مانيبور: النساء الجريئات اللواتي يتحدين الجيش في الولاية الهندية المضطربة
- سوتيك بيسواس
- مراسل بي بي سي في الهند
ادعى الجيش الهندي أن جماعات نسائية ناشطة في ولاية مانيبور شمالي شرقي البلاد، والتي مزقتها أعمال عنف مستمرة منذ نحو شهرين، تعرقل عمل الجيش وتساعد مثيري الشغب.
ونشر الجيش الهندي مؤخرا مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يتضمن لقطات مختلفة منها نساء يواجهن جنودا في الشوارع، أو غاضبات ومتجمعات حول حفارة على طريق صاخب مزدحم بأنواع مختلفة من السيارات.
وينطوي المقطع الذي يحمل اسم “كشف الغموض عن أسطورة الحصار السلمي الذي تقوده نساء مانيبور”، على مزاعم تجرّم بشكل واضح الناشطات، وتتهمهن بأنهن “يساعدن مثيري الشغب على الفرار”، ويرافقنهم في المركبات وسيارات الإسعاف، و”يعرقلن مسار” العمليات الأمنية وتحركات الامداد والتموين.
وينتهي الشريط بمناشدة الأهالي بالتعاون مع القوات الأمنية التي “تعمل ليل نهار لإحلال السلام والاستقرار”.
كما نشر الجيش شريط فيديو آخر تظهر فيه مواجهات وتوترات بين مجموعة من النساء الغاضبات وجندي صبور، وتبدو فيه إحدى النساء وهي تقول للجندي “اذهب بعيدا”.
كما جاء في تغريدة نشرها الجيش الأسبوع الماضي أن قوات الأمن أطلقت سراح 12 شخصا من المتمردين خلال عملية تمشيط بعد أن “حاصرتهم” نحو 1500 امرأة، وصفتهن التغريدة بأنهن “مجموعة من الغوغاء” وذلك في مقاطعة إيمفال الشرقية عاصمة الولاية، حيث يعيش 16 في المئة من سكان مانيبور، الذين يبلغ عددهم نحو 3.3 مليون نسمة.
ولا تزال أعمال العنف لأسباب عرقية متواصلة في مانيبور، بعد مرور شهرين تقريبا على اندلاع اشتباكات دامية بين مجتمع الميتي الذي يمثل المجموعة العرقية الرئيسية في الولاية ومجتمعات كوكي القبلية.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 100 شخص، ونزوح حوالي 60 ألف آخرين، رغم وجود عشرات الآلاف من قوات الأمن في منطقة الوادي التي يقطنها شعب الميتي بشكل أساسي، وكذلك في منطقة التلال، موطن قبائل الكوكي.
وكانت الاشتباكات بدأت إثر مسيرة احتجاج على مطالب المجموعة العرقية الرئيسية في الولاية بالحصول على اعتراف من الحكومة بأنها ضمن فئة “القبائل الُمصنفة”.
ويطالب أعضاء مجتمع الميتي، الذين يمثلون 53 في المئة من سكان الولاية، منذ سنوات، بإدراجهم ضمن فئة القبائل المصنفة، ما يمنحهم حق الوصول إلى أراضي الغابات، ويضمن لهم نسبة من الوظائف الحكومية والأماكن في المؤسسات التعليمية.
في المقابل، فإن المجتمعات المعترف بها كقبائل مصنفة، وخاصة شعب الكوكي، تخشى فقدانها السيطرة على أراضي الغابات الموروثة عن الأجداد، في حال قبول مطالب شعب الميتي.
ولكن، وكما يظهر من شريطي الفيديو المذكورين، فإن استعادة السلام في الولاية عملية صعبة وبطيئة، وسط أجواء من الانقسامات العميقة وانعدام الثقة بين االأطراف المتنازعة.
ويُعتقد أن الكثير من النساء اللواتي يتحدين قوات الأمن في الولاية المضطربة ينتمين إلى حركة اجتماعية نسائية يطلق عليها اسم “ميرا بايبيس” وتعني “حاملات المشاعل”، ويعرفن أيضا باسم “أمهات مانيبور”.
وكانت نساء من هذه الحركة أثرن اهتماما عالميا عام 2004 عندما وقفن عاريات خارج معسكر للجيش في العاصمة إيمفال، وهن يحملن لافتة كتب عليها “الجنود الهنود يغتصبوننا” وذلك في إطار احتجاجات جريئة قادتها النساء إثر مقتل شابة من المنطقة عمرها 31 عاما واغتصابها جماعيا، وسط مزاعم بأن مجموعة من الجنود هي التي ارتكبت الجريمة.
وتنتمي حركة “ميرا بايبيس” إلى مجتمع الميتي، وتتكون عادة من نساء متزوجات، تتراوح أعمارهن بين 30 و 65 عاما.
وتعتبر هذه المجموعة النسائية كيانا شبه منظم، ويعود تأسيسها إلى أوائل القرن العشرين، حسب المؤرخ لايشرام جيتندراجيت سينغ. وكانت بدايتها عندما نظمت نساء لديهن أفكار متشابهة احتجاجات ضد العمل الإجباري، الذي كان يجبر الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و60 عاما في مانيبور بتخصيص أيام محددة في كل شهر للعمل مجانا لدى الحاكم البريطاني.
واكتسبت حركة “ميرا بايبيس” مكانة بارزة في المجتمع المحلي منذ اندماج مانيبور مع الهند عام 1949، خصوصا حين أطلقت حملة كبيرة لمكافحة تعاطي المخدرات والكحول.
وتقول شروتي موخيرجي من جامعة ستوني بروك في نيويورك، والتي تجري أبحاثا عن النشاط النسائي في مانيبور، إن “تحلي (النساء في حركة ميرا بايبيس) بالمرونة وعدم وجود هيكل صارم يحكم نشاط المجموعة، يعني أنهن قادرات على المشاركة في أي قضية تتعلق بمجتمعهن. وهذا أيضا يجعل نشاط الحركة غير مقتصر على قضايا المرأة”.
وعندما شهدت ولاية مانيبور صراعات عرقية وتمردا عام 1980، كان للناشطات في الحركة دور كبير وبارز، وفي عام 1958، عندما أصدرت السلطات الهندية قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة المثير للجدل، والذي يحمي قوات الأمن من المسائلة عند قتل مدني عن طريق الخطأ أو في ظروف اضطرارية. وقد اعتبر هذا القانون مسؤولا بشكل جزئي عن “الحصانة الدائمة” التي تتمتع بها قوات الأمن في الهند.
ووفق مجموعات حقوقية، فإن نحو 1528 شخصا قد أعدموا بشكل غير قانوني من قبل قوات الأمن في مانيبور ما بين عامي 1979 و2012 في إطار ما يعرف باسم “المواجهات الوهمية”.
وفي عام 1980 نظمت الحركة مسيرة احتجاجية إلى مركز الشرطة، وتمكنت من إطلاق سراح رجل من مجتمع الميتي، كانت قوات الأمن ألقت القبض عليه على خلفية الاشتباه بمشاركته في أعمال تمرد.
ويقول المؤرخ سينغ: “نفذت النساء وقفات احتجاجية ليلية حملن فيها المشاعل، كما قمن بأدوار حراسة لمنع الجيش من اعتقال أولادهن”.
وفي ولاية تشهد حركات تمرد منذ أكثر من أربعة عقود، فهناك حالة متجذرة ومستمرة من انعدام الثقة بين الأهالي وقوات الأمن.
وفي أعقاب الاشتباكات العنيفة التي اندلعت في بداية شهر مايو / أيار من هذا العام، اتُهم ثلاثة من عناصر قوة التدخل السريع التابعة للشرطة المحلية بإحراق المنازل عمدا، وتم إيقافهم عن العمل. وكانت هناك مزاعم بأن بعض وحدات شبه عسكرية موالية لأحد المجتمعات المحلية، تجاهلت قيام مسلحين بمهاجمة بعض القرى، ولم تتدخل.
وتقول ثونغام جويميلا، إحدى زعيمات حركة ” ميرا بايبيس”، إن النساء “غير راضيات عن دور الجيش، فهو غير قادر على إيقاف أوغاد الكوكي المسلحين (في التلال). لذلك هناك احتجاجات متفرقة ضد تحركات الجيش في الوادي”.
وتضيف “نحن نرى أنه ينبغي إيقاف العنف، والقيام بعمليات لطرد المتمردين من كل من التلال والوادي، وإلا فلن ندعم عمليات الجيش”.
ويبدو هذا الرأي مشابه لما تراه بينالاكشمي نيبرام من “مبادرة نساء شمال شرقي الهند من أجل السلام”، والتي تقول: “إن أمهات مانيبور يعتقدن أن وحدات معينة من قوات الأمن كانت تتعمد خلق المزيد من الانقسام والكراهية، لذا خرجن بالآلاف لحماية مانيبور”.
وانتقدت نيفرام نشر الجيش مقطعي الفيدو على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبرت أنه كان ينبغي على الجيش “إظهار الشجاعة”، والتعاون مع زعيمات “ميرا بايبيس” ومع نساء مجتمع الكوكي في العمل على استعادة السلام، وقالت إنه من دون إشراك نساء مانيبور، لا يمكن إحلال السلام الدائم في الولاية.
ورغم أن ما نيبور ليست مجتمعا أموميا، إلا أن النشاط النسائي في الشؤون العامة واضح فيها، ويوجد في العاصمة إيمفال أكبر سوق للنساء في جنوب آسيا. وفي إيمفال أيضا سبق للناشطة السياسية والحقوقية الشهيرة إيروم شارميلا أن أضربت عن الطعام لمدة 16 عاما احتجاجا على قانون حماية القوات المسلحة، وقد وضعت خلال تلك المدة في المستشفى بغرفة محاطة بحراس مسلحين وممرضات، كما تقوم النساء الآن في الأحياء التي يمزقها الصراع، بدوريات للاشراف على المناطق العازلة.
وشاركت النساء في مانيبور في حركتين كبيرتين ضد الحكام البريطانيين، تحت اسم “نوبي لان” وتعني “حرب النساء” وذلك في عامي 1904 و1939. وهذه ثالث “حرب غير عنفية” تقوم بها النساء بشجاعة ضمن حركة “حاملات المشاعل” أي “ميرا بايبيس”، كما تقول نبرام.
وتقول جويمالا إن “‘ميرا بايبيس تسعى إلى إحلال السلام”، وتضيف “المزارعون غير قادرين على الذهاب إلى حقولهم. والأمهات غير قادرات على الذهاب إلى السوق وكسب رزقن. نحن نعيش تحت الحصار”.
شارك في التقرير ديرين إيه سادوكبام من إيمفال