روسيا وأوكرانيا: ماذا يتطلب الهجوم العسكري الأوكراني لينجح؟
- فرانك غاردنر
- مراسل الشؤون الأمنية- بي بي سي
“لا تسموه هجوما مضادا”، هكذا يطالب الأوكرانيون، “إنه هجومنا وفرصتنا لطرد الروس أخيرا من أراضينا”.
لكن ما الذي يحتاجه هذا الهجوم لينجح في تحقيق أهدافه؟
أولا دعونا لا نشتت أنفسنا، بإعطاء الكثير من القيمة للمعارك القوية التي أدت إلى استعادة الأوكرانيين مناطق قليلة ومحدودة، بعضها مجرد قرى نصف مسكونة في إقليم الدونباس، وفي جنوب شرق زاباروجيا.
وبعد أشهر عديدة من التأخير، بدأت صور النجاحات الأوكرانية تتابع من قبل الجنود المشاركين في العمليات، كما فعلوا في عدة قرى، رافعين الأعلام الصفراء والزرقاء الأوكرانية أمام المباني التي شوهت جدرانها بالطلقات.
لكن كل هذا لا يعد سوى عرض جانبي مقارنة بالهدف الكبير للعمليات.
فالساحة التي تكتسب الأهمية الاستراتيجية الأكبر، هي الجبهة الجنوبية، الواقعة بين زاباروجيا، باتجاه بحر أزوف في الجنوب، وهي المنطقة التي تعد بمثابة ممر يربط بين الأراضي الروسية، وشبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا من جانب واحد، عام 2014. هي المنطقة التي لم يطرأ عليها الكثير من التغيرات منذ استيلاء القوات الروسية عليها مع بداية الهجوم قبل نحو عام ونصف.
وفي حال تمكنت القوات الأوكرانية من التوغل في هذه المنطقة وشقها بحيث تقطع طريق الإمداد، حينها يمكن القول إن الهجوم الأوكراني، يحقق نجاحًا قيمًا، لأن ذلك يعني محاصرة القوات الروسية في الغرب، وقطع خط إمدادها في شبه جزيرة القرم.
وقد لا يعني ذلك نهاية الحرب بشكل مباشر، والتي يتوقع لها أن تستمر عدة سنوات، لكن موقفا كهذا سيعني إعطاء الأوكرانيين اليد الطولى في ساحة المعارك.
لكن الروس كانوا نظروا إلى الخرائط بالفعل في وقت سابق، وتوصلوا إلى النتائج ذاتها، لذلك استغلوا الوقت الذي أرسل فيه الأوكرانيون ضباطهم إلى الغرب لتلقي التدريب على أيدي قوات حلف شمال الأطلسي، الناتو، استعدادا للهجوم، وبدأوا تحصين خطوطهم لدرجة أنهم يعتبرون أن المنطقة أصبحت “الأكثر تحصينا على الإطلاق في العالم بأسره”.
وفي سبيل ذلك حولت روسيا المنطقة إلى حقول متتالية من الألغام، حتى ساحل بحر أزوف، وحواجز خرسانية لصد الدبابات، والمعروفة باسم “سن التنين”، ومواقع حصينة لإطلاق النار، وخنادق عميقة بما يكفي لإيقاف دبابات ليوبارد ألمانية الصنع، وأبرامز الأمريكية والتي دخلت المعركة.
وفي النهاية وضعت روسيا بطاريات المدفعية في مراكز حصينة يمكنها إمطار ساحات المعارك بالدانات المتفجرة، وتحويل المدرعات والدبابات الأوكرانية إلى جحيم متحرك قبل أن تصل إلى أهدافها.
وبذلك تبدو المؤشرات الأولية في جانب الروس، وترجح أنهم سيتمكنون من الاحتفاظ بمواقعهم.
وحتى الآن لم تدفع أوكرانيا بغالبية قواتها إلى ساحات المعركة، وبالتالي فالقوات لا تزال في مرحلة الاستطلاع واستكشاف مواقع بطاريات المدفعية الروسية، ونقاط ضعفها.
وبالنسبة للقوات الأوكرانية، فهي تقاتل بمعنويات عالية، وبهدف تحرير أراضيها من الاحتلال، بينما ينقص ذلك القوات الروسية، وفي الكثير من الأحيان فإن تدريبهم ضعيف ومعداتهم متهالكة مقارنة بالأوكرانيين.
وتأمل القيادة الأوكرانية في أنها لو تمكنت من تحقيق إنجاز عسكري، ربما يدفع ذلك نحو انهيار سريع للقوات الروسية، على مختلف الجبهات، بسبب المعنويات المتدنّية.
وفي الكفة الأوكرانية أيضا تقع المعدات العسكرية الحديثة التي وفرتها دول الناتو، على عكس معدات تستخدمها القوات الروسية من حقبة الاتحاد السوفيتي السابق، ويمكن للمدرعات والدبابات التي تمتلكها القوات الأوكرانية أن تتفوّق بميزات متعددة على نظيراتها الروسية، في ساحة المعركة.
لكن هل كل هذا يكفي لمواجهة قوة المدفعية الروسية، وهجمات الطائرات بدون طيّار؟
تتمتع روسيا بسبب مساحتها الشاسعة بميزات استراتيجية تفوق أوكرانيا، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي بدأ هذه الحرب، يعرف تلك الحقيقة جيدا، ويعرف أنه يمكنه تمديد المعارك إلى السنة القادمة. عندها ربما تتراجع الولايات المتحدة وحلفاؤها عن دعم الأوكرانيين، أو ربما أمكن ممارسة الضغوط عليها للوصول إلى حل وسط بصيغة دبلوماسية.
في النهاية يتبقى الغطاء الجوي. فالهجوم على عدو متحصن بشكل جيد من دون غطاء جوي كفء يعد مخاطرة كبيرة، والأوكرانيون يعرفون ذلك جيدا، خصوصًا بعدما نفد صبرهم، وهم يطالبون الغرب بإمدادهم بمقاتلات إف-16. ورغم ذلك لم تمنح الولايات المتحدة التي تصنع تلك المقاتلات، موافقتها إلا مؤخرا، وبعد انتهاء الاستعدادات للهجوم المضاد.
وربما تكون مقاتلات إف-16، قد وصلت متأخرة بشكل كبير بالنسبة للأوكرانيين، لتلعب دورا كبيرا في المرحلة الأولى من الهجوم المضاد.
ومرة أخرى يبرهن الأوكرانيون مدى حاجتهم لسرعة الاستجابة إلى طلباتهم، وإمدادهم بالسلاح والذخيرة. فقد تمكنوا قبل أشهر، من دفع القوات الروسية إلى التراجع من منطقة خيرسون باستخدام أسلوب ضرب الخطوط الخلفية، وقطع خطوط الإمداد، بحيث لم تعد قادرة على الاحتفاظ بجنودها في المدينة.
وسوف تحاول القوات الأوكرانية استخدام الصواريخ بعيدة المدى، مثل ستورم شادو البريطانية، في تفعيل الخطة ذاتها مرة أخرى. لكن في ظل حملات الدعاية، والدعاية المضادة، ربما يستغرق الأمر عدة أسابيع، وربما عدة شهور، حتى نتمكن من الحصول على مؤشرات واضحة على ما يحدث بالفعل على أرض الواقع.