حكاية الوزير والمقاصف المدرسية | صحيفة مكة
ولا نحتاج أن نتحدث عن سوء المقاصف المدرسية وسوء التغذية المدرسية في كثير من المدارس الحكومية، فهو أمر قديم، وصفه وزير التعليم الأسبق الدكتور محمد أحمد الرشيد، في كتابه «مسيرتي في الحياة» حين تطرق إلى التغذية المدرسية، فقال: «كانت المقاصف المدرسية تدار بطريقة عشوائية، وكل مدير مدرسة يوظف عمالة وافدة، لا تتوفر عند كثير منهم الشروط الصحية اللازمة؟ كما أن الطعام المقدم وطريقة تحضيره لم تكن صحية».
وكانت هناك محاولات للقضاء على عشوائية إدارة المقاصف المدرسية، إذ ذكر الوزير «الرشيد» أنه «تقدمت إحدى الشركات الوطنية المتخصصة في التغذية باقتراح لإقامة مصانع بمواصفات عالية تهيئ وجبات صحية طازجة للمدارس، مع سحب المتبقي في نهاية اليوم. كلها معبأة آليا تنطلق بها سيارات مجهزة في الصباح الباكر يوميا لتوزيعها على المدارس، وهذه الوجبات مطابقة لمواصفات الإدارة العامة للصحة المدرسية، وحتى العصائر تم إنتاجها من شركات العصائر المعروفة لحساب المشروع، بمكونات خاصة خالية من المواد غير الطبيعية والحافظة».
وأضاف الوزير «الرشيد» أن مكاسب المشروع كانت كبيرة، منها:
1 – قامت الشركة بتجهيز المقصف المدرسي وتأثيثه وتوظيف عمالة مؤهلة ومدربة لتقديم الطعام.
2 – كان من مهام الشركة، الصيانة الأولية للمباني المدرسية ونظافتها، وتوفير وجبات مجانية للطلاب غير القادرين، حسبما يوصي به مدير المدرسة.
3 – كما تقدم الشركة لكل مدرسة تعمل فيها مبلغا ماليا لإدارة المدرسة، لإنفاقها على أوجه النشاط المدرسي.
ويروي «الرشيد» الحكاية التي يرى أنها فريدة من نوعها، ولم تعرفها وزارة التعليم، وكان متأملا بفوائدها المستقبلية بعدما لمس بعضها في التجربة الأولية، فيقول: «تم هذا الاتفاق على سبيل التجربة في مدينتي الرياض وجدة، لكن من المفارقات والتعقيدات البيروقراطية أن يصل إلى الوزارة مساءلة من الجهات الحكومية ذات العلاقة، عن أن العقد لم تطبق عليه إجراءات المناقصات الحكومية، وطلبوا من الوزارة إلغاء المشروع».
وعلق الوزير «الرشيد» على طلب إلغاء المشروع، والأخذ بالقواعد التي يعتمدون عليها في المشتريات الحكومية – التي كانت معتمدة وقتها – بقوله: «وما سألوا أنفسهم عن:
1 – أي الطريقتين أفضل لصحة الطلاب، المقاصف العشوائية أم هذا الشكل الصحي المنظم؟
2 – أيهما أجدى ماليا للوزارة وبالتالي للمدرسة؟
3 – من الذي سيخاطر بالاستثمار في إقامة مصانع تغذية ضخمة دون أن يكون على ثقة بأن منتجاته سيكون لها توظيف وتصريف، خاصة أن تلك المصانع ومعداتها تكلف مبالغ باهظة؟».
وختم الحكاية بقوله: «الغريب في الأمر أن شؤون المقاصف المدرسية لم يسأل عنها أحد طوال عمر الوزارة، وكانوا يعدونها شأنا داخليا لكل مدرسة، فلما كان هذا المشروع الضخم والمتفرد من نوعه، كانت هذه الوقفة المحيرة وتلك الحملة العنيفة!».
اليوم وزارة التعليم مقبلة على الخصخصة، وإجراءات المناقصات والمشتريات الحكومية تغيرت كثيرا إلى الأفضل، وإلى الأقوى حوكمة، وإلى الأسرع ترسية وتنفيذا، فمن السهل خصخصة المقاصف المدرسية لتدار من شركات متخصصة تقدم الأفضل والأجود للطالب، وتبني بيئة صحية مدرسية ترفع من جاذبية المدرسة.
على سبيل المثال، لدينا نحو 6 ملايين طالب وطالبة في المدارس، يصرفون مبلغ فطورهم في المدارس، الذي قد يبلغ 30 مليون ريال يوميا لو صرف كل طالب منهم 5 ريالات، اضرب هذا المبلغ في عدد أيام العام الدراسي، وسينتج مبلغ ضخم جدا، بإمكان شركة وطنية مثل «المراعي» أن ترفع مستوى الجودة في التغذية المدرسية، وتجني المكاسب منها، خاصة أنها تنتج كل أنواع المشروبات والأغذية بجودة عالية، وتعمل على توزيعها في كل المدن والقرى بالمملكة.