آخر خبر

روسيا وأوكرانيا: كيف يستخدم الجيشان الروسي والأوكراني الحرب النفسية؟


روسيا وأوكرانيا: كيف يستخدم الجيشان الروسي والأوكراني الحرب النفسية؟

الحارث الحباشنة

بي بي سي نيوز عربي

في وقت تتصاعد فيه حدة القتال على طول خط الجبهة بين الجيشين الروسي والأوكراني، إذ تصل قذائف المدافع والطائرات المسيرة والصواريخ إلى عمق الأراضي الأوكرانية، ومؤخراً وصلت إلى العمق الروسي.

تدور معركة أخرى “نفسية وإعلامية” بين البلدين سعياً من كل طرف لتحقيق أهدافه، والتي تقوم على نشر معلومات تستهدف الخصم “عسكريين ومدنيين” والرأي العام العالمي أيضاً.

إذ باتت “الحرب النفسية” من أهم محاور ألية العمل العسكري الأوكراني في تصديه لروسيا، وقبل أيام أعادة وزارة الدفاع الأوكرانية نشر مقطع فيديو، على قناتها على تلغرام، يبدو أنه انعكاس للخبرات الغربية في إنتاج الدعاية الحربية الترويجية.

ويعطي الإعلان إشارات عن الطبيعة السرية للهجوم الأوكراني المضاد المتوقع، والذي يُراهن عليه أنه سيستعيد الأراضي الأوركرانية التي سبق وضمتها روسيا.

ويحث الفيديو الترويجي الذي يحمل عنوان “الخطط تحب الصمت”، الأوكرانيون على الصمت حيال الهجوم المضاد.

وجرى تصوير الفيديو بتقنية سينمائية احترافية، ونُشرت مع الفيديو رسالة مرفقة مفادُها “نحب الصمت…لن يكون هناك إعلان عن البداية”.

ودأب المسؤولون الأوكرانيون على مطالبة الشعب الأوكراني بعدم الحديث عن هذا الهجوم، قائلين إن ذلك يمكن أن يساعد العدو.

“حرب معلومات”

تندرج الحرب النفسية ضمن مجال أكبر يسمى حرب المعلومات أو عمليات المعلومات “information Operations”، وتتضمن كما يقول الخبير العسكري العميد صفوت الزيات، لبي بي سي الخداع والإخفاء العسكري وعنصر المفاجأة والتأثير على صانع القرار .

ويبين العميد الزيات، أن الحرب النفسية تتركز بشكل كبير على تقزيم الانجازات التي حققها الخصم، مقابل تعظيم العمليات والانجازات التي يحرزها من يدير هذه الحرب النفسية.

وتشهد الحرب الروسية الأوكرانية حرب نفسية مرهقة بين الطرفين مستمرة منذ اليوم الأول للحرب، وتأججت منذ ثلاثة أشهر، سواء على صعيد التصريحات أو “القصف الرمزي” لبعض المباني في عواصم ومدن الطرفين، وفق ما يؤكد العميد الزيات.

ضبابية التصريحات

وتتضارب التصريحات الأوكرانية بشأن الهجوم المضاد المزمع، في إطار ما يعتقد أنه خدعة عسكرية لعدم إعطاء الروس أي معلومات واضحة أو قابلة للتحليل.

إذ قال وزير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أوليكسي دانيلوف لبي بي سي، في 27 مايو – أيار الماضي، إن أوكرانيا مستعدة لشن هجومها المضاد الذي طال انتظاره ضد القوات الروسية، ولم يذكر موعداً لكنه قال إن “الهجوم لاستعادة الأراضي يمكن أن يبدأ غداً أو بعد غد أو بعد أسبوع”.

وفي ذات اليوم قال ميخايلو بودولياك، مساعد الرئيس الأوكراني، في حديث لصحيفة الجارديان البريطانية، إن العمليات الأولية مثل تدمير خطوط الإمداد أو تفجير المستودعات قد بدأت بالفعل ضمن الهجوم المضاد.

وفي الثاني من يونيو-حزيران الحالي، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه من الصعب أن يعطي العالم موعداً ليرى الهجوم المضاد، وأضاف أن الشيء الرئيسي هو أن “روسيا ترى ذلك وتشعر به أيضا”.

وبعدها بيومين فقط، صرح زيلنسكي أن أوكرانيا جاهزة للهجوم المضاد، مؤكداً أن قوات بلاده لا يمكنها الانتظار أكثر لحين استلام معدات جديدة.

وفي ذات اليوم صرح إيهور جوفكفا، كبير مستشاري الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للشئون الخارجية، بأن الهجوم المضاد لم يبدأ بعد لأن كييف لازالت تفتقر لعدد من الأسلحة والذخيرة.

ومن خلال استعراض هذه التصريحات “المتضاربة” يمكن أن يتشكل استنتاج بأن أوكرانيا تدرس تصريحاتها بدقة لتحقيق هدف الخداع العسكري، قبيل الهجوم المضاد، وفق العميد الزيات.

