آخر خبر

الضمير بين الشاورما الوهمية والمساكن الواهية!


شعرت بالجوع فذهبت إلى أقرب مطعم لبيع ساندويشات الشاورما وطلبت قطعتين من الحجم الكبير، عدت إلى المنزل وأنا سعيد فالشاورما تبدو كبيرة الحجم، وهي إلى جانب ذلك ملفوفة من الخارج بكيس ورقي مطرز عليه اسم المطعم وشعاره وأرقام الهواتف والبريد الالكتروني وموضوعة داخل صندوق كرتوني أنيق مغلق بإحكام. أما الكيس الخارجي فيحتوي على منديل معطر وشوكة وملعقة بلاستيكية موضوعة داخل مغلف شفاف.

بدأت أدندن مع نفسي على طول الطريق وأردد عبارة «الجميل من الخارج هو أجمل من الداخل» نعم هذه هي قاعدتي التي أؤمن بها دائما، فالجمال الخارجي يعكس جمالا داخليا أو هكذا كما أعتقد. والأجمل من ذلك كله أنى سوف أستمتع بهذه الوجبة لوحدي.

وضعت الوجبة على طاولة الطعام ثم غسلت يدي جيدا وأنا أختلس النظر لها من بعيد بلهفة وإعجاب، جلست على الكرسي لأرمقها بعيني مرة أخرى وسال لعابي بشدة وبدأت بتمزيق العلبة الخارجية الفاخرة ثم الكيس الورقي الداخلي والذي يلفها من جميع الجهات بسرعة ودون انتظار لأبدأ فصول الاستمتاع. اللقمة الأولى في فمي خرج منها مجموعة من الصلصات البيضاء والبرتقالية والصفراء فقلت لنفسي: مهلا إنها البداية وربما يأتي الخير في اللقمة الثانية فإذا بي أتذوق طعم الخبز الممزوج بالثوم والبطاطس المملح والخس والمخلل.. قررت عندئذ فتح الساندويش من الداخل لأجد أربع حبات بطاطس مقلية وكمية كبيرة جدا من الخس وخيار مخلل وتشكيلة واسعة من الصلصات الملونة وحبيبات بسيطة من الدجاج المتناثر والغارق في بحر الصلصات. مشهد لا يسر الناظرين فالمبلغ الذي دفعته مقابل هذه الوجبة الوهمية ليس قليلا فلماذا أستحق كل هذا الشقاء؟ لماذا لا يحق لي الاستمتاع بوجبة حقيقية متكاملة ومليئة بقطع الدجاج فقد دفعت قيمتها بالتام؟ إنه الاستغلال، بل هو الاستغفال بعينه الذي جعلني أشعر حينها وكأني كيس بلاستيكي يطير في الهواء بلا قيمة.

جلست على الكرسي حزينا مهموما واستغرقت في التفكير العميق لأهون على نفسي فمن من رأى مصيبة غيره تلاشت مصيبته أمام بحور المتاعب. استذكرت حينها واقع (بعض) العقارات السكنية التي تعرض بأسعار فلكية وتبدو جميلة بهية كعروس مزينة من الخارج وخاوية من الداخل، حالها كحال قطعة الشاورما التي لازال نصفها في قبضة يدي والنصف الآخر أحاول أن أمضغه في فمي.

تسوق هذه الوحدات السكنية من قبل هواة التسويق والإعلان وتلحق بصور الحدائق الغناء، والأشجار الخضراء، والسماء الزرقاء لتستلهم الروح والعقل والفؤاد وتتملك الجوارح والوجدان. وهكذا، يدفع المستفيد ما يملكه من أموال مهرا لمسكن الأحلام، إنها تجارة الأوهام؛ فلا خدمات متكاملة، ولا حدائق خضراء، ولا أحلام وردية، ومع مرور الأيام، تتجلى الحقائق لتبدو واضحة للعيان؛ وعندئذ يصبح المالك في خبر كان، لقد فات الأوان وتجرعت مرارة الأوهام.

مساكن تبدو كسراب أو طيف جميل حالم، في ظاهرها جمال بديع يروي ظمأ الحيران، ويشفي غليل الواله اللهفان، وفي باطنها قبح وظلام، تصدعات في المسكن، وشوارع متهالكة تملؤها الفيضان.

باختصار، إنها المساكن الواهية كما هي وجبتي الوهمية القاسم المشترك بينهما هو الضمير.. ذاك الضمير الغائب.. أيها الطائر الحزين رجوتك أبلغ سلامي لذاك الضمير الغائب وأخبره أني أعاني لوعة الاشتياق فمتى يعود؟



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى