مخيم جنين: إلى أين تتجه التطورات في الضفة الغربية المحتلة؟
قصفت مروحية عسكرية مسيّرة مساء الأربعاء، مركبة مجموعة مسلحة فلسطينية شمالي مدينة جنين، في حادثة لم تشهد الضفة الغربية المحتلة مثيلا لها منذ عام 2006.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان مشترك مع جهاز المخابرات العامة “الشاباك” إن طائرته المسيرة “استهدفت خلية مسلحة بعد إطلاقها النيران تجاه حاجز الجلمة العسكري، وكانت ذات الخلية المسلحة قد نفذت مؤخرا عددا أخر من عمليات إطلاق النار … كانت عملية جراحية دقيقة، لإحباط الإرهاب”.
وعم الحداد مدينة جنين على أرواح الفلسطينيين الثلاثة وهم: صهيب الغول ومحمد عويص وأشرف السعدي، من كوادر كتيبة جنين المسلحة والتابعة لسرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
- Author, إيمان عريقات
- Role, بي بي سي – رام الله
تحدثت مع القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في مخيم جنين للاجئين، ماهر الأخرس، وقال لي: “هذا القصف يؤكد أن المقاومة الفلسطينية أصبحت تؤلم الاحتلال، لذلك هو يلجأ إلى أقصى قوته لضرب المقاومة الفلسطينية الشرعية لطالما استمرت إجراءات الاحتلال بحقنا، خاصة بعد آخر كمين نفذته كتيبة جنين وأعطبت عددا من الآليات الإسرائيلية وأصابت عددا من الجنود، في رسالة فلسطينية واضحة عن تطوير قدرات المقاومة وفشل العمليات العسكرية عن ردعها”.
ونددت المجموعات المسلحة والفصائل الفلسطينية في مخيم جنين بما وصفته بأنها “سياسة الاغتيالات الجوية الإسرائيلية”، مؤكدة أن استمرار هذه السياسة يوسع المواجهة الميدانية وينقلها إلى مستويات أعنف مستقبلا.
“لا حاجة لعملية واسعة”
رأى الصحفي الإسرائيلي المختص بالشأن العسكري، إيال عليمة، في عملية الاستهداف الجوي الإسرائيلي الأخيرة رسالة من المستوى العسكري في الجيش، لوزراء اليمين في الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو، في ظل تأييدهم لشن عملية عسكرية واسعة.
وقال عليمة لبي بي سي: “الجيش الإسرائيلي فضل استخدام الطائرة المسيّرة في اغتيال الخلية المسلحة ليقول إنه طور من قدراته الاستخباراتية والعسكرية في مراقبة الخلايا واتخاذ القرارات والاستهداف في ساعة الصفر”.
وأضاف: “لا أعتقد أن يتم اعتماد القصف الجوي للاغتيالات مستقبلا، ولا توجد حاجة لشن الجيش الإسرائيلي عملية كبيرة في الضفة الغربية في ظل إحكام قبضته عليها بشكل كامل، العمليات العسكرية المحدودة ستستمر بشكل يومي”.
وكان مخيم جنين للاجئين قد شهد في شهر أغسطس/آب من عام 2006 استهداف فلسطينيين ينتميان لسرايا القدس، الذراع المسلح للجهاد الإسلامي، بقصف صاروخي نفذته الطائرات العسكرية الإسرائيلية.
تفجير منزل في نابلس
تجدد مشهد التفجير فجر الخميس، مع قيام الجيش الإسرائيلي بتفجير منزل عائلة السجين الفلسطيني كمال جوري في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، وهو “من أبرز قادة مجموعة عرين الأسود المسلحة الفلسطينية“، واعتقله الجيش الإسرائيلي في فبراير/شباط الماضي، إذ تتهمه السلطات الإسرائيلية بقتل جندي إسرائيلي “عيدو باروخ” على حاجز عسكري في عملية نُفذت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأمر الجيش الإسرائيلي العائلات الفلسطينية بإخلاء المبنى السكني فجرا، قبل تفجير منزل عائلة جوري، في الطابق الثاني من العمارة السكنية.
واندلعت مواجهات بين قوات الجيش والفلسطينيين الغاضبين أسفرت عن إصابة 170 فلسطينيا، معظمهم أصيبوا بالاختناق جراء استخدام الجيش للغاز المسيل للدموع ، بحسب تأكيد الهلال الأحمر الفلسطيني .
ويقول الجيش الإسرائيلي إن قواته تعرضت لإطلاق الرصاص والعبوات الناسفة خلال عملها في مدينة نابلس، ما أضر بمركبة عسكرية دون تسجيل إصابات بين الجنود.
وتعتبر القيادات الفلسطينية الهدم الإسرائيلي للمنازل إجراءً “عقابياً جماعياً” يزيد من حدة الغضب في الشارع الفلسطيني.
“الحرائق في كل مكان”
استأنفت مجموعات من المستوطنين خلال اليومين الماضيين اعتداءاتها في عدد كبير من القرى الفلسطينية، ونفذت نحو 314 اعتداء، بحسب توثيق المسؤول الفلسطيني عن ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية المحتلة.
تركزت اعتداءات المستوطنين يوم الأربعاء في بلدة ترمسعيا شمالي مدينة رام الله، والتي قتل فيها فلسطيني وأصيب العشرات خلال إضرام النيران في عدد من المنازل وعشرات المركبات لأهاليها في وضح النهار.
وروى لي المحامي الفلسطيني، أسامة عبد العزيز، وهو يحمل الجنسية الامريكية، ويزور بلدته ترمسعيا مع عائلته لأول مرة منذ 14 عاما، تفاصيل “ساعة من الرعب” عاشها وعائلته بعد تعرض سيارته للحرق بشكل كامل وأجزاء من منزله خلال اعتداء المستوطنين على بلدته.
وقال الفلسطيني أسامة: “أصوات الرصاص من المستوطنين والجيش الإسرائيلي لم تتوقف بعد أن حاولت الاحتماء مع زوجتي وطفلتي، ٤ سنوات، وأقارب كانوا في منزلنا، توجهنا لقبو المنزل، ولم نتمكن من فتح أبوابه فهربنا من النافذة فردا تلو الآخر لننجو بأرواحنا من الحرائق والرصاص الذي كان كثيفا ومن كل الاتجاهات”.
وأضاف: “صُدمت عندما شاهدت الحرائق في كل مكان، وأعمدة اللهب تتصاعد من مركبتي بعد إلقاء المستوطنين عبوة ناسفة (مولوتوف) عليها وأُحرقت بالكامل، بينما تمكنت طواقم اللجان الشعبية من إخماد النيران في شرفة منزلنا والذي تكسرت نوافذه بالكامل”.
سألت أسامة حول مطالبه بعد تجربته هذه فأجاب: “كوني مواطنا أمريكيا فأنا أعلم أن هناك جزءا من الضريبة التي أدفعها لدولتي (أمريكا) تذهب لدعم إسرائيل، أطالب دولتي -الولايات المتحدة – بوقف تسليحها لإسرائيل، لأن الجيش بالأمس كان يحمي المستوطنين فقط “.
وأدان الجيش الإسرائيلي حوادث العنف الخطيرة وتدمير الممتلكات، وقال في بيان له: ” تدخلت قواتنا بعد رصدها لإضرام إسرائيليين النيران في ممتلكات فلسطينية في بلدة ترمسعيا، وعملت القوات الإسرائيلية على إخماد النيران ومنع الاحتكاك وجمع الأدلة لاستيفاء تحقيق فتحته الشرطة الإسرائيلية بالحادثة”.
وحمل رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، مسؤولية ما وصفها بجرائم ميلشيات المستوطنين ضد الفلسطينيين واراضيهم للحكومة الإسرائيلية، وقال خلال جولة تفقدية أجراها الأربعاء في بلدة ترمسعيا: “ما تشهده الضفة الغربية هو حرب إسرائيلية شاملة ضد كل الفلسطينيين ولضم الضفة الغربية كافة”.