تليسكوب إقليدس جاهز للانطلاق في محاولة لحل أحد أكبر الأسئلة المحيرة للعلم
- جوناثان آموس
- مراسل العلوم- بي بي س
أوشك تليسكوب الفضاء الأوروبي إقليدس أو “إيوكليد” على الانطلاق نحو الفضاء من قاعدة فلوريدا الجوية بالولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة لحل أحد أكبر الأسئلة المحيرة للعلم: مما يتكون الكون؟
تتمثل مهمة إقليدس الأساسية في إنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد هائلة للكون في محاولة لربط بعض خصائص ما يسمى بالمادة المظلمة والطاقة المظلمة.
يبدو أن هذه الظواهر معا تتحكم في شكل وتوسيع كل شيء نراه هناك (في الكون).
ويقر الباحثون بأنهم لا يعرفون شيئا عن هذه الظواهر تقريبا.
ولا يمكن اكتشاف المادة المظلمة أو الطاقة المظلمة بشكل مباشر.
وقالت البروفيسورة إيزوبيل هوك، إن هذه الفجوة الكبيرة في المعرفة تعني أننا لا نستطيع حقا تفسير أصولنا.
وتعتقد عالمة الفلك بجامعة لانكستر في بريطانيا، أن الرؤية من خلال إقليدس ستكون أفضل رهان لنا للوصول إلى طريق الفهم.
وأضافت إيزوبيل لبي بي سي نيوز، “سيكون الأمر أشبه بالانطلاق على متن سفينة قبل أن يعرف الناس موقع الأرض بالنسبة للاتجاهات المختلفة. لذلك سنقوم برسم خريطة للكون لمحاولة فهم المكان الذي نتواجد فيه وكيف وصلنا إلى هنا – كيف نشأ الكون كله من نقطة الانفجار العظيم وصولا إلى المجرات الجميلة التي نراها حولنا، وكذلك النظام الشمسي حتى نصل إلى نشأة الحياة”.
وتم تجهيز تليسكوب إقليدس الذي تبلغ تكلفته 1.4 مليار يورو لينطلق إلى الفضاء على متن صاروخ فالكون 9 من قاعدة كيب كانافيرال، في الساعة 11:12 بالتوقيت المحلي (15:12 بتوقيت غرينتش).
سيتم إرسال إقليدس إلى موقع مراقبة على بعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، على الجانب الآخر من الكوكب في المسافة بينه وبين الشمس.
وعلى الرغم من أن المهمة هي مشروع وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) في المقام الأول، إلا أن البعثة لديها مشاركات علمية وهندسية مهمة من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) أيضا.
كيف سيستكشف إقليدس الكون المظلم؟
كشفت التجارب السابقة أن الطاقة المظلمة تمثل حوالي 70 في المئة من كل الطاقة في الكون، بينما تنقسم الـ 30 في المئة المتبقية بين 25 في المئة تمثلها المادة المظلمة، و5 في المئة تمثلها النجوم، والغاز، والغبار، والكواكب، وحتى نحن البشر، من هذا الكون.
إذا هناك 95 في المئة من هذا الكون تمثله مواد غامضة هي الطاقة المظلمة والمادة المظلمة، ولتفكيك طبيعة هذه المواد الغامضة، سيقوم إقليدس بعمل مسح من شقين للكون على مدار ست سنوات.
ستكون المهمة الرئيسية الأولى رسم خريطة لتوزيع المادة المظلمة، وهي المادة التي لا يمكن اكتشافها مباشرة ولكن يعرف علماء الفلك وجودها بسبب تأثير جاذبيتها التي يمكننا رؤيتها على المادة.
المجرات، على سبيل المثال، لا يمكن أن تحافظ على شكلها لولا وجود بعض الدعامات الخارجية “السقالات” الإضافية. من المفترض أن تكون هذه السقالات هي مادة مظلمة، أيا كان ذلك.
على الرغم من أن هذه المادة لا يمكن رؤيتها بشكل مباشر، إلا أن التليسكوب يمكنه رسم خريطة توزيعها من خلال البحث عن الطريقة الدقيقة التي تؤثر بها كتلة هذه المادة على الضوء القادم من المجرات البعيدة.
