أخبار العالم

الوردي ينادي بوقف نزيف هجرة الأطباء



أبرز الحسين الوردي، وزير الصحة السابق، أهمية الصحة ودورها في التنمية، حيث أكد أنه من الأهمية بمكان أن يحظى الناس أجمعون بتحسين الصحة وليس فقط بعض الفئات.

وأشار الوردي، في مداخلة مفتاحية ألقاها خلال ندوة وطنية في موضوع “السيادة الصحية في جنوب المتوسط ورهان تحقيق الأمن الاستراتيجي” أقيمت يومي الخميس والجمعة 08 و09 يونيو الجاري برحاب الكلية متعددة التخصصات العرائش التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، إلى أن المنظومة الصحية المغربية عرفت تحولات مؤسساتية وقانونية؛ إلا أنها لم تستطع تحقيق العدالة الصحية لاعتبارات متعددة ومتنوعة؛ منها ما هو بنيوي ومنها ما هو هيكلي عميق. ومن ثم، فالأمر يحتاج إلى اتخاذ قرارات سياسية حاسمة من طرف الحكومة ككل، وليس الوزارة الوصية على قطاع الصحة وحدها.

خلص وزير الصحة السابق، في مداخلته التي استمرت زهاء ساعة كاملة، إلى ضرورة الانتقال من سياسة صحية لمنح العلاجات إلى سياسة للحفاظ على الأمن الصحي، والانتقال من سياسة صحية اجتماعية إلى استراتيجيات لتحقيق الأمن الصحي للأمة المغربية.

وفي هذا الصدد، أكد الوردي على ضرورة وقف نزيف هجرة الأطباء، حيث أبرز بالأرقام حجم الخصاص الذي يعاني منه القطاع الصحي بالمغرب، وعدد الأطباء الذين يهاجرون إلى خارج المغرب رغم أن الدولة تنفق على كل واحد منهم حوالي 140 مليون سنتيم، ولأنه لدينا حوالي 14 ألف طبيب قد غادروا المغرب، فإن ما يناهز 14 مليار درهم أنفقت من ميزانية الدولة دون تحقيق النتيجة المرجوة، مقترحا في هذا السياق مجموعة من الإجراءات للمساهمة في الحد من هذه النزيف، إضافة إلى مقترحات أخرى وسمها بـ”الأمن الصحي والسيادة الصحية.. دعامتان أساسيتان لبلورة النموذج التنموي الجديد بالمغرب”.

وتطرق الباحثون والمختصون من تخصصات علمية مختلفة وكذا العاملون بميدان الصحة المشاركون في هذه الندوة العلمية، التي نظمها مركز تكامل للدراسات والأبحاث وشعبة القانون بالكلية متعددة التخصصات بالعرائش بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل، لمختلف جوانب الموضوع، موزعة على ست جلسات وورشات علمية، بالإضافة إلى الجلسة المفتاحية، تم جلسة ختامية؛ وهو ما أضفى على هذه الندوة خصوصية في خلق مجال علمي للنقاش يعتمد حقولا معرفية متنوعة وبمستويات مختلفة وبمقاربات ميدانية.

وقد تلث هذه المداخلات مناقشات مستفيضة تناولت مختلف الجوانب المرتبطة بالموضوع، ليخلص المتدخلون على خلاصة مفادها أن الآليات التي أوجدها المشرع المغربي هي آليات مهمة؛ لكنها تبقى قاصرة وغير كافية. وبالتالي، يجب تعزيزها بتدابير جديدة.

كما تم التأكيد على أن مبدأ العدالة الصحية المجالية كهدف أساسي لم يتحقق بعد، وما زال بعيد المنال نظرا للاختلالات المتنوعة، على مختلف المستويات (الموارد البشرية والموارد المادية والمالية ومجال التدبير، واحترام خصوصيات المجالية الترابية…).

وأبرزت المداخلات أن كثرة النصوص القانونية وتعدد السياسات والاستراتيجيات القطاعية ليس مؤشرا على النهوض أو تحقيق عدالة مجالية في الولوج للعلاجات الصحية، في غياب توفير شروط مناسبة (بشرية ومادية ومالية، جهوية حقيقية…) على أرض الواقع لتطبيق تلك النصوص والسياسات.

وتمخض عن أشغال الندوة العلمية الوطنية، من خلال المداخلات وعلى ضوء النقاش الذي أثارته، مجموعة من المقترحات التي تمحورت حول ضرورة اعتماد الحكامة الصحية من خلال النهوض بالمنظومة الصحية وتعزيز حكامتها لجعلها قادرة على مواجهة الآفات والأزمات الصحية؛ وإيجاد بيئة تشريعية وتنظيمية حاضنة للتحول الذي يعرفه مفهوم الأمن الصحي، وجعلها كفيلة بضمان فعالية كافة الإجراءات المتخذة لمواجهة المخاطر الصحية؛ وكذلك الحرص على التوزيع العادل والمنصف للمواطنات والمواطنين للولوج للخدمات الصحية، بما تتضمنه هذه العدالة من إنصاف في توزيع الموارد البشرية على جميع المؤسسات الصحية في مختلف المناطق لكي تكون قادرة على الاستجابة لمتطلبات المرتفقين في أية منطقة.

وقد أوصت بعض الأوراق بأهمية الإسراع في تنزيل مبادئ وأخلاقيات مهنة الطب، واعتماد التكوين المستمر للعنصر البشري لمواكبة التطورات الحاصلة في منظومة الصحة العالمية؛ مما يستلزم هذا العنصر من الاعتمادات المالية الكفيلة بتمويل المشاريع التنموية الصحية والبنيات التحتية الصحية في سبيل الوصول إلى الخدمات الصحية وضمان العدالة الصحية.

كما أوصى المتدخلون بالرقي بالعنصر البشري مع تمكينه من مقومات العطاء من تحفيز وتحسين ظروف العمل وظروف العيش؛ عبر إرساء منظومة للأجور مبنية على الاستحقاق والمردودية وهي الإجراءات والآليات التي من شأنها أن تساهم في تعزيز القطاع الصحي العمومي بالكفاءات اللازمة، وترفع جاذبية القطاع الصحي العمومي بالنسبة لمهنيي الصحة، وتُمَّكِنُ من تجاوز إكراهات ضعف كثافة الأطر الصحية نسبة لعدد السكان، وكذا تجاوز تفاوتات توزيعها المجالي والجهوي والتفاوتات المرتبطة بنوعية العرض الصحي وشبكات العلاجات، مما ينعكس إيجابا على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرتفقين؛ إضافة إلى وضع الصناعة الدوائية والمستلزمات الطبية في صلب اهتمامات الفاعل الحكومي، مع العمل في الوقت ذاته على تطويرها وحمايتها.

كما ناقش المشاركون إشكالية هجرة الأطر الصحية والطلبة الدكاترة المتخرجين إلى الخارج، وتشجيع الأطر الخارجية للدخول إلى المغرب، وبناء تعاون فعال بين القطاع العام والقطاع الخاص، مع الزيادة في الميزانية المخصصة للقطاع الصحي.

بالموازاة مع ذلك، تم التأكيد على راهنية الاستثمار في البحث العلمي لا سيما في ظل ثورة التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، ما يفرض رقمنة المجال الصحي بالمغرب، وخفض أثمنة العلاجات غير الضرورية وتشجيع الفحوصات الطبية عن بعد.

جدير بالذكر أن هذه الندوة العليمة تأتي في سياق يشكل فيه مبدأ السيادة الصحية هاجسا مشتركا بين مختلف الفاعلين إسهاما من المنظمين لهذه التظاهرة العلمية وانخراطا منهم في إثراء النقاش العمومي الراهن على إثر ما خلفته جائحة كورونا من آثار وخيمة، إن على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي، ووضع صعب أبان عن هشاشة النظام الصحي في توفير الأمن الصحي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى