التحضير للاحتفال بعيد الأضحى يخلق الرواج في الاقتصاد المغربي غير المهيكل
قبل أيام من عيد الأضحى، بدأت أسواق المدن المغربية تشكل ملامح “المهن الموسمية” مجددا، التي يحاول مجموعة من الشباب المغاربة عبرها توفير “مصروف يومي”، وتطويع هذه الفرصة “الذهبية” لتحصيل “مداخيل مهمة”، ولو ظل هذا الاقتصاد غير مهيكل وغير مقنن في المجمل.
مهن كثيرة تطفو على سطح السوق المغربية، منها التجارة الجائلة، وترويج الملابس التقليدية في الشوارع، وكذلك شحذ السكاكين ومختلف أدوات نحر وتقطيع الأضحية، فضلا عن عمليات “توصيل” الخروف إلى البيت أو توفير فضاءات للاحتفاظ به قبل العيد، بالإضافة إلى بيع الأكياس البلاستيكية والفحم والتبن والتوابل…
محمد جدري، خبير اقتصادي، قال إن “اقتصاد الظل الذي يرتفع منسوبه بالنسبة للعين المجردة كل سنة، له ما يبرره؛ بالنظر إلى الصعوبات الجمة التي واجهها اقتصادنا الوطني”، معتبرا أن “جائحة كورونا أثرت بشكل كبير على مناصب الشغل، والعديد من المغاربة فقدوا عملهم خلال تلك الظرفية الصعبة التي مر بها المغرب على غرار كل بلدان العالم”.
وشدد جدري، في تصريح لهسبريس، على أن “انتعاش الاقتصاد غير المهيكل راجع أيضا إلى انسداد الأفق أمام العديد من الشباب، وغلاء المعيشة، وانعدام الفرص والبدائل، وارتفاع أسعار المحروقات والموارد الأولية، وأزمة التضخم العالمي”، وكل هذا ساهم في رفع تكلفة الإنتاج.
واستحضر الخبير الاقتصادي كذلك قيام قطاعات مهمة بتسريح عمالها إبان جائحة كورونا، وموسم الجفاف الذي لم يعرف المغرب مثله منذ 40 سنة، ليخلص إلى أن “كل هذه العوامل مجتمعة جعلت نسبة البطالة مرتفعة خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل غير مسبوق، وأثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمغاربة، وخصوصا ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة”.
وقال إن “مناسبة عيد الأضحى، فضلا عن كونها مناسبة دينية ومجتمعية مهمة، فإنها تبقى أيضا سوقا تجارية مهمة، لهذا تنتعش مجموعة من المهن الموسمية والمؤقتة لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع إلى حدود الأربعة أسابيع”، موردا أنها “فرصة يحاول خلقها شباب معطل بالموازاة مع ظرفية العيد والاستعداد للانتفاع الاقتصادي منها”.
وأشار إلى أن الرواج الاقتصادي يكون مضاعفا في فترة العيد، ومن المتوقع أن يتم ترويج ما بين 10 و15 مليار درهم، واصفا هذه المهن التي يتم خلقها ويستفيد منها العديد من المغاربة، بأنها “معبرة اقتصاديا؛ لكونها تسعف الذين يلجؤون إليها لتوفير قوت يومي محترم”.
وجمل جدري قائلا: “هي مهن عمرها قصير زمنيا، عابرة وموسمية، وهي فرصة لتوفير مدخول لن يوفر لممارسيها العيش بكرامة مادامت مهنا مؤقتة، لكنها على الأقل ستخفف أعباء معينة؛ أعباء حياة صارت فيها فرص العيش الكريم قليلة”.
من جانبه، قال طارق البختي، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك، إن نسبة الاستهلاك ترتفع بشكل لافت خلال الأسابيع التي تسبق عيد الأضحى، مما يجعل ظهور “حرف جديدة” أمرا لا يثير كثيرا من الجدل، مبرزا أن “اقتناء الأضحية يصاحبه اقتناء العديد من اللوازم، منها البهارات والفحم، ولوازم أخرى كثيرة، حتى إن بعض العائلات تقتني أشياء إضافية”.
لكن الخطير في الأمر، حسب البختي، هو أن “الكثير من المواد التي تعرض في الشارع اليوم أصبحت تثير الشكوك بخصوص الصلاحية والجودة، خصوصا مع الأثمنة البخسة التي ما فتئنا نسمعها”، مضيفا، في تصريح لهسبريس، أن “بعض المواد التي نستهلكها في هذه الظرفية يكون من الصعب جدا التحقق من صلاحيتها، لكونها منتوجات غير صناعية”.
وشدد رئيس المنتدى المغربي للمستهلك على أن “هناك أيضا مواد شديدة الحساسة في الصيف غير معروف مكان وطريقة تخزينها، والعديد من المواد التي تباع مصدرها مجهول وغير خاضعة لشروط النظافة، ولا يتم التعامل بشكل تجاري سليم”، ليتساءل: “هل هناك معايير لحفظ صحة المواطنين وسلامتهم من طرف هؤلاء الباعة أم غايتهم البيع وفقط؟”.
ونبه البختي إلى أن “انعدام البديل يدفع المغاربة في هذه الظرفية إلى الإقبال على استهلاك منتوجات الاقتصاد غير المهيكل”، مسجلا أن “العديد من المواد يتم تصنيعها في أماكن غير معروفة، ومغلقة، وشروط السلامة فيها منعدمة، مما يعرض المواطنين وعائلاتهم للخطر، بما أن ما يستهلكونه تنتفي فيه كافة معايير الجودة”.