أوروبا ترفض “التورط” بين أمريكا والصين
على مدى أكثر من عام ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر فبراير 2022، يتساءل الكثيرون عما إذا كان السماح لروسيا بالاستيلاء على أوكرانيا سيسمح بتكرار السيناريو مع تايوان من جانب الصين؟ ويقول البعض إن هزيمة روسيا في أوكرانيا هو إنقاذ لتايوان؛ في حين يرى آخرون أنه لا يمكن المساواة بين أعمال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، وما يمكن أن يقوم به نظيره الصيني شي جين بينغ في تايوان.
وفي تحليل نشره موقع مجلة ناشونال إنترست الأمريكية، قال الكاتب والمحلل السياسي خوان بي. فيلاسميل إن السؤال الذي لا يقل إن لم يزد أهمية هو هل سيتصرف الغرب بنفس الحسم الذي يمارسه ضد روسيا، لمواجهة أي غزو صيني لتايوان؟ مضيفا أن الإجابة للأسف لا.
وفي يوم 26 أبريل الماضي، أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ أول اتصال هاتفي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ بداية الأزمة؛ مما أثار الكثير من التكهنات بشأن دور صيني لتحقيق السلام في أوكرانيا. وأثارت تحركات بكين في هذا الملف مخاوف الكثيرين في واشنطن، ليس فقط بسبب حقيقة أن الصين قد تعطي أولوية للمصالح الروسية؛ لكن أيضا لأن الصين وهي أكبر منافس اقتصادي وسياسي للولايات المتحدة ستصبح صانعا للسلام في أسوأ صراع عسكري تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يمكن أن يقلص النفوذ الأمريكي التقليدي في العالم بشكل عام.
وأورد فيلاسميل، الذي ينشر كتاباته في مجلات أمريكان سبكتاتور وناشونال إنترست وصحيفة وول ستريت جورنال، أن تصور أن الصين تواجه أضرارا نتيجة الصمود العسكري الأوكراني لا وجود له إلا في رأس الباحثين والسياسيين الأمريكيين؛ فالعلاقات القوية بين الصين وأوروبا كافية لكي تجعل تكرار الدعم الغربي لأوكرانيا مع تايوان مسألة غير مؤكدة.
وفي حين تتحدث الولايات المتحدة عن روسيا والصين باعتبارهما تهديدات متماثلة، عاد الرئيس الفرنسي من زيارته لبكين ليقول إن الاتحاد الأوروبي لن يصبح “مطية لأمريكا”، مشددا على ضرورة رفض الاتحاد للتورط في النزاعات بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان. كما تواصل الشركات الألمانية إقامة المشروعات المشتركة مع الصينيين بدون ضرورة اقتصادية. وأمام المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري في مطلع العام الحالي، قالت أورسولا فون دير لين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إن الاتحاد الأوروبي يريد “إزالة المخاطر” وليس “القطيعة” مع الصين، خاصة في ظل الاعتماد على الصين للحصول على 98 في المائة من إمدادات معادن الأرض النادرة التي تستخدم في كل الصناعات الحديثة من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وحتى صواريخ الفضاء.
وأفاد فيلاسميل بأنه سأل السفيرة الإيرلندية جيرالدين بيرني ناسون والسفيرة الإيطالية ماري أنيجلا زابيا والسفيرة الدنماركية كريستينا ماركوس لاسن سؤالين بسيطين هما: هل الصين هي أكبر تهديد لنا (أمريكيين وأوروبيين) على المدى الطويل، وهل تايوان دولة مستقلة؟
ردت السفيرة الإيرلندية بالقول: “علينا الحذر من دفع روسيا والصين إلى الزاوية”، وهو ما يختلف تماما عن منطق القلقين من التوسع الصيني في الولايات المتحدة، كما قالت إن التعاون مع الصين يستحق الاستمرار. وأضافت أن التهديدات الحقيقة هي “أزمة المناخ والخطر النووي”.
بالمثل، رفضت السفيرتان الإيطالية والدنماركية الإشارة إلى تايوان كدولة مستقلة. وقالت السفيرة الإيطالية إن “التعاون مع الصين مفيد لنا جميعا”، وأن “الصين مخالفة لنا في القيم التي تتبنى منهجا قمعيا في الحكم”؛ لكن الأوروبيين لا يعتبرون الصين خطرا حقيقيا عليهم، كما هو الحال بالنسبة لروسيا. لذلك، فإنهم يمكن أن يعتمدوا على المساعدة الأمريكية لمواجهة التهديد الروسي؛ لكن عندما يكون الخلاف في منطقة المحيطين الهندي والهادئ حيث المصالح الأمريكية التي تهددها السياسات الصينية، فإنهم يكتفون بدور المراقب.
وقال فيلاسميل إنه بالمنطق نفسه على واشنطن تحديد أولوياتها في الردع وفقا للمخاطر التي تواجهها وليست التي تواجه أوروبا. وإذا أرادت الولايات المتحدة ردع الصين، فستحتاج من شركائها الأوروبيين الإعلان بثقة كاملة بأن الصين لا يمكن أن تكون وسيط سلام في أوكرانيا وأن التوسع الصيني يمثل تهديدا لهم ولشركائهم.
وفي هذه الحالة، يمكن أن تقلص الولايات المتحدة إنفاقها أو تركيزها على أوكرانيا، أو يتخذ الأوروبيون مواقف أقوى ضد الصين. وكلا الخياران أفضل من الوضع الراهن.
أخيرا ولقطع الطريق على أي صراع مستقبلي، على الغرب كبح الجهود التوسعية للحزب الشيوعي الصيني. ولعمل ذلك فأمريكا لا تحتاج فقط إلى الأوروبيين؛ لكنها تحتاج إليهم في مواجهة الصين أكثر مما يحتاجونها في أوكرانيا. وهم يعرفون ذلك وعلى واشنطن دفعهم إلى التصرف وفقا لهذه الحقيقة.