التغير المناخي: ازدياد نسبة إزالة الغابات رغم الوعود والتعهدات السياسية
- مات ماكغراث ومارك بوينتج
- قسم المناخ والعلوم في بي بي سي
كشفت دراسة جديدة أن كوكب الأرض فقد العام الماضي، مساحة من الغابات الاستوائية البكر تعادل حجم سويسرا؛ في ظل استمرار أعمال إزالة الغابات.
وهذا يعني أن الوعود والتعهدات السياسية التي قدمها قادة العالم في مؤتمر المناخ “كوب26 “، والرامية لإنهاء أزمة إزالة الغابات، ما زالت بعيدة المنال.
وشهد عام 2022 وحده، فقدان ما يوازي مساحة 11 ملعب كرة قدم من الأشجار الاستوائية كل دقيقة، وتصدرت البرازيل قائمة الدول التي شهدت هذا الدمار الهائل.
لكن انخفاض نسبة تدمير الغابات في إندونيسيا، قد يعني أنه يمكننا تحقيق هدف “إيقاف وعكس مسار خسارة الغابات”.
شهد مؤتمر المناخ “كوب 26” عام 2021، إحدى اللحظات المهمة، عندما وقع قادة أكثر من 100دولة حول العالم على إعلان غلاسكو بشأن الغابات واستخدام الأراضي، والذي يلزم الدول بالتعاون والعمل الجماعي “لوقف فقدان الغابات وإعادة تأهيلها وتدهور الأراضي بحلول عام 2030”.
وشارك قادة من دول العالم، والتي تغطي حوالي 85% من مساحة غابات كوكب الأرض في إعلان غلاسكو، بمن فيهم الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو – الذي غض الطرف عن إزالة الغابات بشكل غير قانوني خلال فترة ولايته – إذ تعهد بتنمية غابات الأمازون المطيرة وإعادة تأهيلها.
اتفاقية غلاسكو بشأن الغابات ليست الأولى، ففي عام 2014 كان هناك اتفاق مماثل وهو إعلان نيويورك للغابات، الذي فشل في تحقيق هدف “إبطاء إزالة الغابات”.
وبحسب خلاصات جديدة نشرتها منصة “غلوبال فورست ووتش”، المتخصصة في مراقبة إزالة الغابات، فإن وعود وتعهدات غلاسكو لم يتم الوفاء بها.
ويُعد فقدان الغابات الاستوائية الأولية (ذات الأشجار المعمرة) أمرا بالغ الأهمية، خاصة بشأن مشكلة الاحترار العالمي وكذلك التنوع البيولوجي على كوكبنا.
تمتص الغابات المطيرة في كل من البرازيل، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإندونيسيا كميات هائلة من غازات الاحتباس الحراري.
وبالتالي فإن إزالة أو حرق هذه الغابات القديمة، تعني أن نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سترتفع، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم.
ليس هذا وحسب، فهذه الغابات ضرورية أيضا للحفاظ على التنوع البيولوجي، وأسباب العيش للملايين من الناس.
يحذر العلماء من أن هذه الوظائف – أو خدمات النظام البيئي التي تقدمها الغابات لكوكبنا – لا يمكن تعويضها أو استبدالها بسهولة عن طريق زراعة المزيد من الأشجار في أماكن آخرى، فهذه الغابات تطورت ونمت على مدى فترة طويلة من الزمن.
وفقا لبيانات جديدة نشرتها جامعة ماريلاند، فإن حجم الغابات الأولية المطيرة المدمرة عام 2022 ازداد بنسبة 10% مقارنة بعام 2021، كما شهد عام 2022 تدمير (قطع أو حرق) ما يزيد قليلا عن 4 مليون هكتار (نحو 16000 ميل مربع) من الغابات الأولية الاستوائية.
وأدى هذا الدمار إلى إطلاق كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون تعادل انبعاثات الوقود الأحفوري السنوية في الهند.
قال رود تايلور من معهد الموارد العالمية – والذي يدير مشروع غلوبال فورست ووتش: “السؤال الأهم، هل نحن على الطريق الصحيح لوقف قطع وإزالة الغابات بحلول عام 2030؟ الإجابة باختصار هي لا”.
وأضاف تايلور:” تظهر أرقامنا لعام 2022، أن إزالة الغابات حول العالم كانت أعلى بمقدار مليون هكتار، عن المستوى المطلوب للوصول إلى نسبة 0% بحلول عام 2030″.
وتتصدر البرازيل قائمة الدول الإكثر إزالة للغابات الأولية الاستوائية، ففي عام 2022 زادت نسبة خسائر الأشجار بأكثر من 14%.
في ولاية أمازوناس، والتي تضم أكثر من نصف الغابات البكر في البرازيل، تضاعف معدل إزالة الغابات تقريبا خلال السنوات الثلاث الماضية.
مخالفة الاتجاه العام
في حين أن الصورة العامة ليست جيدة، فإن هناك بعض التطورات الإيجابية، التي تشير إلى إمكانية كبح جماح إزالة الغابات.
فقد استطاعت إندونيسيا – أكثر من أي دولة أخرى – في السنوات الأخيرة أن تحقق تراجعا ملموسا في معدل إزالة الغابات الأولية الاستوائية، بعدما سجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق عام 2016.
وتشير التحليلات، إلى أن هذا الإنجاز يرجع إلى الإجراءات الحكومية، إضافة إلى التزام الشركات.
وفي عام 2019، فرضت الحكومة الإندونيسية قيودا دائمة، تمنع منح تراخيص إزالة الغابات في مزارع زيت النخيل، كما تم تكثيف الجهود لرصد الحرائق والحد منها.
وتسير ماليزيا على نفس خطى إندونيسيا، ويبدو أن شركات إنتاج زيت النخيل بدأت تتخد إجراءات أيضا للحد من إزالة الغابات، حيث تعمل الآن حوالي 83% من طاقة تكرير زيت النخيل من دون إزالة الغابات أو استخدام الأراضي الخثية (تُعد أحواض تخزين كربون ذات قيمة عالية، ولكنها تتعرض للاستنزاف بسبب استخدامات المحاصيل والرعي والغابات).
وشهدت بوليفيا، وهي واحدة من الدول القليلة التي لم توقع على إعلان غلاسكو، تسارعا مطردا في معدل إزالة الغابات عام 2022، والذي زاد بمقدار الثلث تقريبا مقارنة بعام 2021.
ووفقا للباحثين، فإن الزراعة السلعية هي الدافع الرئيسي لهذه الزيادة. فقد أدى التوسع في زراعة فول الصويا إلى إزالة ما يقرب من مليون هكتار من الغابات في بوليفيا منذ مطلع القرن.
على الرغم من أن غانا الواقعة غرب إفريقيا، لا تحتضن سوى مساحة صغيرة من الغابات الأولية المتبقية، إلا أنها شهدت زيادة هائلة في معدلات إزالة الغابات وصلت إلى 71% عام 2022، ومعظم تلك الخسائر كانت في المناطق المحمية، والبعض الآخر كان قريبا من مزارع الكاكاو.
ومع تعهد الرئيس البرازيلي الجديد لولا دا سيلفا، بإنهاء تدمير منطقة الأمازون البرازيلية بحلول عام 2030، فإن ثمة بصيص أمل في أن تجعل الوعود التي قُطعت في غلاسكو عام 2021، السنوات المقبلة أفضل حالا.
لكن إذا أرادت دول العالم متابعة الجهود للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأقلّ من 1.5 درجة مئوية، فعليهم معرفة أن الوقت اللازم لإنهاء أزمة إزالة الغابات هو بالفعل قصير جدا، كما يقول الباحثون.
قال رود تايلور من معهد الموارد العالمية :”هناك حاجة ملحة للوصول إلى ذروة التراجع في إزالة الغابات، وهو أمر أكثر إلحاحا من الوصول إلى ذروة التراجع في الانبعاثات الكربونية؛ فبمجرد أن نفقد الغابات، سيكون من الصعب جدا استعادتها”.
كيف يتم قياس معدل إزالة الغابات؟
يمكن مراقبة نسبة فقدان الغطاء الشجري بسهولة نوعا ما؛ عن طريق تحليل صور الأقمار الاصطناعية – على الرغم من أنه في بعض الأحيان، قد لا نكون متأكدين من السنة التي فقدت فيها تلك الأشجار.
يعد قياس معدل إزالة الغابات – الذي يحدث من صنع الإنسان – أكثر تعقيدا.
على سبيل المثال، الخسائر الناجمة عن الحرائق أو الأمراض أو العواصف، فضلا عن الخسائر داخل الغابات التي تخضع للإدارة المستدامة، لا تُعتبر عادة إزالة للغابات. كما أن هناك صعوبات في هذا الشأن – فعلى سبيل المثال، قد تكون بعض الحرائق قد اندلعت عمدا لإزالة غابة، بدلا من أن تكون من فعل الطبيعة.
ويحاول العلماء أخذ كل هذه العوامل بعين الاعتبار، من أجل التوصل إلى تقديرات منطقية وموثوقة بشأن معدلات الإزالة.
تشير أحدث الأرقام إلى ارتفاع ملموس في نسب إزالة الغابات حول العالم (بفعل الإنسان) وبزيادة تصل إلى 3.6% عام،2022 مقارنة بعام 2021 – وهذا يعني السير بالاتجاه المعاكس لما تم التعهد به في غلاسكو عام 2021.
ومن اللافت للنظر، أنه مع ارتفاع الخسائر في الغابات الأولية الاستوائية – ذات الأهمية الخاصة – بنسبة 10% تقريبا في عام 2022، فقد انخفضت الخسارة الإجمالية للغطاء الشجري حول العالم، الناتجة من جميع الأسباب، بنسبة 10% تقريبا.
لكنّ الباحثين يقولون إن هذا الانخفاض في نسبة خسارة الغطاء الشجري، يعود إلى انخفاض الخسائر الناجمة عن حرائق الغابات في عام 2022، خاصة في روسيا. ولا يعتقد الباحثون أن هذا التراجع سيستمر على المدى الطويل.
في الواقع، إن نسبة الغطاء الشجري التي خسرها كوكبنا بفعل الحرائق، زادت خلال العقدين الماضيين، ومن المتوقع أن تصبح الحرائق أكثر شيوعا في المستقبل؛ بسبب تغير المناخ، وتغير طريقة استخدامنا للأرض.