الحج: ارتفاع تكاليفه يرهق كاهل المتطلعين لأدائه
- سالي نبيل
- بي بي سي نيوز- القاهرة
لم يعرف الحجاج المصريون سابقاً ارتفاعا بهذا القدر في رسوم الحج، فقد تضاعفت تكاليفه تقريبا، مقارنة بما كان عليه الوضع، العام الماضي.
ويقول بعض العاملين في شركات السياحة إن القفزة التي شهدتها الأسعار، هذا العام، أدت لتراجع إقبال الكثير من الراغبين في أداء الفريضة الدينية.
ظلت فريدة، وقد غيرنا اسمها بناء على طلبها، تدخر على مدى سنوات كي تتمكن من الذهاب إلى الحج. “كنت أتقدم للقرعة التي تطرحها الحكومة (المصرية) على مدار خمس سنوات، لكن لم يقع الاختيار علي ولا مرة”.
ويُعرف “حج القرعة” في مصر بأنه الأرخص كلفة لأنه تحت رعاية الحكومة وليس القطاع الخاص. ويقع الاختيار على عدد محدد من المتقدمين ليتمكنوا من الذهاب للسعودية بأقل مصاريف ممكنة. وبلغت كلفة “حج القرعة” هذا العام نحو 175 ألف جنيه مصري (نحو ستة آلاف دولار) في حين كانت العام الماضي تقارب 100 ألف جنيه مصري (نحو ثلاثة آلاف دولار).
ويرجع هذا الارتفاع بشكل رئيسي إلى التراجع الكبير في قيمة العملة المصرية منذ مارس / آذار من عام 2022. فقد خسر الجنيه المصري أكثر من خمسين في المئة من قيمته مقابل الدولار.
“أحلم بالحج”
تقول الأرملة الستينية فريدة، إنها ظلت تحلم بأداء هذه الفريضة، خاصة بعد أن تزوج أبناؤها الخمسة. وتضيف “شعرت أنني انتهيت من كل مسؤولياتي المادية والاجتماعية تجاه أبنائي. وقد آن الأوان لأحقق حلمي بالذهاب للحج”.
لم تفز فريدة بحج القرعة، هذه المرة، لكن حتى وإن فازت لم تكن تستطيع أداء الفريضة في ظل هذه التكاليف الباهظة، “كل مدخراتي لا تكفي لتغطية هذه المصروفات” كما تقول.
توصلت لطريق آخر يمكنها من أداء الفريضة من دون تحمل كل تلك الأعباء المالية، فقد دخلت إلى السعودية عن طريق تأشيرة زيارة، وليس تأشيرة حج، قبل أكثر من شهر من انطلاق موسم الحج.
وتوضح: “حصلت على تأشيرة زيارة صالحة لثلاثة أشهر، ووصلت إلى مكة منذ بضعة أسابيع، وسأتمكن من أداء الفريضة بعشرة في المئة تقريبا من التكاليف التي كنت سأدفعها إذا فزت بحج القرعة”.
تعلم فريدة أن هذا أسلوب ملتوٍ للتحايل على العقبات المادية التي تعترض طريقها لأداء الفريضة، لكن ما من خيارات أخرى أمامها.
وتخبرنا مسؤولة بإحدى شركات السياحة، التي تتولى تنظيم رحلات الحج، أن أغلب المترددين على الشركة، هذا العام، هم من العملاء الذين يؤدون فريضة الحج لأول مرة. وتوضح أن الوضع كان مختلفا في السنوات الماضية، إذ نظمت الشركة رحلات حج لعملاء أدوا الفريضة سابقاً، ويرغبون في تكرارها. لكن غلاء الأسعار الآن حال دون ذلك، على حد وصفها.
كما لجأ بعض المصريين للاقتراض من البنوك كي يتمكنوا من الذهاب للحج. كما بحث البعض الآخر عن إمكانية تقسيط تكاليف الرحلة، رغم ما يمثله ذلك من أعباء مالية متزايدة.
دعم الحج
وإذا كانت مصر هي أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان إذ يفوق تعدادها 100 مليون نسمة، فإن إندونيسيا هي أكبر الدول الإسلامية، إذ يتجاوز عدد سكانها 270 مليون نسمة، وتحصل على أكبر حصة حجاج من السعودية، إذ تجاوزت حصتها هذا العام 220 ألف حاج.
قررت الحكومة الإندونيسية، هذا العام، الحد من حجم الدعم المادي الذي تقدمه لرحلات الحج، حتى تتجنب إرهاق الميزانية. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن نائب الرئيس معروف أمين قوله إن الحكومة تحملت 60 في المئة تقريبا من تكاليف الحج لموسم عام 2022.
وتخشى السلطات أن تعجز عن تقديم الدعم في السنوات المقبلة، لذا آثرت أن تقلل من قيمة الدعم، حتى تضمن استدامته.
واقترح بعض مسؤولي الحكومة الإندونيسية أن يتحمل الحاج 70 في المئة تقريبا من التكاليف في موسم الحج الحالي. لكن هذا المقترح تم تعديله، لاحقا، وبات الحاج يتحمل الآن أكثر من 50 في المئة من تكاليف الرحلة، إذ يدفع حوالي ثلاثة آلاف دولار.
الحجاج في مناطق الحروب
تمكن الحجاج في العاصمة اليمنية صنعاء هذا العام من الذهاب جوا إلى السعودية لأول مرة منذ عام 2016. وظل مطار صنعاء مغلقا لفترة طويلة بسبب القتال الذي يمزق البلاد، ما بين المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران من جهة، والقوات الحكومية المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي، من جهة أخرى.
وجاء هذا التطور في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية الإيرانية تقاربا ملحوظا، بعد سنوات من التوتر الذي وصل حد خوض حرب بالوكالة، مثلما وصفها بعض الخبراء، على الأراضي اليمنية.
وتوجه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، مؤخرا، إلى طهران في زيارة، هي الأولى من نوعها، منذ نحو عقد من الزمان. يذكر أن العاصمة صنعاء تخضع لسيطرة الحوثيين.
عندما تنشب أزمة اقتصادية عالمية، تكون مناطق الحروب هي الأكثر تضررا ومعاناة في أغلب نواحي الحياة، وهذا ما نجده في اليمن. فقد ارتفعت تكاليف الحج بنسبة تقارب 30 في المئة هذا العام مقارنة بعام 2020، حيث زادت التكلفة على ثلاثة آلاف دولار للفرد الواحد. وتصل نسبة الزيادة إلى 70 في المئة تقريبا مقارنة بتكاليف عام 2016 مثلا.
اللافت هنا، هو الفارق الكبير في أسعار الصرف بين عدن وصنعاء. ففي عدن، الميناء الاستراتيجي المطل على بحر العرب والواقع جنوبي اليمن والبعيد عن سيطرة الحوثيين، يزيد سعر الدولار الواحد على 1300 ريال يمني. أما في العاصمة صنعاء، فيصل السعر إلى 500 ريال يمني مقابل الدولار الواحد. ويقدم هذا الفارق مثالا واحد على الانقسام الحاد الذي يعيشه اليمن بسبب الحرب. كما يخلق شعورا عميقا بغياب العدالة بين سكان المدينتين.
لكن بالنسبة لليمنيين لا تمثل التكاليف المادية كل همومهم. فكثيرا ما اشتكوا من بعض العقبات الإجرائية فضلا عن صعوبة التنقل سواء داخل اليمن نفسه، أو من اليمن إلى السعودية، خاصة لمن يقرر الذهاب برا.
تختلف أسباب معاناة الحجاج مع رسوم الحج، ويرجع بعضها لظروف عالمية تتمثل في الأزمة التي تعصف بالاقتصاد حول العالم، في حين يرجع البعض الآخر لعوامل محلية وإقليمية، سواء أكانت حربا أم تخبطا في السياسات النقدية.
لكن النتيجة واحدة، وهي تحمل الحجاج ما لا يطيقون من أعباء مالية ستؤثر، بالتأكيد، على نفقات حياتهم بالكامل لفترة من الوقت.