إعادة التدوير: هل تصبح أمستردام المدينة الرائدة في الاقتصاد الدائري؟
- سوزان بيرن
- أمستردام
في مركز التصليح المتحد، بالقرب من سوق الطعام المغلق الشهير “فودهولن” في أمستردام ، بدا بكري زيتون منهمكاً في تصليح سترة زرقاء اللون.
بكري زيتون، خياط سوري وصل إلى هولندا في عام 2018 ، وهو من بين ثمانية لاجئين آخرين يعملون خياطين في هذا المركز الذي تأسس في العام الماضي، للمساعدة في إطالة عمر الملابس من خلال إصلاح ملابس المحلات التجارية المعروفة وزبائنها.
وقال زيتون إنه يعمل خياطاً منذ 25 عاماً، ولكن عندما وصل لأول مرة إلى هولندا، كان عليه القيام بوظائف أخرى متنوعة.
ابتسم ابتسامة كبيرة عندما سألته عما إذا كان من الجيد العودة إلى الخياطة.
يعتبر عمل زيتون جزءاً صغيراً من جهود أمستردام لتصبح مدينة ذات اقتصاد دائري.
يستخدم الاقتصاد الصناعي التقليدي المواد الخام لصنع المنتجات التي يتم التخلص منها عندما تصبح غيرمرغوبة، وأحياناً قبل نهاية عمرها.
يهدف الاقتصاد الدائري إلى كسر الحلقة التي تربط بين النشاط الاقتصادي واستخدام موارد الأرض. قد يشمل ذلك إعادة استخدام المواد والمنتجات وإصلاحها ومشاركتها.
يقول ثامي شويتشلر، الرئيس التنفيذي لمركز التصليح المتحد، وهو منظمة ومنصة أقمشة إبداعية أنشأها من خلال مؤسسته الاجتماعية Makers Unite: “يعتبر التدوير أهم مسألة في صناعة الأزياء في الوقت الحالي”.
” كل علامة تجارية تبحث عن سبل تبقيها على قيد الحياة. ستكون تصليحات وتعديلات الملابس جزءاً من مستقبل دائرية العلامات التجارية”. ويضيف إنه يجب أن يكون هناك حل منظم لإحداث التغيير. “لن يحدث ذلك من جانب المستهلك”.
يعمل المركز حالياً مع خمس علامات تجارية بما في ذلك Patagonia و Scotch & Soda و Decathlon ، وترسل الشركات الملابس التي تحتاج إلى الإصلاح إلى المركز الذي يأمل أن يقوم بإصلاحها في غضون أسبوع.
يقول شويتشلر، الذي يشرف على المركز الذي يصلح ما يزيد عن 400 قطعة ملابس أسبوعياً، أو ما يقرب من 20 ألفاً سنوياً، إن الهدف هو الوصول إلى 200 ألف عمليةإصلاح سنوياً بحلول عام 2026.
من المعروف أن صناعة الملابس، التي نمت كثيراَ مع صعود الموضة السريعة، هي واحدة من أكثر القطاعات هدراً، حيث ينتهي المطاف بثلاثة أرباع ملابسنا التي لم نعد بحاجة لها، إما بالحرق أو الدفن في مكب النفايات، وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي.
وفقًا لمؤسسة Ellen MacArthur Foundation ، تضاعف إنتاج الملابس بين عامي 2000 و 2015 بينما كان هناك انخفاض بنسبة 40 في المئة في مقدار المدة التي ارتديت فيها الملابس.
رغم أن الاستدامة مدرجة في جدول أعمال العديد من البلدان، لكن حكومة هولندا اعتمدت خططاً جريئة لجعل الاقتصاد دائرياً في أسرع وقت ممكن.
في عام 2020 ، أعلنت أمستردام نفسها أول مدينة في العالم تلتزم ببناء اقتصاد دائري، مع التركيز على هدر الأطعمة والمواد العضوية والسلع الاستهلاكية والبيئة.
في غضون سبع سنوات تنوي أمستردام تقليص استهلاكها من المواد الخام الجديدة إلى النصف.
وتطمح بأن تصبح بحلول عام 2050 دائرية بالكامل، تعتمد فقط على المواد المستخدمة والمعاد تدويرها.
سيكون ذلك تحدياً كبيراً في مجال البناء، المسؤول عن أكثر من 30 في المئة من الموارد الطبيعية المستخرجة و 25 في المئة من النفايات الصلبة في العالم.
تأمل شركة هولندية ناشئة تدعى “ماداستر” في إحداث تغيير طفيف في تلك الأرقام.
لقد أنشأت سجلاً عبر الإنترنت يضم المواد المستخدمة في مباني أمستردام، بالإضافة إلى معلومات حول كيفية إعادة استخدامها في نهاية حياتها.
يقول مدير الشركة بابلو فان دن بوش: ” إقامة الأبنية تستهلك الكثير من المواد والطاقة لإنتاج المستلزمات المستخدمة في البناء”. “بدلاً من رميها كنفايات في نهاية المطاف وصنع مستلزمات جديدة يجب أن نفكر بإمكانية إعادة استخدامها، فهذا يحد من انبعاثات الكربون وكمية النفايات”.
يقول إن ماداستر، عملت مع سلطات أمستردام لإنشاء سجل رقمي بالمباني في جميع أنحاء المدينة.
“إذا أرادت المدينة تطوير منطقة ما، فلديهم أفكاراً حول المواد التي يمكنهم توفيرها وربما استخدام المواد الموجودة بالفعل بدلاً من رميها كنفايات”.
ويشير إلى المكتب الأولمبي في حي أمستردام زويد، حيث تم تجديده بالكامل بدلاً من هدمه. “تمت إزالة الحجر الطبيعي من الواجهة واستخدم في بناء أرضيات نفس المبنى”.
على الرغم من الحلول الخلاقة مثل هذه، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً أمامنا.
وجد تقرير عن التقدم المحرز في تطبيق الاقتصاد الدائري لعام 2022 وصدر عن وكالة التقييم البيئي الهولندية PBL ، أن “جهود وضع قواعد العمل الجديدة في هذا المجال قد أرست الأساس وطورت هيكلاً لاقتصاد دائري في هولندا، إلا أن الاقتصاد الهولندي لا يزال يعمل بشكل أساسي بطريقة تقليدية”.
يقول ويليام فان ويندن، أستاذ الابتكار الاقتصادي الحضري في جامعة أمستردام للعلوم التطبيقية: “أخشى ألا تحقق الدولة والمدينة الأهداف المرجوة”.
“المشكلة هي أن الصيغ والممارسات الدائرية في الوقت الحالي أكثر تكلفة من النماذج التقليدية. ما لم تطبق الحكومة إجراءات أكثر صرامة، أخشى ألا يحدث ذلك. أنت بحاجة إلى استثمارات ضخمة لتحقيق الاقتصاد الدائري. لن تحقق الكثير من الشركات التحول المطلوب ما لم يجبرها القانون على ذلك”.
تطلق أمستردام مبادرات لتشجيع الشركات الناشئة على التوسع في أعمالها في مجال الاقتصاد الدائري.
إحدى المبادرات التي تم إطلاقها مع معهد AMS وشركة الاستثمار المالي “روكستارت” حملت اسم: أمستردام الدائرية وهو برنامج مدته شهران يهدف إلى مساعدة 20 شركة في مراحلها المبكرة على إيجاد التمويل.
يقول غاي فينسينت، رئيس البرنامج في أمستردام الدائرية: “كانت هناك حاجة واضحة لقيام المدينة بدعم الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة وتوسيع نطاق التمويل”. “تم تصميم البرنامج لدعم الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير حلول دائرية في مجالات مثل الغذاء والطاقة والتعبئة والبناء والقدرة على التكيف مع التغير المناخي”.
يقول إن الشركات الناشئة في مجال الاقتصاد الدائري تواجه تحديات أكثر من الشركات الجديدة الأخرى.
“عادة ما تكون مخاطرها أعلى وأرباحها منخفضة لأنها تقوم باختبار نماذج أعمال جديدة أكثر تعقيداً وغالباً ما تكون غير مجربة”.
قد يتردد أصحاب الرساميل الاستثمارية في الاستثمار فيها. نحاول إيجاد نماذج تمويل مثالية للشركات الدائرية.
ربما الشراكة في التمويل ضرورية، أي الجمع بين القطاع الخاص والتمويل الحكومي”.
شركة تصنيع الإلكترونيات الهولندية “فيرفون” هي إحدى الشركات التي تمكنت من ترسيخ قدميها في مجال الاقتصاد الدائري.
تشجع الشركة زبائنها على الاحتفاظ بهواتفهم لأطول فترة ممكنة وتسهل نسبيا عملية إصلاح الهواتف.
تقول إيفا غوينز، الرئيسة التنفيذية لشركة فيرفون: “إن إبقاء الهاتف قيد الاستخدام أطول فترة ممكنة هو أكبر تأثير يمكنك إحداثه في هذا المجال”.
وتشير إلى أن 75 في المئة من انبعاثات الكربون الناجمة عن الهواتف تحدث أثناء إنتاجها.
“متوسط عمر الجهاز هو من سنتين إلى ثلاث سنوات. إذا تمكنا من تمديده إلى خمس سنوات على الأقل، فأنت تحتاج فقط إلى نصف المواد الأولية المطلوبة لإنتاجها”.
تقدم فيرفون أيضاً، برنامج إعادة التدوير، وتشجع العملاء على تسليم هواتفهم القديمة مقابل 50 يورو على الأقل.
“يمكننا استخدام وحدات أو على الأقل مكونات منها لإصلاح الأجهزة الأخرى. يتم وضع العديد من الهواتف في الأدراج أو تذهب إلى مكب النفايات”، كما تقول.
يشعر البروفيسور فان ويندن بالتفاؤل حيث تقوم الشركات بتطوير نماذج دائرية، لكن لديه هذه الملاحظة حول الاقتصاد الدائري: “في الوقت الحالي، يركز الاقتصاد الدائري بشكل أساسي على قطاعات السلع الراقية وغالباً ما تكون هذه المنتجات باهظة الثمن وأصحابها هم الأكثر ثراءً”.