أخبار العالم

إصدار جديد يدعو إلى “تبيِئَة مفاهيم التنمية”



قال كتاب جديد إن أمام دول الجنوب، ومن بينها المغرب، “مسؤولية تاريخية” لـ”مراجعة مفاهيم التنمية المعتمدة إلى حدود الساعة لأنها لا تتناسب مع واقعها؛ بدليل أن كل السياسات والبرامج والخطط التنموية التي تم تطبيقها في هذه الدول بإيعاز من المنظمات المالية الدولية والبنوك الخاصة كانت محدودة النتائج اقتصاديا ومؤلمة اجتماعيا”.

وينخرط كتاب بعنوان “من أجل تبييء مفهوم التنمية” للإعلامي أحمد بلمختار مَنيرة في “حوار مجتمعي منشود يصبو إلى مراجعة مفهوم، أو مفاهيم التنمية، التي تم اعتمادها من لدن الحكومات المتعاقبة في كل دولة من دول الجنوب منذ بداية استقلالها”؛ لأنه دون هذا الحوار لا يمكن الإجابة عن “أحد الأسئلة المركزية التي تحدد حاضرنا ومستقبلنا، وهو: أي مفهوم للتنمية يجب اعتماده من لدن دول الجنوب؟”.

ومن أسس هذا الجواب حتى يكون سليما، وفق الكتاب، تبيئة مفاهيم التنمية المعتمدة؛ أي “أن تتناسب هذه المفاهيم مع بيئتها ومحيطها وإمكاناتها الطبيعية والاقتصادية والبشرية، وأن تكون نابعة من ترابها ومن صنع كفاءاتها العلمية متعددة المشارب الفكرية، لتحقيق التنمية المتوازنة المنشودة والاندماج الاقتصادي بين دولها ونسج شراكات اقتصادية حقيقية مع دول الشمال بناء على قاعدة رابح – رابح”.

وتابع: “لا يعني التعاون “جنوب – جنوب” انغلاق هذه الدول الجنوبية على أنفسها أي عدم التعاون الاقتصادي مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ومع الصين وغيرها”، بل يعني “التعامل مع كل هؤلاء مع موقع القوة التفاوضية التي تصنعها التكتلات الاقتصادية الواسعة، والاتحادات القوية اقتصاديا وسياسيا، والبحث العلمي التكاملي من خلال الشراكات الحقيقية بين الجامعات ومراكز البحث التابعة لدول الجنوب”.

لكن هذا المراد بعيد التحقق دون الإجابة عن “الأسئلة القديمة / الجديدة”، من قبيل: “ما التنمية؟ ولماذا فشلت دول الجنوب في تحقيقها حتى الآن؟ وكيف لها أن تخرج من الدائرة المغلقة لتخلفها؟”.

ومع تسطيره على شرط “الإرادة السياسية” لبلدان الجنوب، ذكر الباحث أن الإجابات العلمية تحتاج أيضا “تضافر جهود الدول النامية مجتمعة، وجهود كل الأوساط العلمية في هذه الدول، ومن خلال الشراكات بين الجامعات ومراكز البحث العلمي الموجودة في هذه الدول، وجهود الأحزاب السياسية والبرلمانات، والمجتمعات المدنية”.

وحول سبب الحاجة إلى كل هؤلاء الفاعلين بعد توفر شرط الإرادة السياسية، أجاب الكتاب: “التخلف ظاهرة معقدة ومركبة، تتحدى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتطال العقليات والثقافات وسلوكات الأفراد والجماعات في كل مجتمع متخلف. ولأن التخلف نتيجة حتمية لعوامل داخلية وخارجية”.

ومن بين ما ينبه إليه الكتاب اللّبس المنتشر حول تعريف التنمية، الذي يقود إلى “الخلط”: “مفهوم التنمية الاقتصادية أوسع وأشمل وأعمق من مفهوم النمو الاقتصادي، حيث إنها تعني إحداث تغييرات هيكلية في المؤسسات والذهنيات والعقليات الإدارية والسلوكات اليومية لدى الأفراد والجماعات؛ وهو مفهوم لا يختلف كثيرا عن مفهوم التنمية الذي وصل إليه اليوم الفكر التنموي، والذي يقول: إن التنمية مفهوم معقد تتشابك فيه جوانب وعلاقات متعددة، وهي تتضمن إحداث تغيّرات جذرية في الهياكل المؤسسية والاجتماعية والإدارية وحتى على مستوى العادات والتقاليد”.

وبالتالي: “تحقيق النمو الاقتصادي لا يعني بالضرورة تحقيق التنمية الاقتصادية”، في بلد من البلدان، وهذا النوع من التنمية هو “الجانب المادي من عملية واسعة وشاملة ومتعددة الأبعاد، هي: التنمية”.

أما “البعد الاجتماعي للتنمية” فيهتم بالعنصر الإنساني؛ أي “إعداد الفرد (…) من حيث تعليمه، وتدريبه، وإكسابه المهارات والخبرات المتعددة الأوجه، فضلا عن تحديد المستهدف من القيم المجتمعية الجديدة سعيا وراء تمكين الفرد والجماعة المفترض إعدادهم لذلك، حتى يصبحوا عناصر معضدة ومشجعة لبرامج التنمية على كل المستويات الوطنية والجهوية والمحلية”.

إلى جانب هذين البعدين، يبرز البعد السياسي للتنمية، وهو: “المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، والعدالة الاجتماعية، والشراكة الحقيقية الملموسة بين الدولة والمؤسسات الممثلة لها والممثلة للمواطنين في نسج السياسات العمومية وفي تتبع إنجازات البرامج والمخططات التنموية وفي مراقبة صرف المال العام… والقضاء على الفساد الإداري والمالي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطوير الإنسان ذهنيا وثقافيا واجتماعيا من خلال التربية والتعليم، والتربية على حقوق الإنسان”.

وجدد الكتاب، في عدد من محطاته، التنبيه إلى المغبّة السّيّئة لـ”نقل التعريفات الأوروبية لمفهوم التنمية، دون انتقادها على أساس أن قبول المفهوم يعني الموافقة على مضمونه ومحتواه”، في سبيل الخروج من “اجترار التخلف” الذي كان “العنوان البارز لمرحلة ما بعد الاستقلال، إلى الآن بالنسبة لجل دول الجنوب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى