أخبار العالم

الراحل محمد الحبابي.. قيدوم السياسة والاقتصاد ورفيق درب “بوعبيد” في النضال



علم سياسي من بناة الاقتصاد المغربي عقب الاستقلال، وقيادي تاريخي اتحادي مسهمٌ في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعضو بعد ذلك في المكتب السياسي لاستمراريته “الاتحاد الاشتراكي”، وأستاذ جامعي ومؤطرٌ حزبي رافقت ذكر عطائه صفة الالتزام، كانَه الراحل محمد الحبابي.

الحبابي، الذي سبق أن أقصاه تزوير الانتخابات من الوصول إلى البرلمان، قادهُ موقفٌ لقيادة الحزب إلى السجن، إلى جانب عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي، بعد رفض قرار الملك الحسن الثاني قبول الاستفتاء على الصحراء؛ لأنها “أرض مغربية، ويجب استرجاعها بدون استفتاء، كما تم استرجاع الأراضي الأخرى في الشمال والتي كانت تحت النفوذ الفرنسي والإسباني”.

وفي إحدى خرجاته القليلة في سنوات تسعينه، انتقد سنة 2014، وفق ما نقله عنه الصحافي عبد الرحيم التوراني، “المتاجرة في الإرث النضالي للاتحاد”. وصارع النسيان، قبل أن يغادر، الأسبوع الجاري من شهر يونيو، للمرة الأخيرة منزله بشارع تسمى باسم رمز للاتحاد عرفه، ودافع عن ذكراه؛ المهدي بنبركة.

معلمة تقدمية أساسية

قال محمد اليازغي، الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي، إن محمدا الحبابي الذي جمعته به “صداقة كبيرة”: “شخصية بارزة، ورجلُ الاقتصاد والسياسة”.

وأضاف القيادي الاتحادي التاريخي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “لقد كافح طول حياته من أجل الحريات والحقوق والديمقراطية، وهو شخصية شكلت معلمة أساسية للحركة التقدمية واليسارية المغربية، ورحيله خسارة كبرى للمغرب والمغاربة”.

واستحضر اليازغي المكانة الكبيرة التي كانت للحبابي علميا بالمؤلفات التي ألفها، ودروس الاقتصاد والمالية التي ألقاها في كلية الحقوق. كما استحضر مكانته السياسية؛ فقد “كانت له دائما مواقف جريئة شجاعة على المستوى الداخلي وفي علاقة الحركة التقدمية مع الحكم، وفي التضامن دوليا مع الشعوب المكافحة ضد الاستعمار، وهي مواقف أثرت تأثيرا كبيرا في قيادة الاتحاد”.

وحول السجن الذي جمعه مع الحبابي وبوعبيد، قال المتحدث: “كنا ثلاثة، وكان رجلا ذا معنويات مرتفعة، وجعلنا جميعا نتحمل السجن بصبر وأناة. لقد كان شعلة من الذكاء وصبورا أثناء المحنة”.

في سبيل بناء الاقتصاد المغربي

إسماعيل العلوي، قيادي تاريخي لحزب التقدم والاشتراكية، تذكر محمدا الحبابي بقول: “هو رجل ودود طيب، كان أستاذي بكلية الحقوق، قبل عقود كثيرة، وترك كتبا مهمة جدا تدرس المغرب وشبابه، وتقدم دراسات مستقبلية عن مواضيع؛ من بينها الديمغرافية”.

وتابع في تصريحه لـ هسبريس: “هو مناضل اتحادي منذ بداية الاستقلال، ساهم في بناء اقتصاد البلاد مع عبد الرحيم بوعبيد منذ فجر ذلك العهد”.

بدوره، قال النقيب محمد الصديقي، العضو السابق بالمجلس الدستوري والقيادي الاتحادي، إن “الفقيد محمدا الحبابي كان من أوائل المثقفين المغاربة الكبار الذين جمعهم حوله الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، وخاض إلى جانبه مختلف المعارك الكبرى التي خاضتها الحركة الاتحادية من أجل بناء المغرب الديمقراطي الحداثي”.

وواصل في تصريحه لجريدة هسبريس: “كان الحبابي إلى جانب بوعبيد في وزارة الاقتصاد والمالية في حكومة عبد الله إبراهيم التي شيدت أسس تحرير الاقتصاد المغربي من الهيمنة الاستعمارية، وقامت ببناء العديد من المنشآت الاقتصادية الوطنية لبناء المغرب الجديد، وبقي الى جانبه كذلك وهو يقود المعارضة الاتحادية لبناء المغرب، وفي مختلف النضالات والمعارك من أجل بناء المغرب الديمقراطي الحداثي، في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وبقي مخلصا للفكر الاتحادي حتى المراحل الأخيرة من حياته”.

كما استحضر الشاهد الإسهامات الجليلة للراحل “في مجال التأليف ونشر الفكر التقدمي، وعلى مستوى التعليم الجامعي في جامعة محمد الخامس على الخصوص، وباقي مؤسسات التعليم العالي بالبلاد”.

قيدوم للاقتصاديين أدى ضريبة الموقف

محمد الساسي، القيادي في “فيدرالية اليسار الديمقراطي” والكاتب العام لـ”الشبيبة الاتحادية” سابقا، تحدث، من جهته، عن الحبابي بوصفه: “قيدوم الاقتصاديين المغاربة، الذي درس في كلية الحقوق بشعبة العلوم الاقتصادية”، قائلا: “كان هناك إقبال شديد على دروسه ومحاضراته نظرا لقدراته البيداغوجية”.

وزاد في تصريح لـ هسبريس: “كان من مؤسسي “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، وأثناء وجود حكومة عبد الله إبراهيم كان مديرا لديوان عبد الرحيم بوعبيد، نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد. واستطاع آنذاك إدخال عدد من أفكاره حيز التطبيق، من خلال برنامج اقتصادي وضع الأسس الأولى لقطاع عام مغربي فاعل ومنتج وحديث وبناء، ووضع أسس اقتصاد مستقل ومتحرر”، يريد “قطع صلات التبعية تجاه اقتصاد المستعمر وهيمنته””.

ثم استرسل قائلا: “في الوقت نفسه ساهم محمد الحبابي في تجذير بنية التنظيم الحزبي، وعقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي، الذي كان مناسبة جدية للانتقال من اللاوضوح إلى الوضوح الإيديولوجي والسياسي، وساهم في وضع “استراتيجية النضال الديمقراطي”، وحظي بثقة رفاقه في الحزب الذين بوؤوه عضوية المكتب السياسي إلى جانب عبد الرحيم بوعبيد”.

وتابع: “لقد حضر الأحداث الحزبية الأساسية ونضالات الحزب، وفي مذكراته أبان عن تواصله مع مختلف رموز الحزب الذين كانوا ماثلين أحيانا في مواجهات”، وكان “مستقلا في رأيه يوجه النقد بصراحة، ولا يمنعه هذا من تجميع الصف الاتحادي دون انحياز إلى جهة على حسب جهة؛ بل كان يُثمن ما يراه صحيحا من أي جهة، وينتقد ما يراه غير سليم أيا كانت الجهة التي تتبناه، وكانت علاقته ونقاشاته مع بوعبيد قوية جدا، وتترجم مقدار الثقة بين الرجلين”.

وشهد الساسي على “حرمان الحبابي من مقعده النيابي”، قائلا: “لقد تقدم للمشاركة في الانتخابات سنة 1977 وحصل على ثقة الناخبين؛ لكن أُعلنت نتائج مخالفة للتي عاينتها شخصيا، لأني كنت في مكتب التصويت المركزي الذي حصل فيه الفرز”.

ثم سجل أنه رغم ذلك “استمر في عمله الجامعي وعضوية المكتب السياسي وأنشطته العامة، وكانت له مهام عديدة كلف بها وقام بها بتجرد، بعلاقات متميزة مع الجميع (…) وعندما كنت كاتبا عاما للشبيبة الاتحادية، حضر العديد من اللقاءات نائبا عن القيادة”، وهي لقاءات شهد الساسي على ما لمسه فيها من الفقيد من قرب من الشباب.

واستحضر المتحدث بيان المكتب السياسي للاتحاد عندما قبل الحسن الثاني الاستفتاء على الصحراء، وأداء الحبابي “ضريبة الموقف” الرافض، وتنظيمه وأساتذة آخرين لقاء تكريميا له بمناسبة اعتقاله في كلية الحقوق أكدال بالعاصمة الرباط.

كما ذكر بأثر الحبابي في “أجيال من الاقتصاديين المغاربة”، وإسهامه “في النقاش السياسي حول عرض أول دستور على التصويت في المغرب، من جانب كونه باحثا، أيضا، في العلوم السياسية”.

وحول كتاباته، ذكر الساسي كتبه التي “حذرت من الانزلاق عن خط الثورة الاقتصادية المطلوبة”، وزاد: “روي أن الملك الحسن الثاني وضع أمام وزرائه كتابا للحبابي، فاعتبر الكثيرون أنه يقدم لوحة سوداء لمستقبل الاقتصاد المغربي بإفراطه في التشاؤم”، ثم استدرك الشاهد قائلا: “بعد ذلك أظهرت الأحداث أنه لم يكن مفرطا، بل أدى الجنوح عن خط اقتصاد متحرر ومتين إلى وضعية جعلتنا في مؤخرة الترتيب في مؤشرات التنمية البشرية، وبعدما كانت دولٌ قريبة منا، لم يعد اليوم أي أساس للمقارنة بين وضعها المتقدم ووضعنا في أسفل ترتيب التنمية البشرية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى