أخبار العالم

مذكرات المقاوم شوراق حمدون تستحضر تاريخ المغرب والجزائر ضد الاستعمار



صفحة مضيئة من تاريخ المقاومة المغربية الجزائرية المشتركة للاحتلال الأجنبي، جددت نشرها دار الإحياء للنشر والتوزيع، معيدة إلى المكتبات مذكرات المقاوم شوراق حمدون، الذي كان ينسق مع محمد بوضياف ومقاومين آخرين لتهريب سلاح المقاومة عبر “الباخرة دينا” من الناظور إلى التراب الجزائري.

توثّق هذه المذكّرات، التي نفدت طبعتها الأولى منذ مدة، أسماء المقاومين المغاربة والجزائريين المشرفين على نقل السلاح، منهم من تعرض لعاهات مستديمة في سبيل المقاومة، كما توثّق الصعوبات التي لقيتها العمليات، ومحطات التنسيق، وتقسيم السلاح والذخيرة بين المقاومين في المناطق المحتلّة المغربية والمناطق المحتلّة الجزائرية.

مذكرات المقاوم حمدون شوراق صدرت بعنوان “الباخرة دينا-تسليح المغاربة للثورة الجزائرية”، بتقديم حياة أجعير ومراجعة امحمد جبرون، ويقول تقديمها إنها توثق أحداثا جاءت “في العقد الذي تلا الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت هذه الفترة تفاعلات بين مختلف الفئات السياسية المغاربية التي كانت تبتغي من خلالها الحصول على الاستقلال، لذلك سعت جميع الأطراف لاستغلال فرصة التغيرات التي عرفها العالم بعد الحرب العالمية ونتائجها الهائلة في تاريخ النضال المغاربي لتصفية الاستعمار. فبدأت مرحلة جديدة في الكفاح المسلح، واتخذت فكرة وحدة المغرب العربي منحى آخر، إذ أصبحت أكثر تطورا ونضجا وفعالية”.

وتعززت فكرة التعاون المغاربي بشكل قوي بعدما حلّ محمد بن عبد الكريم الخطابي بالقاهرة المصرية سنة 1947، خاصة بعد التأكيد على “عزمه في استئناف ومواصلة الحرب التحررية ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني. وكانت فرصة سانحة لانبعاث الكفاح المسلح المغربي بعد فترة زمنية طويلة من سقوط آخر قلاعه في قمم الريف والأطلسين الكبير والمتوسط”.

ويضيف التقديم: “بعد عودة عدد من المجاهدين الذين شاركوا في حرب فلسطين سنة 1948، انبثقت فكرة تأسيس حركة تحرر مغاربية موحدة يكوّن نواتها العائدون من هذه الحرب. ولهذا الغرض عمل الخطابي على إعداد كوادر عسكرية وإدارية، فوجه رسائل إلى قادة كل من سوريا والعراق لقبول بعض الشبان المغاربيين في مؤسساتهم العسكرية في شهر شتنبر 1948. هنا سيبعث الخطابي بعثة عسكرية مغاربية أولى إلى بغداد”، التحق أعضاؤها بالكلية العسكرية الملكية، وتخرّجوا منها في شهر يونيو 1951 ضباطا.

ثم “بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في تونس وانعكاسها الكبير على الشعبين المغربي والجزائري، سينعقد في القاهرة مؤتمر الوطنيين المغاربيين المؤطرين للثورة. وكان من بين قرارات هذا المؤتمر، تشكيل هيئة لجيش تحرير المغرب العربي. كما أنه وبعد تفاقم الأوضاع السياسية في دول المغرب العربي، سينعقد سنة 1954 اجتماع بين القيادات السياسية المغاربية في القاهرة من جهة، والقيادة المصرية المنبثقة عن ثورة يوليوز 1952 من جهة أخرى، برعاية الجامعة العربية”، وهو الاجتماع الذي خرج بقرار ضرورة دعم مشروع الثورة من طرف القيادة المصرية والجامعة العربية.

لكن مع التباين في وجهات النظر بين أعضاء لجنة التحرير المغاربية، بين الانطلاق الفوري للثورة المسلحة والتريث بالتركيز على الدعاية والاتصالات الخارجية، ربطت “القيادة المصرية والجامعة العربية تقديم دعمهما المالي بضرورة تكوين جبهة واحدة تضم كافة الأحزاب بالدول الثلاث. مما اضطر القيادات الحزبية إلى توقيع ميثاق لجنة تحرير المغرب العربي، نص على العمل على نيل استقلال الأقطار الثلاثة، والانضمام للجامعة العربية، ورفض فكرة الاتحاد الفرنسي أو السيادة المزدوجة. وكان أول ما تم التوافق عليه هو إرسال ترسانة من الأسلحة قادمة من مصر”.

هنا تبرز أهمية مذكرات حمدون شوراق المعنونة في طبعتها الأولى بـ”الباخرة دينا، مذكرات من أيام المقاومة”، التي “تناولت التطبيق الفعلي على أرض الواقع ولو بشكل نسبي لميثاق لجنة تحرير المغرب العربي، كما جاءت لتوثق للقراء وللتاريخ، اللحظات العصيبة والتحديات التي واجهتها عملية رسو وإفراغ السفن المحملة بالأسلحة إلى غاية إيصالها إلى الجانب الجزائري”.

ويتابع تقديم المذكرات: “الباخرة دينا هي يخت كانت تملكه الأميرة دينا، زوجة الملك حسين عاهل الأردن، وقد اقتنته منها السلطات المصرية لاستعماله في هذه المهمة، في الوقت الذي كانت تمر فيه الشعوب المغاربية بفترة زمنية عصيبة وبحاجة ماسة إلى الذخيرة والأسلحة”.

هذه المذكرات صدرت عن “شاهد عيان، اعتبر من أبرز رموز هذه الملحمة، بفضل مساهماته الكبيرة في النضال الوطني وخدماته، تناولت الأحداث كما عاشها، وهو المسؤول الأول عن الذخيرة والأسلحة القادمة من مصر”، وهي “مصدر هام للدراسة والتفكير في تاريخ الشعوب المغاربية وتشكل وعيها المجتمعي”.

وتوثق المذكرات “تجربة فريدة من نوعها في تاريخ التعاون والنضال المغربي الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، خاصة بعد رسو البواخر المحملة بالأسلحة القادمة من مصر في الشمال الشرقي للمغرب، وبالضبط في منطقة شاطئ راس الماء بالناظور، أو كما يسميها أهل المنطقة بقابوياوا”.

وتقرب المذكرات القارئ من “نوع آخر من التضحية في أبهى تجلياتها بين مقاومين لا تجمعهم لا اتفاقية ولا معاهدة مكتوبة، واجهوا الغطرسة الفرنسية بوسائلهم البسيطة التي أفزعت المستعمر”.

وأعيد نشر مذكرات حمدون شوراق باعتبارها “مادة مرجعية توثيقية في نفض الغبار عن كل من يحاول إنكار الدعم الذي قدمه المغرب للمقاومة الجزائرية”، وهي “دعوة لذوي النوايا الحسنة وللنخب المغاربية إلى استثمار هذه المذكرات لاستحضار تاريخ النضال المشترك، الذي استمر حتى بعد استقلال المغرب، حيث كان توجه الدولة الرسمي هو دعم الثورة الجزائرية سياسيا وعسكريا. ولطالما اعتمدت الجزائر على الحدود المغربية، واتخذتها بمثابة قاعدة خلفية لجبهة التحرير الجزائرية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى