ما الذي يعكسه قرار الفيدرالي الأميركي بتثبيت سعر الفائدة؟
وجاء قرار الإبقاء على سعر الفائدة بعد عشر مرات متتالية منذ العام الماضي 2022، قام الفيدرالي خلالها برفع معدلات الفائدة.
وفضّل الفيدرالي التوقف مؤقتاً عن رفع الفائدة كفرصة لـ “تقييم الموقف” بعد الزيادات الأخيرة، ومع تباطؤ معدلات التضخم.
وفي محاولة لتحقيق التوازن بين المخاطر التي يواجهها الاقتصاد واستمرار المعركة لكبح جماح التضخم، قالت اللجنة الاتحادية للسوق المفتوحة التي تحدد سعر الفائدة في بيان ختامي لاجتماعها على مدى اليومين الماضيين “الإبقاء على النطاق المستهدف (لسعر الفائدة) دون تغيير في هذا الاجتماع يتيح للجنة تقييم أي معلومات إضافية وتداعياتها على السياسة النقدية”. وتوصلت اللجنة لقرارها بالإجماع.
وفي توقعات اقتصادية جديدة، أشار مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن تكلفة الاقتراض سترتفع على الأرجح بواقع نصف نقطة مئوية أخرى بنهاية العام الجاري في ظل قوة الاقتصاد عن المتوقع وبطء انحسار التضخم.
- يتوقع الفيدرالي وصول الفائدة إلى 5.6 بالمئة بحلول نهاية العام الجاري.
- رفع الفيدرالي توقعاته للنمو إلى 1 بالمئة هذا العام، بينما خفضها للعامين 2024 و2025 بشكل طفيف.
- يرى الفيدرالي أن معدلات التضخم “لا تزال مرتفعة”، وقال إنه سيواصل العمل على إعادتها لمستهدفاتها. فيما استبعد في الوقت نفسه دخول الاقتصاد الأميركي في ركود للعام الحالي.
- توقع الفيدرالي وصول معدلات البطالة عند 4.1 بالمئة في 2023 بالمقارنة مع 4.5 بالمئة في توقعات شهر مارس الماضي.
حقيقتان رئيسيتان
وفي تحليله لقرار الإبقاء على معدلات الفائدة دون تغيير، يقول الأستاذ الزائر بجامعة فلوريدا الأميركية، جاي ريتر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعدم تغيير سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية يعكس عدة حقيقتين رئيسيتين، على النحو التالي:
- أولاً: استمرار تواصل انخفاض معدلات التضخم.
- ثانياً: تداعيات أزمة المصارف.
فيما يتعلق بالحقيقة الأولى، يشير إلى أنه من المتوقع أن ينخفض التضخم في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن أسعار الفائدة “الحقيقية”، أي الفرق بين أسعار الفائدة والتضخم، سيرتفع حتى لو لم تتغير أسعار الفائدة الاسمية.
بينما على صعيد “الحقيقة الثانية” من وجهة نظره، فهي أنه كانت هناك بعض حالات فشل البنوك في الأشهر الأخيرة والتي كانت على الأقل جزئياً بسبب الارتفاع السريع في أسعار الفائدة.
ويضيف: البنوك التي فشلت كانت قد استثمرت في السندات طويلة الأجل أو قدمت قروضاً طويلة الأجل بسعر ثابت، وانخفضت قيمة هذه الأصول عندما ارتفعت أسعار الفائدة. ويشعر بنك الاحتياطي الفيدرالي بالقلق من أن بعض البنوك الأخرى قد تفشل إذا تم رفع أسعار الفائدة أكثر.
محاربة التضخم
- قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الأربعاء، إن البنك قطع شوطاً طويلاً في محاربة التضخم، وإن الأثر الكامل للتشديد النقدي سيظهر لاحقاً.
- أكد التزام الفيدرالي بخفض التضخم إلى مستهدفاته عند 2 بالمئة. كما أشار إلى أنه لن يكون من الملائم خفض معدلات الفائدة خلال العام الجاري.
- شدد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي على أن جميع مسؤولي البنك تقريباً يتوقعون المزيد من رفع أسعار الفائدة هذا العام.
- أشار إلى أنه حتى مع عدم اتخاذ المسؤولين قرارا بما سيفعلونه في هذا الصدد في الاجتماعات المقبلة، فإن اجتماع اللجنة الاتحادية للسوق المفتوحة لشهر يوليو تموز قد يشهد زيادة أخرى في سعر الفائدة.
- لكنه لفت في الوقت نفسه إلى أنه من المتوقع تراجع الفائدة بنسبة 1 بالمئة في 2024، و2 بالمئة بحلول نهاية العام 2025. وقال إن “الطريق طويلة أمام إعادة التضخم إلى 2 بالمئة”.
تقييم الموقف
وإلى ذلك، يشير أستاذ الاقتصاد بكلية ويليامز، كينيث كوتنر، في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن قرار الفيدرالي الأميركي كان متوقعاً إلى حد بعيد، في ظل تباطؤ معدلات التضخم، وبالتالي كان من المتوقع أن يلجأ بالفعل إلى إيقاف وتيرة رفع الفائدة مؤقتاً.
