‘ما زلت أتحدث إلى شقيقي رغم أنه قتل أبانا’
- بول هيني وويل فايف
- بي بي سي نيوز
“لا أدري ما إذا كنت سأستطيع أن أسامحه على كل شيء..لا زلت أحاول أن استوعب ما حدث”.
لا تزال إسانس غايل تتحدث بانتظام مع شقيقها الأكبر غارفي بعد مرور عامين على قتله أباهما مايكل.
وتعتقد والدتهما، التي أصيبت هي أيضا في الهجوم، أنه كان من الممكن تفادي وفاة زوجها لو كان ابنها قد حصل على مزيد من الدعم الصحي.
هذه القضية سوف تكون واحدة من بين القاضايا الأولى من نوعها التي تتم مراجعتها بموجب نظام جديد تطبقه الحكومة في ويلز.
ولهذا السبب، قالت شرطة جنوب ويلز والإدارة الصحية لجامعة كارديف وفايل Cardiff and Vale University إنهما لا تستطيعان التعليق على القضية.
وأعربت اللجنة الصحية عن تآزرها مع الأسرة.
اعترف غارفي غايل فيما بعد بارتكاب جريمة القتل غير العمد بسبب معاناته من اضطراب عقلي، والشروع في قتل والدته. وتم إيداعه في مستشفى للأمراض العقلية إلى أجل غير مسمى بموجب قانون الصحة العقلية البريطاني.
في 16 أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، قام غارفي، الذي كان عمره آنذاك 21 عاما، بتسديد 17 طعنة لوالده مايكل البالغ من العمر 54 عاما. توفي مايكل على إثر ذلك في منزل الأسرة بمنطقة سانت ميلونز بمدينة كارديف.
خلال الهجوم ذاته، طعن غارفي والدته أماندا بروكس غايل في ذراعها وبطنها وخاصرتها.
وبعد مرور أكثر من عامين ونصف، تقول أماندا إنها لم تتلق حتى الآن إجابات مُرضية عن أسباب ما حدث، وعما إذا كان من الممكن تفادي الهجوم.
تشعر أماندا بالقلق إزاء احتمال تعرض أسر أخرى إلى مآس مشابهة قبل نشر أي دروس يمكن تعلمها من القضية.
تقول أماندا: “أشعر بالصدمة لأن هذا الأمر استغرق كل هذه الفترة”.
“لا أعتقد أنه من العدل أن تحتمل الأسرة كل ذلك..لا أفهم لماذا تستغرق هذه الأشياء كل هذا الوقت الطويل”.
وقد أعرب القائمون على التحقيق في القضية عن أسفهم لتأخر صدور نتيجة التحقيق، قائلين لـ بي بي سي إنهم سوف ينشرون نتائج التحقيق وأي دروس مستفادة من القضية في أسرع وقت ممكن.
“كان يحافظ على تماسك الأسرة”
تتذكر أماندا أن مايكل كان أبا عطوفا لأبنائهما الأربعة – غارفي وإسانس ومارلون وماريسيا – وأنه كان يضع مصلحة الأسرة فوق كل اعتبار.
تضيف: “أعرف أن كل الآباء والأمهات يحبون أبناءهم ويمنحونهم كل ما باستطاعتهم، لكن أبناءنا كانوا هم محور حياتنا – العمل من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء لم يكن يشكل جل اهتمامنا، بل كانت أسرتنا هي أهم شيء، كانت هي وظيفتنا وعملنا الرئيسي. كانت هي حياتنا”.
تقول إسانس عن والدها: “كان يحب الحياة الأسرية..كان دائما ما يوصلنا إلى المدرسة ويعيدنا من المدرسة إلى البيت.
“كان يضطر إلى ركوب دراجته لأنه لم يكن لديه سيارة، لذا كنت أجلس أمامه وكان غارفي يجلس خلفه على الدراجة وننطلق متجهين إلى المدرسة.
“لقد كنا وحدة شديدة الترابط والتماسك”.
تقول إسانس إنها وأخاها غارفي، الذي يكبرها بـ 16 شهرا فقط، كانا “متلازمين” لا ينفصل أحدهما عن الآخر خلال نشأتهما، ولكن بعد أن ترك غارفي الدراسة بالمدرسة الثانوية، بدأت الأمور تتغير وتدهورت صحته العقلية.
“لم نعد قريبين بنفس القدر، وأخذ ينعزل أكثر وأكثر”.
“الأشياء التي كان يقولها لم تبدُ منطقية – لم يكن كلامه مفهوما، وكان هناك تغيير جذري في سلوكه”.
هذه التغييرات لاحظها أيضا والداه أماندا ومايكل.
تقول أماندا: “جلس في ذات مرة وقص صوره بدقة من كافة الصور العائلية”.
“قال إننا لم نعد أسرته، وإنه سيختفي، وهو ما لم يكن مفهوما في ذلك الوقت. لقد كان شيئا لا يصدقه عقل”.
وتقول أماندا إنه في إحدى المرات الأخرى مزق الأريكة ومزق فراشها، وبدأ يطلق على نفسه اسم “يسوع المسيح”.
كما بدأ أيضا في قراءة الكتاب المقدس وتلاوة أسفاره، وكان يقضي نهاره وليله مستيقظا جالسا في غرفته.
“كان يضع السجائر في جيوبه بدون إطفائها، وكان يتعين علي تنبيهه إلى أن ملابسه كانت حرفيا مشتعلة “.
في يونيو/حزيران عام 2019، أصبح غارفي عنيفا مع أماندا، وحكم عليه بالسجن لمدة 10 أسابيع.
تقول أماندا: “كنت آمل أن يحصل على المساعدة لما يعاني منه من مشكلات عقلية، لكنه أُطلق سراحه فحسب، وعاد إلى المنزل منتهكا قواعد إطلاق سراحه لأنه لم يكن من المفترض أن يعود إليّ”.
“عندما جاء رجال الشرطة، شرحت لهم أنه ‘ليس أمرا جنائيا، فهو صدقا مصاب باعتلال عقلي ‘”.
في نهاية المطاف، تدهورت حالة غارفي بشكل كبير لدرجة أنه أودع قسرا في مستشفى للأمراض العقلية بموجب القانون.
وبعد ستة شهور تم تسريحه من المستشفى، لكنه لم يتمكن من الإقامة مع أماندا ومايكل لأن الأطباء كانوا قد قرروا في وقت سابق أنه يشكل خطرا كبيرا عليهما.
أودع غارفي في بيت مخصص للمشردين في كارديف، لكن أماندا تقول إنه كان يبدو واضحا لها أنه لم يكن قادرا على الاعتناء بنفسه في ذلك البيت.
تقول أماندا: “كان معروفا هناك باسم يسوع المسيح. عندما كنت أذهب لزيارته وأسأل أين غارفي؟ كانوا يقولون: آه، تقصدين يسوع. سوف نذهب لنحضره، إنه في الطابق العلوي”.
تقول إنه كان يخبرها باستمرار بأنه لم يكن يرغب في الإقامة هناك، وكانت تضطر إلى إجراء مكالمات فيديو معه للتأكد من أنه تناول دواءه.
قبل ثلاثة أشهر من قتل غارفي لوالده، كان من المفترض أن يناقش موظفو الصحة العقلية وضباط المراقبة بشرطة جنوب ويلز المخاطر التي يشكلها غارفي خلال اجتماع، لكنهم لم يفعلوا.
تقول أماندا: “بدا وكأنهم لم يكونوا يربطون بين النقاط، ربما كان هناك غياب في التواصل فيما بينهم، من الواضح أن شيئا ما لم يكن يتم بالشكل الصحيح”.
“لقد ظللت أردد: أرجوكم امنحوه المساعدة التي يحتاجها من أجل صحته العقلية”.
“كانت الأمور تسير في حلقة مفرغة..إلى أن جاءت تلك الليلة المأساوية..التي تغيرت فيها حياتنا إلى الأبد”.
تقول أماندا إنه لم يتم تشخيص غارفي بمرض الفصام المصحوب بعقدة الاضطهاد إلا بعد أن قتل والده.
“لو كان غارفي قد حصل على هذا الدعم المكثف قبل ذلك، لكان مايكل قد بقي على قيد الحياة ولتلقى غارفي المساعدة التي كان يحتاج إليها”.
“لكن قدر لنا أن نفقد مايكل لكي يحصل غارفي على ما كان يحتاج إليه من مساعدة. لقد انعكست الأمور”.
وتقول إسانس: “لا أظن أنني استوعبت بعد أن والدي قد رحل عن الحياة”.
وتضيف: “كل شيء كان لا يزال في مكانه: كان شرابه في المكان الذي وضعه فيه عندما خرج في وقت سابق – بدا وكأن شيئا لم يتغير، وأن أبي سيعود قريبا.
“لا أظن أنني سأتقبل أبدا حقيقة أن أبي لم يعد موجودا بيننا.
“غارفي هو من فعل ذلك، رغم أنه يمكن القول بأنه لم يكن في حالة طبيعية آنذاك”.
لا تزال إسانس على تواصل مع شقيقها.
“نتحدث باستمرار، ربما مرتين في الأسبوع، وفي بعض الأيام يبدو وكأنه عاد غارفي مرة أخرى – حيث يسألني عن أحوالي وأنشطتي، وفي أيام أخرى يبدو مريضا، ومن ثم فإن علاجه لا يزال مستمرا”.
وقد تلقت أماندا خطابا من غارفي، لكنها لم تشعر بأن بإمكانها التحدث إليه عبر الهاتف سوى مرة واحدة.
“أخبرته كم أحبه. أخبرته بأنني سامحته وبأنني متأكدة من أن والده أيضا سامحه”.
“أعلم أنه سامحه”.
وقد عكفت السلطات في كارديف على التحقيق في الرعاية التي تلقاها غارفي، لكن أماندا لم تحصل بعد على نتائج التحقيق.
ولا تزال الأسرة بانتظار الحصول على إجابات.
تقول أماندا: “لا يسعني سوى أن أدعو أن تكون [السلطات] قد استفادت من بعض الدروس وأن ينتج شيء إيجابي عن ذلك الحدث المروع الذي عصف بأسرتنا”.
“أتمنى أن يتماثل ابني للشفاء وألا يقضي بقية حياته في المستشفى وأن يكون أمامه مستقبل ما”.