هل يتجه المغرب نحو تصنيع “بطّاريات الليثيوم” في السنوات القليلة المقبلة؟
بما أنّ صناعة بطاريات الليثيوم أيون تشكل عرضاً مهماً بالنسبة لشحن السيارات الكهربائية التي يتجه نحوها العالم فإنّ هذه التكنولوجيات المتطورة تشهد تحديثا متواتراً، لتقديم عروض أجود وأكثر حفاظا على البيئة وأقل مساهمة في انبعاثات الغازات الدّفيئة، بشكل يساهم في حماية الكوكب أمام التطرف الذي تشهده التغيرات المناخية.
البطاريات المتكونة من فوسفاط الحديد والليثيوم، حسب منصة الطّاقة، تجعل المغرب من الدّول التي يمكن أن تكون رائدة إذا اتجهت نحو الاستفادة الناجعة من الاحتياطي المغربي من الفوسفاط، وتحويله نحو التصنيع، نظراً لكون هذه البطاريات من أكثر أنواع البطاريات أماناً.
بطاريات مغربية الصّنع؟
أمين بنونة، الخبير الطاقيّ، أكّد أنّ “المغرب يبدو متجها بالفعل نحو تصنيع بطاريات اللّيثيوم”، موضحا أنّ “المغرب بما أنه اتجه إلى تصنيع السيارات الكهربائية فهو مندمج في السيرورة الدولية في هذا الجانب، وهو ما يعززه توفره على احتياطي عالمي مهم من الفوسفاط، وبالتحديد الفوسفور، الذي يشكل عنصراً مهما في هذه البطّاريات”.
وتابع بنونة في تصريحه لجريدة هسبريس: “بما أنّ السيارات الكهربائيّة تحتاج للطّاقة فالوضعية الحالية تبين أنّها يتم شحنها بالشّبكة التي ينتج 70% منها من الفحم بالمغرب، بمعنى أنّها تساهم في الانبعاثات أكثر من السيارات التي تشتغل بالوقود”، مبرزاً أنّ “هذه البطاريات ستكون مفيدة لنا حتى لو كانت نسبة الفوسفور داخل بعض نماذج بطاريات الليثيوم ليست مرتفعة كثيرا”.
وأضاف الخبيرُ الطّاقي أنّ “المكتب الشريف للفوسفاط قرر أن ينشئ مصنعا في جنوب المغرب لإنتاج بطاريّات تتضمن الفوسفاط والليثيوم والكبريت”، مشيراً إلى أنّ “المعلومات بهذا الخصوص ليسَت متوفّرة بشكل كاف، لكن المغرب يتّجه في هذا الطريق ليكون إنتاج هذه البطاريات ساريّا عمليّا ابتداء من بداية العقد المقبل (2030)، وسيكون مشروعا بمثابة قيمة مضافة؛ بحيث عوض أن يصدر الفوسفاط لبلدان تصنع البطاريات سيستورد الليثيوم لتصنيعها محليّا”.
وهذا الأمر، وفق المتحدث عينه، “سيحتاجُ تكنولوجيات جد متطوّرة، علينا أن نتمكن منها بشكل ضروري ومؤكد، خصوصا أنّ بلدنا يتوفر على خبرات بشريّة مغربية مهمّة من شأنها أن تساهم في عملية التنزيل”، لافتا إلى كون المكتب الشّريف للفوسفاط “موّل مختبرا للكيمياء يبحث في مجال البطاريات بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ببنجرير، ويعول على المخرجات التي سيهتدي إليها لتوفير نموذج لبطاريات مغربية؛ ورغم ذلك فلو لم يوفر هذا المختبر نموذجا معينا فإنّ مكتب الفوسفاط سيشتري التكنولوجيات ويباشر التّصنيع”.
ضرورة المرحلة
مصطفى لبراق، الخبير في الشأن الطّاقيّ، قال إنّ “السّيارات التي تم تصنيعها محليا في الأسابيع الأخيرة شكلت خبراً رائعا بالنسبة للخبراء المغاربة والأجانب، لكن الأسئلة ظلت حول سبل شحنها والبنية التحتية التي تلائمها”، مسجلاً أنّ “المغرب مطالب بأن يتجه نحو تصنيع البطّاريات ذات الفعاليّة العالية والكلفة المنخفضة، التي من شأنها أن تُحافظ على درجة الشّحن لمدّة طويلة، اعتمادا على الثروات الطّاقية المتوفرة، بما فيها الفوسفاط”.
وأضاف لبراق، في حديثه إلى هسبريس، أنّ “المغرب سيكون عليه أن يُصنّع هذه البطّاريات، نظراً لما تتيحه من تخفيض للكلفة الطّاقية، ومن شأنها أن تكون بديلاً طاقيا عن الاستهلاك المُرتفع للسّيارات ذات المحرّكات الحراريّة”، موضحاً أنّ “توفّر الفوسفاط كمادة أساسيّة ضمن مكوّنات بطاريّات الليثيوم، خصوصا أن البطارية تشكل حوالي 40% من تكلفة السيارة، يجب أن يحفز هذا التّفكير بشكل إستراتيجي”.
وشدد المتحدث عينه على أن “هناك نماذج عديدة لبطاريات الليثيوم، لكن تلك التي تتضمّن اللّيثيوم والفوسفاط والكوبالت ضمن أجودها وأكثرها استعمالا”، وزاد: “يمكن للمغرب أن يستورد اللّيثيوم من الأرجنتين أو الشيلي”، مؤكدا أنّ “المغرب بعد اتجاهه إلى احتضان استثمارات في صناعة السّيارات أصبح يحتل مكانة إقليميّة مهمّة في مجال التّصنيع، لهذا فاتجاهه إلى صناعة السّيارات الكهربائيّة جد مهم، تماشيا مع توصيات أممية بالتوقف عن السّيارات ذات المحرّك الحراري”.
وفضّل الخبير الطاقيّ أنّ “تبدأ الاستثمارات في هذا الجانب قريباً، بالنّظر إلى السّرعة التي تتمتّع بها التكنولوجيا عادة”، وزاد: “على المغرب أن يفكر في استخراج المواد الأساسية من الفوسفاط والكوبالت بكلفة معقولة، وذلك حتى لا يكون لذلك انعكاس على كلفة السيارات في الأسواق”، خاتما بأن “هناك إمكانية لتصدير هذه البطاريات لاحقاً”، مع التأكيد على “وجود الطموح والإرادة السياسية المغربية، خصوصا أن هناك تجربة مهمة تمت مراكمتها في مجال صناعة السّيارات”.