ويوضح أن الفيدرالي يريد للسوق التوقف مؤقتاً من أجل “تقييم الموقف” ومعرفة التأثيرات الناجمة عن الارتفاعات السابقة بالأسعار، وإذا استمر التضخم في الانخفاض، فقد تكون تلك الارتفاعات هي الأخيرة.
لكنّ كوتنر كان قد تحدث أيضاً عن سيناريو “الركود” الذي يُهدد الاقتصاد، وهو السيناريو الذي سوف تصاحبه مجموعة من المتغيرات في اتجاهات السياسة النقدية بالبلاد، في وقت يبدو فيه أن الفيدرالي يميل إلى الحفاظ على مستوى الفائدة.
معدلات التضخم
- واصل معدل التضخم السنوي في أميركا تراجعه، خلال مايو الماضي، للشهر الـ 11على التوالي، ليسجل أدنى مستوياته في أكثر من عامين.
- وأظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل، الصادرة الثلاثاء، أن معدل التضخم السنوي في أميركا انخفض إلى 4 بالمئة في مايو، مقابل 4.9 بالمئة في أبريل، وهو ما جاء أفضل من التوقعات بانخفاضه إلى 4.1 بالمئة فقط.
- وعلى أساس شهري ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 0.1 بالمئة في مايو، متماشيا مع التوقعات، بعد أن ارتفع 0.4 بالمئة في أبريل.
- وبالنسبة لمؤشر التضخم الأساسي -الذي يستثني الغذاء والوقود- فقد تباطأ للشهر الثاني على التوالي مسجلا 5.3 بالمئة، مقابل 5.5 بالمئة في أبريل، وهو ما جاء أعلى من التوقعات بانخفاضه إلى 5.2 بالمئة.
- وعلى أساس شهري، سجل معدل التضخم الأساسي 0.4 بالمئة في مايو، بالمقارنة مع أبريل، بما يتماشى مع التوقعات، ودون تغيير عن الشهر السابق.
ومنذ مارس 2022، تم رفع معدل الفائدة الرئيسي للاحتياطي الفيدرالي بمقدار 5 نقاط مئوية، ليستقر ما بين 5 و5.25 بالمئة.
الضغوط التضخمية
وإلى ذلك، فإن استاذ الاقتصاد بجامعة ماساتشوستس الأميركية، روبرت بولين، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعدم رفع سعر الفائدة لأول مرة منذ 15 شهراً يعكس حقيقة أن الضغوط التضخمية التي تلاحق الاقتصاد الأميركي قد هدأت.
ويضيف: “في الواقع، ظلت الضغوط التضخمية تنحسر منذ عدة أشهر.. بنك الاحتياطي الفيدرالي يلحق بالركب ببطء.. والآن بعد أن أصبح لدى الاحتياطي الفيدرالي فرصة لالتقاط الأنفاس، فقد حان الوقت لصناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي وفي الوكالات الحكومية الأخرى للبدء في إدخال تدابير بديلة للتحكم في التضخم”.
يمكن أن تشمل هذه التدابير -في تقدير الأكاديمي الأميركي- ضرائب أرباح غير متوقعة، وإنفاذ أكثر صرامة لمكافحة الاحتكار.
ويشدد بولين على أن النقطة الحاسمة هي أن الدافع الرئيسي للضغوط التضخمية خلال العام الماضي كان هوامش الشركات لتحقيق أرباح احتكارية في مواجهة نقص العرض قصير الأجل.
سيناريو الركود
وحول سيناريو “الركود” الذي كان يهدد الاقتصاد الأميركي، يشير المدير التنفيذي في شركة VI Markets، أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن بيانات الفيدرالي الأخيرة كانت واضحة، وتشير إلى أن فكرة الركود صارت مستعبدة إلى حد كبير، لا سيما مع رفع توقعات النمو إلى 1 بالمئة، علاوة على رفع توقعات تراجع معدل البطالة عند 4.1 بالمئة في 2023 مقارنة مع 4.5 بالمئة في توقعات شهر مارس الماضي، وبما يعكس تحسن التوظيف.
ويضيف: بيان الأمس غيّر التوقعات التي كانت تتخوف من سيناريو الركود، وحاول أن يؤكد على أن الاقتصاد الأميركي قوي ومتماسك”، مشيراً إلى أن تأثير تلك البيانات قد يبدو متبايناً، لا سيما أن الفيدرالي حاول أن يمسك العصا من المنتصف، ففي حين أنه يتوقع نمواً 1 بالمئة وبينما بيانات التوظيف قوية، لكنه ألمح إلى رفع الفائدة خلال العام الجاري، وعندما سئل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، عن ذلك، قال إن “البيان غير ملزم ويُمكن أن يتغير رأينا في حالة تحسن البيانات”.
يقول معطي إن “نبرة تفاؤل حذرة” غلبت على تصريحات باول، الذي ترك الباب مفتوحاً أمام السيناريوهين، في ضوء أن الأمر مرتبط بتحسن البيانات.
ويوضح أنه مع احتمال أن يحدث تراجع في الاقتصاد، إلا أن هذا التراجع سيكون طفيفاً، في ضوء أن الفيدرالي يرى تحسناً في الأفق وقد رفع توقعاته بشكل طفيف للنمو، ولا سيما في ظل الأداء القوي الذي يقدمه قطاع الذكاء الاصطناعي بشكل خاص.