واشتهر تليسكوب هابل الفضائي بأنه أول من استخدم هذه الطريقة لتحديد المادة السوداء في بقعة صغيرة في السماء، كانت تمثل فقط درجتين مربعتين.
لكن تليسكوب إقليدس سوف يقوم بنفس مهمة هابل لكن عبر مسافة تصل إلى 15000 درجة مربعة من السماء، ما يزيد قليلاً عن ثلث السماء.
سيكون محور كل هذا كاميرا الرؤية الرئيسية VIS في التليسكوب، التي تم تطويرها في بريطانيا.
وقال البروفيسور مارك كروبر، من مختبر مولارد لعلوم الفضاء بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس: “الصور التي ستنتجها (هذه الكاميرا) ستكون ضخمة. ستحتاج إلى أكثر من 300 جهاز تلفزيون عالي الدقة (هاى ديفنشن) لعرض صورة واحدة فقط”.
وتعد الطاقة المظلمة مفهوما مختلفا تماما عن المادة المظلمة.
ويبدو أن هذه “القوة” الغامضة تعمل على تسريع تمدد الكون. الاعتراف بوجودها وتأثيرها في عام 1998 منح ثلاثة علماء جائزة نوبل.
سيحقق إقليدس في هذه الظاهرة من خلال رسم خرائط التوزيع ثلاثية الأبعاد للمجرات.
ويمكن استخدام الأنماط في الفراغات الكبيرة الموجودة بين هذه الأبعاد كنوع من “المقياس” لقياس التمدد عبر الزمن.
مرة أخرى، نجحت عمليات المسح التي تمت من على الأرض في تحديد الطاقة المظلمة بمساحات صغيرة من السماء، لكن تليسكوب إقليدس سوف يقيس المواقع الدقيقة لحوالي ملياري مجرة على بُعد حوالي 10 مليارات سنة ضوئية من الأرض.
وأكد البروفيسور بوب نيكول، من جامعة سوراي أن العلماء سيمكنهم “بعد ذلك طرح بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام”.
وقال لبي بي سي نيوز: “هل التسارع هو نفسه في جميع النقاط في الكون؟ اليوم، نحن نحسب المتوسط لكل شيء نقيسه. لكن ماذا لو لم يكن التسارع هناك هو نفسه هنا؟ سيكون هذا اكتشافا علميا”.
لن يتمكن إقليدس من إخبارنا بشكل قاطع أن “هذه هي طبيعة المادة المظلمة والطاقة المظلمة”، لكن ما يجب أن يفعله هو تضييق نطاق النماذج والأفكار التي تسيطر على التفكير العلمي الحالي. وسوف يساعد هذا في تركيز انتباه وجهود المنظرين والتجريبيين.
على سبيل المثال، قد يقدم بعض التفكير الجديد حول كيفية اكتشاف الجسيمات التي يُعتقد حاليا أنها تمثل الكثير من المادة المظلمة.
وفيما يتعلق بالطاقة المظلمة، قد يتمكن مسح إقليدس من أن يخبر العلماء، أن تلك الطاقة بعيدا عن كونها من الخصائص الأساسية للفراغ الموجودة في الفضاء، بحسب أفضل التخمينات العلمية الحالية، فإن هناك تفسيرا أفضل لهذه القوة غير المعروفة فيما يتعلق بنظرية الجاذبية المعدلة. هذا أيضا سيكون اكتشافا علميا.
ويرى البروفيسور مارك ماكوغرين، كبير مستشاري وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) للعلوم والاستكشاف، أن أحد الاحتمالات هو أن الطاقة المظلمة هي في الواقع قوة خامسة، “قوة جديدة في الكون تعمل فقط على نطاقات ضخمة، لذا فهي لا تؤثر على الحياة هنا على الأرض”.
وقال ماكوغرين: “لكن، بالطبع، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مصير كوننا، فإلى أي مدى يمكنه أن يتوسع؟ هل سيستمر في التسارع إلى الأبد، فقط يكبر ويكبر؟ أو ربما سينهار كله مرة أخرى؟”