ويستغل الجيش الأوكراني سلسلة النكسات التي مني بها الجيش الروسي وعمليات الانسحاب التي اضطر إليها، للترويج أن خطة روسيا الأولية في غزو أوكرانيا قد فشلت، وهو ما يعزز الروح المعنوية للمقاتلين الأوكرانيين ويثبط من عزم القوات الروسية.

“الهجوم المضاد حقيقة قادمة”

ونظراً للقراءات العسكرية الموجودة على طاولة التحليل، يكشف العميد الزيات لبي بي سي، أن الهجوم الأوكراني المضاد قادم، ويستند الزيات في تحليله على التصريحات القادمة من واشنطن، إذ أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، أن “الولايات المتحدة واثقة من أنها لبّت احتياجات كييف للهجوم المضاد”.

ويبني الزيات تحليله على التصريحات القادمة من موسكو، التي أعلن منها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قبل أيام، أن الهجوم الأوكراني الذي طال انتظاره منذ فترة طويلة على قطاعات مختلفة من الجبهة قد بدأ على نطاق واسع.

وعادة ما تُحيط القرارات العسكرية سرية كبيرة فيما يتعلق بموعد الهجوم ومكانه وأهدافه، وفق الزيات، الذي لفت أن الجيش الأوكراني يحاول أن يزيد من تشتيت الجهد الحربي الروسي “فتارة نراه يحشد في الجنوب وتارة آخرى نراه يهاجم في الشرق”.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه موسكو أن مخططات الغرب حول الهجوم المضاد “ستبوء بالفشل”، يقول الزيات، إن روسيا تحاول أن تظهر الأوكرانيين وكأنهم يتخطبون كجزء من الحرب النفسية، واستشهد الزيات بتفجير سد نوفا كاخوفكا، الذي بين أن الروس يحاولون أن يدمروا صورة الجيش الأوكراني في أعين المدنيين والغرب.

“استراتيجية التهديد الوجودي”

وتتبنى روسيا استراتيجية “التهديد الوجودي” والتي تحدث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بهدف إقناع الرأي العام الروسي أن البلاد تتعرض لحرب تستهدف وجودها.

ويرنو الكرملين من هذه الاستراتيجية، أن يبين أن خيار “السلاح والحرب” كان هو الخيار العادل والوحيد أمام روسيا للحفاظ على كيانها، بعد أن استنفذت الخيارات الدبلوماسية لحل الأزمة مع كييف، وفق ما قاله الخبير الاستراتيجي عبدالله عبدالإله، لبي بي سي.

وبين عبدالإله، أن “استراتيجة التهديد الوجودي” نجحت إلى حد كبير في إقناع المواطنين الروس بـ”حتمية الحرب مع أوكرانيا وعدالتها”.

واستطاع بوتين، أن يعزز من استراتيجيته من خلال خطوات ملموسة حافظت على الاقتصاد الروسي من الانهيار بسبب العقوبات الغربية، بل واستغلت إدارة الرئيس الروسي، كما يقول عبدالإله، العقوبات لتثبت للرأي العام الروسي أن روسيا تشهد “حرباً كونية” عليها.

بالإضافة إلى تلويح بوتين، بالسلاح النووي “بشكل احترافي”، يقول عبدالإله إن الرئيس الروسي، يحاول تشكيل نمط فكري لدى الروس بأن بوتين هو الرئيس الذي سيعيد أمجاد روسيا إلى سابق عهدها.

تأثير الأخبار الرسمية على المتلقي

عرضنا هذه الأخبار وغيرها، التي جُمعت من وسائل إعلام روسية على أخصائية علم النفس الحربي، سيما نورس، و سألناها عن تأثير مثل هذه الأخبار والعناوين على المتلقي الروسي، التي قالت إن الأخبار لها تأثير كبير على النفسية البشرية، “فإننا نتفاعل معها بناءً على خلفيتنا الشخصية والثقافية والاجتماعية”.

وتؤثر الأخبار على المشاعر الإنسانية وتوجهات المتلقي، وتتسبب في توليد القلق، الخوف، الغضب أو حتى الرغبة في التغيير، وفق ما بينته نورس لبي بي سي.

وتستغل الحكومات والجهات الحاكمة الوسائط الإعلامية والأخبار لتشكيل آراء الناس وتوجهاتهم، وأضافت نورس، أن التأثير الإعلامي الروسي قد يؤدي إلى تشكيل معتقدات وآراء محددة لدى المتلقين، يمكن أن يؤدي إلى “تعزيز الولاء للحكومة أو تشجيع الشعور بالفخر الوطني والهوية الثقافية”.

وفي الوقت نفسه، يمكن أن يخلق الشكوك والاضطراب والعدم الثقة في الأخبار الأجنبية أو المعارضة، وحذرت نورس، من أن هذه العوامل النفسية يمكن أن تؤدي إلى تقسيم المجتمع وتأثير على تكوين الصورة الذهنية للأفراد ومواقفهم تجاه القضايا السياسية.

وتقول نورس، إن على المتلقين أن يكونوا على قدر من الوعي لوسائل الإعلامية المختلفة وأن يسعوا للحصول على وجهات نظر متنوعة من مصادر مختلفة، كما من الضروري أن يكون هناك قدرة على التحليل النقدي للأخبار وفهم الأجندات المحتملة وراءها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى