«الثرثرة».. علاج مجاني للمشاكل النفسية
الشارقة: زكية كردي
نحتاج إلى مشاركة أفكارنا، والتعبير عن آرائنا ومشاعرنا، و«الفضفضة» عن مشاكلنا، ورؤية انطباعاتنا لدى الآخرين، ويبدو الأمر أشبه بالتحقق من وجودنا من خلال الآخر، لكن هذه الحاجة تزيد وتنقص تبعاً لمتغيرات شخصية واجتماعية كثيرة تحددها وتضعها ضمن قوانين لا مرئية، يعتاد البعض تجاوزها منحازاً إلى كثرة الكلام والثرثرة، بينما يعتاد آخرون الابتعاد عنها نتيجة تجارب وصدمات شخصية، لكن من الصعب الحكم أيهما على الطريق الصحيح، فالثرثرة علاج ذو حدين.
ترى وفاء غزالي، ربة منزل، أن الأشخاص الصامتين أكثر إيذاءً لأنفسهم من الذين يتحدثون كثيراً، وتقول: «من يتحدث كثيراً يتخلص من المشاعر السلبية وتأثيرها على الفور، ولا يترك مجالاً للمشاكل النفسية لتنمو داخله، لهذا أتمتع بقدرة كبيرة على الصفح وتجاوز المواقف الحياتية اليومية ببساطة، لأنني أتخلص من المشاعر السلبية التي تنتابني على الفور، وكثيراً ما تكون مشاعري السلبية نابعة عن سوء تفاهم، لهذا أجد أن الكلام جيد لأنه يصلح ما في القلوب».
تهور
يقول أحمد حسون، صاحب عمل خاص: «ينتقد الناس الشخص كثير الكلام، وقد يراه البعض متهوراً بالكشف عما في داخله»، مضيفاً أن «المجتمع معتاد على تنميق الصور، لكن هذا مضر بالصحة لنفسية لأن الصمت يمنعنا من التعبير عن أنفسنا والتنفيس عن الغضب لكثرة الحسابات والخشية من إيذاء مشاعر الآخرين، وهذا يراكم المشاكل النفسية والقدرة على التحمل، لهذا يجد الناس النميمة والسخرية على الآخرين في غيابهم أمراً ممتعاً، بينما يترددون في التعبير عن انتقاداتهم العادية بحضور الشخص المعني، ويضيف أنه يثق بالشخص الثرثار الذي يعبر عن غضبه من دون ضوابط أكثر مما يثق بالأشخاص الكتومين».
تختلف معه نوار مسعود، معلمة متقاعدة، وتقول: «من خبرتي في الحياة تعلمت أن الصمت الطريق الأسلم للحفاظ على العلاقات مع الناس، فالبوح والتعبير عن المشاعر والأفكار التي تجول داخلنا، تحتاج إلى شخص نثق به، وباهتمامه بالاستماع إلينا، الناس مثقلون بأفكارهم ومشاكلهم الخاصة، هذا ما أفكر فيه عادة، ولهذا أفضل الامتناع عن إزعاج الآخرين برغبتي بالثرثرة».
وتضيف أن جميع البشر بحاجة للكلام والتواصل، لكن الفضفضة تكون مع الأصدقاء المقربين جداً، ولا يمكن أن نتخلى عن حدودنا الشخصية وحواجزنا الخاصة مع جميع البشر، لأن هذا سيجعل الحياة فوضوية بشكل غير معقول.
أنانية
يذهب سعود مبارك، موظف، إلى أن «الشخص الثرثار أناني، حتى إن لم يكن يعلم بهذا، فالثرثرة مرهقة للشخص المتلقي»، ويقول: «عادة ما يصر الثرثار على أن الكلام من حقه وحده، ويستأثر بالاهتمام وحده، وقد لاحظت هذا الأمر المشترك لدى الكثير من الأشخاص الثرثارين، حتى أكثرهم ذكاء وملاحظة. أولئك الذين يحاولون ضبط أنفسهم ومنح الآخر فرصة للمشاركة في الحديث، وإبداء شيء من الاحترام عند تحدث الآخر، نجدهم سرعان ما يعودون إلى التشبث بالحديث وتجاوز تعابير الآخر، سواء كانت مللاً، أو رغبة في الهرب».
ويضيف أن الثرثرة وفقدان الضوابط على الرغبة في الكلام تنمو لدى الشخص لعدم وجود أشخاص صريحين يخبرونه بأنه يكثر من الكلام، وأن الأمر مزعج، لهذا يجب أن نتحلى بشيء من الصراحة لنوقف الثرثار عند الشعور برغبتنا في هذا.
مساحة «للفضفضة»
يبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي قد فهمت هذه الحاجة الأساسية عند البشر، لهذا استطاعت أن تجذبهم إليها من خلال توفير مساحة للفضفضة والتواصل، حسب أمية الخليل، موظفة حكومية، وتقول: «أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دوراً في تشكيل عاداتنا في التواصل والتعبير عن أنفسنا وأفكارنا، حتى أنها باتت تؤثر في أفكارنا ذاتها، وهذا أمر يحسب لها في الحقيقة، فنجد مساحة لمشاركة مشاكلنا وآلامنا ومشاعرنا الجميلة بحرية لم نكن نتمتع بها بالأمس».
وتضيف أن مواقع التواصل «بدأت بتغيير عادات التعبير عن الذات لحساب الإنسان، وإن كان الكثيرون ينظرون إلى الأمر على أنه سلبي، لكن التحرر من قيود الصورة النمطية أمر جيد ومفيد».
مفيدة في حالات معينة
«الثرثرة نوع من أنواع العلاج، وهي مريحة نفسياً بلا شك»، حسب د. نادر ياغي، استشاري نفسي، ويقول: تكون مفيدة في حالات معينة، عندما يتحدث الشخص عن بعض المشاكل، وأحياناً يبحث عن نصيحة، أو دعم نفسي، أو تشجيع، لكن عندما يتحدث مراراً عن المشكلة ذاتها يكون مفعول ذلك سلبياً عليه، من حيث تأكيده على هذه المشكلة وجعلها محور حياته، كما أن الأمر يصبح مزعجاً عند المتلقي في الكثير من الأحيان.
ويلفت د. ياغي إلى أنه يجب ألا نحمّل الثرثرة أكثر مما يجب من حيث مفعولها العلاجي، فالشخص المستمع ليس مختصاً ولا طبيباً ليجيد تحليل هذه الثرثرة، أو المشاكل، وإعطاء النصيحة المناسبة بشأنها.
ويضيف أن الثرثرة الصحية مقبولة ومفيدة، وهي موجودة عند الجميع، أما الأشخاص الصامتون فهم كذلك غالباً نتيجة صدمة تعرضوا لها نتيجة الثرثرة، فكان الصمت ردة فعل لديهم.