آخر خبر

الهند والولايات المتحدة: كيف استطاع ناريندرا مودي توثيق علاقات بلاده بواشنطن دون المساس باستقلالية قرارها؟


  • فيكاس باندي
  • بي بي سي نيوز – دلهي

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

الرئيسان الأمريكي والهندي في أثناء غداء عمل بالبيت الأبيض يوم الخميس

وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن العلاقات بين بلاده والهند بأنها بين “الأكثر أهمية وتأثيرا” في العالم.

جاء ذلك بعد زيارة رسمية حافلة قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي إلى واشنطن.

وفي نهاية زيارة مودي للبيت الأبيض، قال الرئيس بايدن إن العلاقات التي تربط الولايات المتحدة بالهند -الدولة الأكثر سُكانا في العالم- “أقوى وأوثق وأكثر فعالية من أي وقت في التاريخ”.

وقد لا تكون تعليقات بايدن من قبيل المبالغة. ويقول مايكل كوغلمان، الباحث لدى مركز وودرو ولسون، إن “هذه القمة تشير إلى أن العلاقات شهدت تحولا كبيرا وعميقا وفي وقت قصير نسبيا”.

وثمة سبب رئيسي وراء ذلك يتمثل في حرص واشنطن على توثيق علاقاتها بالهند بحيث يتسنّى للأخيرة القيام بدور يوازن النفوذ المتنامي للصين في منطقة المحيط الهادئ-الهندي.

ولم تصل العلاقات الهندية-الأمريكية إلى ذلك الحدّ الذي كان يُطمح إليه بعد إبرام الدولتين صفقة نووية كبيرة في عام 2005، وكان السبب في ذلك هو تمرير قانون في الهند بعد ثلاث سنوات أعاق عملية شراء المفاعلات.

وترى مؤلفة كتاب “أصدقاء ومنافع: قصة الهند والولايات المتحدة” سيما سيروهي أن هذا التقارب “يأتي في أعقاب تراجع في الالتزامات تجاه العلاقة إبان الفترة الثانية لرئيس وزراء الهند السابق مانموهان سينغ. ولكن في ظل ناريندرا مودي، ثمة مزيدا من الرغبة الهندية في توثيق العلاقة بالولايات المتحدة، وهو ما يلقى قبولا عاما من جانب إدارة الرئيس بايدن”.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

ناريندرا مودي في أثناء اجتماع مشترك للكونغرس بالكابيتول الأمريكي يوم الخميس

وتقول سيروهي إن الولايات المتحدة بذلت “جهدا كبيرا حتى تنجح زيارة رئيس الوزراء الهندي وتثمر”. وعلى رأس ثمار تلك الزيارة يأتي التعاون الصناعي والدفاعي والتكنولوجي.

وتضيف سيروهي: “الأنظار كلها تتطلع إلى المستقبل، والجانبان يتحدثان عن التقنية الحديثة وعن كيفية رسم ملامح ذلك المستقبل”.

ومنذ أن شرعت الولايات المتحدة في التودد إلى الهند، شهدت العلاقة بين البلدين تقلبات عديدة – كانت الأولى في ظل الرئيس بيل كلينتون، ثم في ظل إدارة الرئيس جورج بوش. وكان الموقف الهندي دائما محسوبا لا مبالغة فيه.

وكان السبب في ذلك هو الطريقة التي تنظر بها الهند إلى الجغرافيا السياسية وإلى مكانها في النظام العالمي. ولطالما تجذّرت استراتيجية عدم الانحياز، التي بدأها رئيس وزراء الهند الأول جواهر لال نهرو، في السياسة الخارجية للبلاد.

ولم ترغب الهند يوما أن تُحسب على معسكر بعينه دون الآخر، ولا أن تُرى في موضع التابع لقوة دولية عظمى. ولم يتخلى ناريندا مودي عن مثاليات في السياسة الخارجية الهندية يصفها البعض بالـ “إيثار الاستراتيجي”.

لكن الهند التي يقودها الآن رئيس الوزراء ناريندرا مودي مختلفة؛ إذ تنعم بثقل اقتصادي وجيوسياسي أكبر من ذي قبل. وقد وضع مودي ملفّ العلاقات الهندية-الأمريكية نصب عينيه، وعكف على توثيق الروابط بين البلدين بدايةً مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ثم في عهد دونالد ترامب قبل الرئيس الحالي بايدن.

ولم يأتِ ذلك على حساب استقلالية القرار الهندي؛ ولقد أرادت واشنطن أن تتخذ الهند المزيد من الخطوات حيال روسيا، وربما أن تتخذ موقفا أكثر تشددا حيال الصين.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

الرئيس بايدن وقرينته اصطحبا ناريندا مودي إلى البيت الأبيض

ومع ذلك لم تُبدي إدارة بايدن إحباطا من تأكيد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي موقفه من أن “هذا ليس زمن الحرب” دون الإشارة إلى روسيا.

كما لم يتحدث مودي عن أهمية تعزيز المساعدات الإنسانية لأوكرانيا. ولم يأت ذِكر اسم الصين كذلك على لسان رئيس الوزراء الهندي، لكنه تحدث عن أهمية الحرية والرخاء في منطقة المحيط الهادئ-الهندي.

وعلى هذا النهج السياسي استطاع رئيس الوزراء الهندي أن يقود بلاده دونما مساومة على استقلالية قرارها.

ولم يكن هذا النهج من جانب ناريندرا مودي مثاليا بالنسبة لواشنطن، لكنه لم يحُل دون نجاح زيارته.

يقول كوغلمان، الباحث لدى مركز وودرو ولسون: “الجيشان [الأمريكي والهندي] يتعاونان بشكل أكبر. وثمة الآن تفاهمات يمكن بموجبها لكل جانب أن يستخدم إمكانات الجانب الآخر في أغراض مثل الصيانة والتزوّد بالوقود. كما أنهما يقيمان تدريبات مشتركة ويتناقلان المزيد من المعلومات الاستخباراتية”.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

طيارون أمريكيون وهنود في صورة أمام مقاتلة أمريكية في أثناء تدريبات مشتركة جرت في الهند في أبريل/نيسان

ويضيف كوغلمان بأن “الفضل يعود إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي في القدرة على اختبار حدود الاستقلالية الاستراتيجية للقرار؛ بمعنى توثيق العلاقة قَدر المستطاع مع دولة عظمى من دون التوقيع على تحالف شامل”.

وشهدت السنوات الأخيرة اختلافات تجارية كبيرة بين الولايات المتحدة والهند على صعيد التعريفات الجمركية. وعانت العلاقات التجارية بين البلدين، لا سيما في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب.

ولم يكن متوقَعاً أن يعلن أيّ من الطرفين عن أي شيء كبير على صعيد التجارة؛ في ظل تفهُّم الجانبين أن النقاشات في هذا الصدد يمكن أن تتواصل فيما بعد من دون أن يُلقي ذلك بظلاله على الزيارة.

لكن المفاجأة أن الطرفين أعلنا أنّ ستةً من الخلافات التجارية المنفصلة في منظمة التجارة العالمية قد تمّ حلّها، بما في ذلك خلاف يتعلق بالتعريفات التجارية.

وتعدّ الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للهند في الوقت الراهن بـ 130 مليار دولار في صورة بضائع، فيما تعدّ دلهي ثامن شريك تجاري لواشنطن.

وعلى الرغم من ضخامة تلك الأرقام، يرى محللون وصانعو سياسات أن ثمة إمكانات هائلة لم تُستغلّ بعد.

وتعدّ الهند سوقا مزدهرة مع تنامي الطبقة المتوسطة في البلاد. وتضع الهند نفسها في وضع البديل للصين كمركز تصنيع عالمي.

وتنظر شركات عالمية كثيرة إلى ذلك بشكل إيجابي؛ إذ تتطلع إلى تحرير سلاسل الإمداد العالمية من هيمنة الصين.

وفي هذا السياق، يرى البعض أن التوصل إلى حلّ للخلافات التجارية [ضمن منظمة التجارة العالمية] سيعطي حافزا إضافيا لفتح المجال على اتساعه أمام العلاقات التجارية بين الهند والولايات المتحدة.

وفي ذلك، قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي: “ولا حتى السماء تمثل حدودا للعلاقات بين الهند والولايات المتحدة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى