أخبار العالم

ترقب لاجتماع 22 يونيو.. الاقتصاد التركي إلى أين؟



تكشف أحدث المؤشرات الاقتصادية عن جوانب من أزمة الاقتصاد التركي، مع تسجيل الليرة تراجع جديد إلى مستوى تاريخي أخيراً، فضلاً عن انخفاض صافي احتياطيات النقد الأجنبي في وقت تسعى فيه السلطات إلى تلبية الطلب على النقد الأجنبي وتحقيق استقرار سعر صرف العملة المحلية، وفي ضوء ما يتردد بشان تخفيف الحكومة قبضتها على الليرة.

وفي هذا السياق، يُنظر إلى الاجتماع المرتقب للبنك المركزي التركي، والمقرر عقده في 22 يونيو الجاري، وبعد تعيين حفيظة غاية أركان، على اعتباره “الاختبار الأول” في فترة رئاسة أردوغان الجديدة، والذي سيكشف عن طبيعة السياسات التي سوف يتم اتباعها في المرحلة المقبلة، وما إن كانت تركيا ستغير سياساتها “غير التقليدية” المرتبطة بخفض الفائدة في المرحلة الحالية الجديدة، أم ستتواصل تلك السياسة رغم ارتفاع معدلات التضخم؟

يتحدد بناءً على نتائج اجتماع المركزي المرتقب بشكل كبير الاتجاهات المستقبلية للاقتصاد التركي، والذي يواجه مجموعة من المشكلات الهيكلية، والتحديات واسعة المدى، سواء المرتبطة بتلك السياسات “غير التقليدية” وكذلك بالتعرض للصدمات الخارجية بدءًا من جائحة كورونا وآثارها ووصولاً إلى الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن الزلزال المُدمر الذي ضرب عشر مدن تركية في السادس من شهر فبراير الماضي.

أزمة الاقتصاد التركي

مستشار البنك الدولي، استاذ الاقتصاد الدكتور محمود عنبر، يشير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:

  • الاقتصاد التركي -منذ مرحلة ما قبل الحرب في أوكرانيا وتداعياتها- كان يعاني من مشاكل هيكلية أساسية واضحة.
  • أثرت تلك المشكلات بعد ذلك بشكل مباشر على الليرة التركية التي سجلت مستويات تاريخية متدنية، والتي انخفضت بشكل كبير، وكذلك الحال بالنسبة لمعدلات التضخم التي بلغت في أكتوبر الماضي أكثر من 85 بالمئة.
  • كما شهد الاقتصاد التركي أيضاً -وتبعاً لتلك المشكلات الهيكيلة وتبعات الأزمات المتتالية- تراجعاً في الإنتاجية.

وتراجعت الليرة التركية لمستوى تاريخي منخفض، خلال تعاملات الجمعة، وكانت في جلسة الأربعاء قد شهدت أكبر انخفاض لها منذ انهيار تاريخي في 2021.

وخسرت الليرة أكثر من 19.9 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام، وتفاقمت تراجعاتها منذ انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان لولاية ثالثة الشهر الماضي.

ويضيف عنبر: “السبب الرئيسي وراء تلك المشكلات يتمثل في السياسة المالية والنقدية المُتبعة في تركيا، والتي كان يسيطر عليها إلى حد كبير الرئيس أردوغان، فيما يعد توغلاً من قبل الرئاسة في العمل الفني الخاص برسم السياسة النقدية، وبما كان له انعكاسات سلبية على الأوضاع الاقتصادية”.

ويشير إلى أن “هذا الخلل تبعته التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، والتي كانت لها تأثيرات على جميع دول العالم، لا سيما الدول ذات الاقتصاد المنكشف، الأكثر تأثراً بالصدمات الخارجية”.

ويتابع مستشار البنك الدولي: “رغم ذلك، وفي الوقت الذي لجأ فيه كثير من البنوك المركزية بما في ذلك الفيدرالي الأميركي إلى اتخاذ إجراءات التشديد النقدي (مجموع الإجراءات التي تتبعها البنوك المركزية لتقليل الطلب على النقود) لكبح جماح التضخم، ومن خلال رفع أسعار الفائدة، إلا أن المركزي التركي التي اعتمد على سياسة غير تقليدية، ومضى في خفض الفائدة على نحو كانت له آثاره السلبية على الاقتصاد”.

  • تم تعيين حفيظة غاية أركان، وهي مسؤولة تنفيذية في القطاع المالي بالولايات المتحدة، رئيسة للبنك المركزي التركي، في الوقت الذي يستعد فيه البنك لتغيير المسار وتشديد السياسة بعد سنوات خفض فيها أسعار الفائدة وشهدت أزمة غلاء المعيشة.
  • قبل تعيين محافظ البنك المركزي السابق في مارس 2021، كان أردوغان أطاح بسابقيه الثلاثة لتشديدهم السياسة النقدية على غير رغبته.
  • لم يرفع المركزي التركي أسعار الفائدة تحت قيادة المحافظ السابق الحالي شهاب قاوجي أوغلو، على الإطلاق، بل خفضها إلى 8.5 بالمئة، مقارنة مع 19 بالمئة في بداية توليه المنصب.
  • كان أردوغان يطالب بشكل علني بخفض الفائدة دون مستوى 10 بالمئة، ووعد بذلك أكثر من مرة، حيث يرى أن ذلك من شأنه يدعم الإنتاج والاستثمار.

تحسن “مشروط”

وطبقاً لعنبر، فإن “التقديرات المستقبلية تشير إلى بعض التقدم في الفترة المقبلة فيما يخص الاقتصاد التركي”، مستدلاً بتقارير البنك الدولي في ذلك الصدد. لكنه يعتقد بأن “هذا التقدم مرهون بعددٍ من العوامل؛ أهمها الإدارة الصائبة للسياسات المالية، والاستقرار على المستوى الأمني والسياسي، والشفافية في إدارة الملف الاقتصادي”.

وواصل صافي احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي التركي، انخفاضه إلى مستوى متدن جديد على نحو قياسي في الأسبوع المنتهي في الثاني من يونيو. وكشفت بيانات، الخميس، أن صافي احتياطيات النقد الأجنبي تراجع إلى 5.7- مليار دولار، وهو أدنى مستوى مسجل على الإطلاق.

وانخفض صافي احتياطيات البنك المركزي بنحو 1.3 مليار دولار في الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى مسجل منذ بدء نشر البيانات في 2002.

ويضيف مستشار البنك الدولي: “إذا استمرت إدارة الملف الاقتصادي على نفس الوضع السابق فلن يكون هناك تقدم ملموس ولن تتحقق تلك التقديرات المستقبلية الإيجابية” مع الأخذ في الاعتبار تبعات الزلزال الذي ضرب عدد من المدن التركيا وخلف خسائر فاقت الـ 35 مليار دولار، بينما لم تحقق الحكومة التركية الاستقرار الاقتصادي الذي تعهدت به حتى الآن، وفي ظل تحديات واسعة يشهدها ذلك الملف.

  • عدل البنك الدولي توقعاته حول الاقتصاد التركي للعام 2023 بتحقيق نمو بنسبة 3.2 بالمئة بدلاً 2.7 بالمئة التي توقعها مطلع العام الجاري.
  • كما رفع البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد التركي للعام 2024 بنسبة 4.3 بالمئة بدلا من 4 بالمئة في السابق، وتوقع نسبة 4.1 بالمئة في العام 2025.
  • توقع تقرير البنك الدولي أن يتسبب الزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير الماضي في خسائر بنحو 34.2 مليار دولار.
  • أظهرت بيانات رسمية، نهاية الشهر الماضي، أن الاقتصاد التركي نما أربعة بالمئة في الربع الأول هذا العام، متجاوزا التوقعات قليلا.
  • بحسب بيانات من معهد الإحصاء التركي أن الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول زاد 0.3 بالمئة عن الربع السابق على أساس معدل موسميا ووفقا لاعتبارات التقويم.

وفي تقدير مستشار البنك الدولي، فإنه حال التمسك بنفس السياسة غير التقليدية المرتبطة بأسعار الفائدة المتدنية، فإن الاقتصاد التركي سيواجه مزيداً من الإشكاليات.

وتوقع عدد من البنوك والمحللين، مسار الفائدة المستقبلي بعد هذه التغيرات في الحكومة التركية، سواء في الاجتماع المقبل الشهر الجاري، أو فيما بعد ذلك.

  • سوسيته جنرال: يتوقع محللو البنك أن يرفع المركزي التركي أسعار الفائدة بـ 650 نقطة أساس.
  • جيه بي مورغان: يتوق محللو البنك أن يرفع المركزي معدل الفائدة بـ 1650 نقطة أساس دفعة واحدة (وهي إذا ما حدثت بالفعل، فتكون أكبر زيادة يقوم بها البنك المركزي التركي منذ 2010).
  • باركليز: يتفق محللو باركليز مع محللي جيه بي مورغان فيما يخص القرار المرتقب، لجهة الرفع 1650 نقطة أساس.

مؤشرات إيجابية

من جانبه، يعتقد الباحث المتخصص في الشؤون التركية، كرم سعيد، بأن تشكيلة الحكومة التركية الجديدة توحي بعدة مؤشرات، يرصدها في تصريحات خاصة لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية” على النحو التالي:

  • جذب مجموعة من التكنوقراط والقائمين على الملفات بشكل احترافي (لا سيما فيما يخص وزير المالية محمد شيمشك، وجودت يلماز النائب الجديد للرئيس التركي).
  • الدفع بعناصر لها سمعة وحضور واسع في الأوساط المحلية والدولية، وتحظى بثقة المستثمرين الأجانب، خاصة الوزير شيمشك (الأمر الذي يعد عاملاً مشجعاً للمستثمرين الأجانب).
  • الاتجاه نحو “تحجيم” تدخل الرئيس التركي في مسألة رسم السياسة النقدية بالبلد.

ويشير إلى أن تلك المؤشرات من شأنها دعم السياسة الاقتصادية في الاتجاه الصحيح، وبما يدعم تقديرات إيجابية على مستوى الاقتصاد التركي مستقبلاً، أيضاً جنباً إلى جنب مع السياسات الخارجية التي يتم ترتيبها لجهة قدرة تركيا على الانفتاح على محيطها الإقليمي وتصفير المشكلات، وفي ظل وجود هاكان فيدان وزيراً للمالية، والذي كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات.

ويحدد سعيد أبرز الملفات الاقتصادية ذات الأولوية التي تضعها الحكومة التركية نصب أعينها في المرحلة الحالية، وأهمها:

  • محاصرة التدهور في سعر الليرة (فقدت أكثر من 19.9 بالمئة من قيمتها منذ بداية 2023، وكانت قد خسرت 29 بالمئة في 2022، و44 بالمئة في 2021).
  • النزول بمعدلات التضخم إلى خانة الآحاد (بعد أن سجلت معدلات التضخم أعلى مستوى لها في نحو ربع قرن تقريباً أكتوبر الماضي بـ 85.51 بالمئة، قبل أن تتراجع المعدلات إلى 39.59 بالمئة في مايو).
  • أزمة تراجع الاستثمارات الأجنبية.
  • ارتفاع الديون الخارجية (في وقت تجاوز فيه عجز موازنة تركيا 13 مليار دولار في الربع الأول من 2023).
  • تبعات الزلزال والكلفة الاقتصادية (التكلفة قد تصل إلى 100 مليار دولار لإعادة الإعمار).

تعزيز الثقة

الكاتب الاقتصاي التركي، ناغي بكير، يقول لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “أنا لست متفائلاً جداً.. إن أكبر مشكلة الآن هي نقص الاستعانة بمصادر خارجية (في إشارة لتراجع الاستثمارات الخارجية).. الأمر يتطلب خطوات من أجل تعزيز الثقة والقانون والاستقرار بالبلد”.

ويشير إلى أن هناك انتخابات محلية في مارس من العام المقبل، وحتى ذلك الحين، إذا حصلت الحكومة على موارد كافية لسداد الدين الخارجي وتمويل عجز الحساب الجاري وإبقاء الاقتصاد واقفاً على قدميه، فسيتم تأجيل الانهيار الاقتصادي الكبير وستتاح لأردوغان فرصة في هذه الانتخابات.

ويختتم حديثه قائلاً: “من أجل حل نهائي للانهيار الاقتصادي، يلزم إجراء تغييرات وإصلاحات جوهرية في المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية”.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى