ورقة بحثية ترصد ثبات العلاقات المغربية البرازيلية في وجه التقلبات السياسية
“العلاقات المغربية البرازيلية غير قابلة للاهتزاز”؛ كانت هذه أبرز خلاصة أكدها التحليل المتضمن في ثنايا ورقة بحثية جديدة نشرها “المعهد المغربي لتحليل السياسات” (MIPA) حملت العنوان نفسه.
الورقة ذاتها خلصت إلى أن “عودة اليسار إلى الحكم في البرازيل لن تؤثر سلبا على العلاقات المغربية–البرازيلية، بفضل الروابط التاريخية والثقافية والاقتصادية التي تجمع البلدين”.
وبسَط الباحث في الشأن اللاتيني المختار نيابي عدة اعتبارات تؤكد أن “مجيء لويس إيناسيو لولا داسيلفا للحكم في البرازيل لن يكون إلّا إيجابيا بالنسبة للعلاقات الثنائية بين البلدين”، مسجلا أنها “عودة لاستكمال فترتَين قضاهُما (لولا) في قيادة دفة البلد، ولم يُسجل فيهما أي تحرك برازيلي ضد مصالح المغرب”.
وأكد نيابي بهذا الخصوص أن “جودة العلاقات بين المغرب والبرازيل لا تقتصر على رأس السلطة، بل تهم حساسيات سياسية أخرى”، مستحضرا تمظهراتها الأخيرة، (في 6 يونيو الجاري) بعد اعتماد مجلس الشيوخ البرازيلي ملتمسا موقَّعاً من قبل 28 عضوا بالمجلس لدعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
علاقات “أقوى وأبقى” من تقلبات الحكم
تُحاجج هذه الورقة بأن “عودة اليسار إلى الحكم في البرازيل لن يكون لها أي تأثير سلبي على جودة العلاقات مع المغرب”؛ مفسرة ذلك بالقول إن “البرازيل أكثر قرباً للمغرب مما نتصور، وعمق العلاقات والأواصر التي تربط البلدين أقوى وأبقى من أي حكومة تقود هذا البلد الأمريكي-اللاتيني، سواء كانت من اليمين أو اليسار”.
إنْ كانت أغلب الدراسات حول العلاقات بين المغرب والبرازيل تنحاز في تفسيرها لتفرد هذه العلاقات إلى التعاون الاقتصادي، فإن هذه الورقة ترى أن التراكمات التي حققتها الرباط في علاقتها مع برازيليا منذ زمن بعيد تعد اللبنات الأساسية التي تسنُد التقارب السياسي، الذي يسند بدوره التعاون الاقتصادي ويحافظ على العلاقات بين المغرب والبرازيل بعيدة عن الاهتزازات التي تسببها المصالح السياسية.
وصاحب الورقة حاصل على درجة الدكتوراه من “مركز دراسات الإنسان والمجال في العالم المتوسطي” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط (جامعة محمد الخامس)، حول موضوع “أمريكا اللاتينية في السياق المغربي: بين البرغماتية السياسية والتصور الشائع”.
البرازيل رابعُ شريك تجاري للمغرب
رصدت الورقة، في أبرز مضامينها، أن “جودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والبرازيل تنعكس على التعاون الاقتصادي الذي تميَّز بمساره التصاعدي المثير على مدى السنوات الماضية”.
آخر المعطيات الاقتصادية المسجلة سنة 2022 بين البلدين حضرت ضِمن تحليل الورقة، موردة أن “حجم التجارة بين المغرب والبرازيل بلغ 3 مليارات دولار”؛ إذ مقابل تصدير المغرب ما يزيد عن 2.06 مليارات دولار للبرازيل استورد منتجات بقيمة 1.06 مليارات دولار”.
“تقارب سلس”
“الملاحَظ في كلمتيْ قائدي البلدين (بمناسبة زيارة الملك محمد السادس للبرازيل سنة 2004) وجود تناغم كبير في وجهات النظر بينهما، ويتقاسمان التوجهات نفسها لمحاربة الفقر وتقوية التعاون جنوب-جنوب”، يسجل نيابي، قبل إضافته أن “ما ميّز الكلمتين هو تلك الإحالات على الرصيد التاريخي والثقافي المتراكم بين المغرب والبرازيل باعتباره أرضية صلبة للحوار”.
في هذا الصدد، تشدد الورقة على أن “ما يميز لقاءات الفاعلين المغاربة والبرازيليين هو أنها ليست لقاءات للتعارف والبداية من الصفر، بل هي علاقة مبنية على تراكمات تاريخية، خصوصا ثقافية تجعل كل التقاربات بين البلدين سلسة”.
كاتب الورقة، التي تتوفر هسبريس على نسختها، وضع “العلاقات الجيدة التي تبنّاها لولا داسيلفا تجاه المغرب في إطار توجه بلاده الواضح نحو ترسيخ وتقوية التعاون جنوب جنوب”.
هذا التوجه البرازيلي نحو المغرب، تضيف الورقة، عبّر عنه بشكل واضح الرئيس البرازيلي، خلال كلمته بمناسبة زيارة الملك محمد السادس للبرازيل سنة 2004، مؤكدا أن “أجندة التعاون بين البرازيل والمغرب تغطي موضوعات محورية من أجل مواجهة التحديات المطروحة أمام دول الجنوب”.
كما ذكّرت الورقة بـ”تعهُّد” الرئيس البرازيلي السابق (الذي شهدت فترة حكمه انتعاشة ملحوظة للتجارة البينية) بـ”العمل المشترك مع المغرب أمام المنتديات متعددة الأطراف من أجل أن تكون أكثر تمثيلية للجغرافية السياسية والاقتصادية العالمية الجديدة”.
تاريخ دبلوماسي عريق
“يعتبر البرازيل البلد الأكثر حضورا في فصول التاريخ المشترك بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية”، تورد الورقة، مشيرة إلى أن “البرازيل كان أول بلد أمريكي لاتيني تربطه علاقات دبلوماسية مع المغرب”.
للتدليل على ذلك، استند نيابي إلى وثائق لوزارة الخارجية البرازيلية تثبت أن “العلاقات بين المغرب والبرازيل بدأت سنة 1861″، معتبرا ذلك “اكتشافا واجتهادا شخصيا لسفير المملكة المغربية في البرازيل، العربي المساري، الذي وجد هذه الوثائق في وزارة الشؤون الخارجية البرازيلية ووضعها رهن إشارة مديرية أرشيف المملكة”، وزاد: “هذا الاكتشاف زاد 45 سنة للعلاقات بين المغرب والبرازيل، وفنّد الاعتقاد السائد بأن العلاقات بدأت سنة 1906”.
أواصر وتكامل
التبادل الثقافي الهوياتي المشترك بين البلدين عبّر عنه الباحث بالقول: “عندما تُمعن البرازيل النظر في شراكاتها الخارجية تجد المغرب بوابة تمكنها من الولوج لإفريقيا وأوروبا والعالم العربي؛ وعند إمعان النظر في الهوية البرازيلية نجد أثرا لليهود المغاربة، وأثراً للعرب، وأثرا لإفريقيا”.
وخلص نيابي إلى أن عوامل ثقافية تجعل “العلاقات المتقدمة بين المغرب والبرازيل لا تقتصر على براغماتية سياسية واقتصادية بحتة، بل لها أواصر وتكاملات متعلقة بطبيعة البلدين المتنوعة واختياراتهما السابقة التي ربطت جسورا تعبر الأطلسي وتتحدى حواجز اللغة”، مؤكدا أن “قواعد هذه العلاقات وُضعت بشكل مشترك على مدى عقود؛ فكانت العلاقات الجيدة هي القاعدة التي تسنُد التعاون الاقتصادي”.