة. وتوفي أربعة عشر شخصا في الاحتجاز، نصفهم تقريبا نتيجة الانتحار.
في عام 2020، وصفت المحكمة الجنائية الدولية سياسات أستراليا بأنها غير قانونية ومهينة لكنها قالت إنها لا تستدعي المحاكمة.
وعلى الرغم من التحول بهدوء بعيدا عن المعالجة في الخارج، وقّعت أستراليا مؤخرا عقدا بقيمة 422 مليون دولار أسترالي مع شركة سجون أمريكية للإشراف على ناورو حتى عام 2025 على الأقل.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية: “تضمن قدرة الاستيعاب الدائمة أن تظل ترتيبات المعالجة الإقليمية جاهزة لاستقبال ومعالجة أي وصول بحري جديد غير مصرح به، مما يضمن استجابة أستراليا في المستقبل لتهريب الأشخاص عبر البحر”.
ولم يُعلّق ألبانيز على آخر معتقل يغادر ناورو. ووصفت حكومته سياسات طالبي اللجوء بأنها “صارمة على الحدود وليست ضعيفة في إنسانيتها”.
ويقول منتقدون إن المعالجة في الخارج ستظل سياسة مكلفة للحزبين طالما “يتم استخدام اللاجئين لمحاولة كسب الأصوات”.
وتقول جانا فافيرو مديرة الدفاع في مركز موارد طالبي اللجوء: “لقد تم استخدام الأشخاص الذين يطلبون اللجوء عن طريق البحر كسلاح وتم تسييس قضيتهم على مدى عقود في أستراليا”.
لكن فافيرو وغيرها من النُقاد يعتقدون أن المشاعر العامة تجاه مراقبة الحدود “القائمة على الردع” آخذة في التحول. وهي تحتفي بالإخلاء الأخير من ناورو باعتباره “خطوة طال انتظارها للاجئين “ناتجةعن”الدعوة الدؤوبة”.
وتقول: “ما رأيناه في الانتخابات الأخيرة كان رفضا للسياسة القائمة على الخوف”.
ويبدو أن الاقتراع يساهم في حدوث بعض التحول في المواقف تجاه الهجرة. وفي عام 2017، ردا على سؤال عما إذا كان ينبغي السماح للاجئين في ناورو وبابوا غينيا الجديدة بالاستقرار في أستراليا، وافق 45 في المئة، بينما رفض 48 في المئ ، وفقا لمركز أبحاث معهد لوي. وهذا العام، وجد استطلاع للرأي أن 68 في المئة قد وافقوا على أن “الانفتاح على الناس من جميع أنحاء العالم ضروري”، بزيادة قدرها 15 نقطة عن عام 2018.
تقول ماريا التي وجدت نفسها عالقة في مرمى سياسة الحكومة: “إن الحياة في الوقت الحالي تدورحول التعايش مع عدم اليقين-لأن القليل جدا قد تغير بمرور الوقت”.
وتشرح قائلة: “لقد مرت 10 سنوات بالفعل- في هذه المرحلة أشعر أنني معتادة على ذلك”.
“أنا أعيش حياتي بقدر ما أستطيع… ولكن هناك بعض الأيام التي ترتبك فيها مشاعري وأتساءل: لماذا يحدث هذا معي أنا بالذات؟”.