ارتفاع نسب التلوث البلاستيكي في المنطقة العربية يهدد النظام البيئي
- ربيع الحمامصة
- بي بي سي نيوز عربي
تشير عدة دراسات علمية حديثة إلى أن التلوث البلاستيكي يشكل تهديدا مباشرا على النظم البيئية للمحيطات والغابات وحتى على الأشخاص الذين يعتمدون على الموارد البحرية والزراعية لتأمين الغذاء والدخل المادي.
وأكدت دراسة أجراها البنك الدولي مؤخراً أن الفرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يطرح في المتوسط أكثر من 6 كيلو غرامات من النفايات البلاستيكية في كل عام. ويعد البحر الأبيض المتوسط أحد المناطق الأكثر تلوثاً بالنفايات البلاستيكية في العالم.
ويرتبط التلوث البلاستيكي وتغير المناخ ارتباطا وثيقا، إذ يمكن أن يغير التلوث البلاستيكي الموائل والعمليات الطبيعية عن طريق الحد من قدرة النظم البيئية على التكيف مع تغير المناخ، كما يمكن للتلوث البلاستيكي التأثير سلبا على سبل عيش الملايين من البشر وعلى فرص إنتاج الغذاء والتمتع بالرفاهية الاجتماعية.
ولا يزال التلوث البلاستيكي يكلف بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 0.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط كل عام، وفق بيانات صادرة عن الأمم المتحدة.
وتزداد وتيرة التلوث البلاستيكي في المنطقة العربية بشكل كبير، إذ لن يكون بمقدور أي بلد أن يعمل بمعزل عن مواجهة تحد الارتفاع في نسبة التلوث البلاستيكي بمفرده.
أسباب ارتفاع نسب التلوث البلاستيكي في المنطقة العربية
ويرى العديد من الخبراء في المجال البيئي أن تساهل الشركات المصنعة للبلاستيك، وخصوصا الأكياس البلاستيكية يعد من الأسباب المباشرة في ارتفاع نسبة التلوث البلاستيكي في ظل ضبابية السياسات أو افتقارها للحزم في موضوع التلوث البيئي في العديد من الدول العربية.
كما تعتمد بعض دول المنطقة العربية المنتجة للنفط على صناعة المواد الأولية ومدخلات صناعة البلاستيك كمصدر دخل أساسي في اقتصاداتها.
وتقول الدكتورة نجاة صليبا، الباحثة في الشؤون البيئية وعضو البرلمان اللبناني، لبي بي سي:” إن هناك عدة أسباب لارتفاع نسب التلوث البيئي البلاستيكي في المنطقة العربية، ويعود ذلك لأن الدول في المنطقة العربية لا تهتم كثيرا بالسياسات المتعلقة في استخدام البلاستيك، وخصوصاً استخدام البلاستيك الأحادي أي لمرة واحدة”.
وتضيف صليبا:”كما أن غياب الثقافة البيئية والتوعية بخطورة استخدام البلاستيك على نحو واسع وعدم الاهتمام بتثقيف طلاب المدارس والجامعات يضاعف من ارتفاع نسب التلوث البلاستيكي في الدول العربية”.
غياب القوانين أو عدم تطبيقها؟
ويشير بعض النشطاء في المجال البيئي الى قصور القوانين والسياسات البيئية في عدة دول عربية في مواجهة ارتفاع نسب النفايات البلاستيكية، وذلك بسبب عدم الالتزام بها في المقام الأول، ولكن يرى البعض أن هناك دولا عربية عدة بدأت بتطبيق قوانين لكبح جماح الارتفاع الكبير في طرح النفايات البلاستيكية.
ويقول رئيس اتحاد الجمعيات البيئية المختص في سياسات المناخ في الأردن، عمر شوشان لبي بي سي:” في السنوات الأخيرة، أصبحت مشكلة التلوث البلاستيكي على الأجندة الدولية والإقليمية، وقد اتخذت العديد من الدول العربية إجراءات قانونية للتصدي لهذه المشكلة، مثل حظر الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الأحادي وفرض رسوم على البلاستيك وتعزيز إعادة التدوير وتشجيع الابتكار والبدائل البلاستيكية القابلة للتحلل”.
وقد بدأت بعض الدول بفرض حظر على تصنيع وتداول واستيراد الأكياس البلاستيكية، مع تفاوت في التطبيق. وقامت بالفعل بعض الدول مثل المغرب بفرض الحظر بشكل كامل تقريبا على استخدام الأكياس البلاستيكية، مع توفير بدائل من أكياس مصنوعة من مواد ورقية.
لكن شوشان يرى أن المشكلة في المنطقة العربية تكمن في عدم تطبيق القوانين بسبب ضعف الجهات المختصة فنيا من جهة وضغوطات اقتصادية بسبب وجود أعداد كبيرة من العاملين في القطاعات الصناعية والتجارية.
ويضيف:” ما يزيد المشكلة تعقيدا حالة غياب الوعي الكافي لدى المجتمع العربي في المخاطر الصحية للتلوث البلاستيكي وعدم وجود قاعدة بيانات علمية توضح آثار التلوث البلاستيكي على الصحة العامة والضرر المتحقق على الأنظمة البحرية والبرية”.
مادة البلاستيك والبيئة
وتمثل العناصر البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة، بما في ذلك الأكواب البلاستيكية وزجاجات المياه وتغليف المواد الغذائية، حوالي 89 في المئة من النفايات البلاستيكية في قاع المحيطات، بحسب أحدث تقرير للأمم المتحدة، وسينتهي الأمر بحوالي 12 مليار طن من النفايات البلاستيكية في مدافن النفايات والبيئة بحلول عام 2050 إذا استمرت أنماط الاستهلاك الحالية وممارسات إدارة النفايات البلاستيكية على حالها.
وخلال حديثها لبي بي سي، تشير الدكتورة نجاة صليبا إلى أن مادة البلاستيك لها إيجابيات كمادة نستخدمها في حياتنا اليومية، لكن المشكلة في “البلاستيك أحادي الاستخدام غير القابل للتدوير والذي يؤثر بشكل مباشر على الحياة البحرية والتربة”.
وتواجه الأنظمة البيئية سواء كانت التربة، أو المياه، أو الهواء أضرار كثيرة بسبب تأثير النفايات البلاستيكية على البيئة، فهذا النوع من النفايات بحسب العلماء لا يتحلل إلا بعد مرور آلاف السنين، ما يسبب أضرارا على البيئة والتنوع البيولوجي فيها.
ويقول أكيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي:”إن القضاء على التلوث البلاستيكي بجميع أشكاله هو أمر أساسي لحماية صحة الإنسان والكوكب وحماية التنمية المستدامة”.
كيف نخفف من ارتفاع نسب التلوث البلاستيكي في العالم العربي؟
وتؤكد منظمات عالمية عدة على رأسها الأمم المتحدة على أن الشراكات ضرورية لمواجهة ارتفاع معدل طرح النفايات البلاستيكية المعقدة والتقليل من التسلل البلاستيكي إلى النظم البيئية البحرية والبرية من خلال تعزيز السياسات والتغييرات السلوكية التي تهدف إلى تطوير أنظمة إدارة النفايات البلاستيكية السليمة، والحد من التلوث البلاستيكي العام.
فقد نجح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على سبيل المثال في الأردن بتنفيذ تدابير الاستدامة، مثل تقديم أول برنامج لإعادة تدوير البلاستيك والزجاج والورق والنفايات الإلكترونية لحماية البيئة من خلال تنفيذ مشروع “الأكياس الخضراء” لتقليل استخدام البلاستيك.
ويوضح عمر شوشان رئيس اتحاد الجمعيات البيئية المختص في سياسات المناخ في الأردن، سبل التخفيف من حدة ارتفاع التلوث البلاستيكي، قائلا:”يجب تكاتف الجهود على مستوى المجلس الوزاري العربي في وضع سياسة إقليمية شاملة للحد من التلوث البلاستيكي وتأسيس صندوق لدعم الابتكار والتطور الصناعي في انتاج الحلول البديلة الأكثر استدامة وصداقة للبيئة”.
جهود أممية للحد من التلوث البلاستيكي
لاتزال الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تتفاوض على اتفاقية دولية ملزمة قانونا بشأن البلاستيك، تتناول دورة الحياة الكاملة للبلاستيك، من التصميم إلى الإنتاج وحتى التخلص منه.
وفي 2 مارس آذار 2022، صوتت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في الدورة الخامسة المستأنفة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة (UNEA-5.2) لإنشاء لجنة تفاوض حكومية دولية مع تفويضها بالمضي قدما في اتفاق دولي ملزم قانونا بشأن البلاستيك.
وتبقى مشكلة التلوث البلاستيكي والحد منها سبباً رئيسيا في انقسام دول العالم حول معاهدة لإنهاء تلوث البلاستيك من جذوره، بسبب رؤية بعض الدول أن وجود معاهدة تركز على نفايات البلاستيك يجب أن تكون مبنية على نهج من القاعدة إلى القمة وعلى أساس الظروف الوطنية لكل دولة.
ويرى خبراء البيئة والنشطاء في مجال التغير المناخي أن نهج بعض الدول في التعامل مع مشكلة التلوث البلاستيكي وصناعة البلاستيك والتخلص من النفايات البلاستيكية سيضعف أي معاهدة عالمية تسعى لإنقاذ الكوكب من أضرار خطيرة تحدق به وبتنوعه البيولوجي ما سينعكس على صحة الإنسان في نهاية المطاف.