كيف يؤثر ارتفاع معدلات الفائدة على كبار السن؟
ومع ارتفاع معدلات التضخم على نحو واسع منذ العام الماضي، ضمن التبعات الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، اضطرت البنوك المركزية في عديد من الدول حول العالم إلى رفع سعر الفائدة من أجل كبح جماح التضخم والتغلب على التحديات التي تنتج عن هذا الارتفاع المقلق، وقد انعكست تلك السياسة على الأسواق بشكل ملحوظ، استطاع أن يلمسه المواطن العادي مباشرة فيما يخص أسعار السلع والخدمات.
كبار السن من الفئات الأكثر تضرراً، إذ تحتاج هذه الفئات استقراراً بأسعار برامج الرعاية الصحية وزيادات بالمعاشات التقاعدية توازي الارتفاعات بمعدلات التضخم التي كانت سبباً في اتباع البنوك المركزية لسياسة التشديد النقدي (مجموع الإجراءات التي تتبعها البنوك المركزية لتقليل الطلب على النقود)، خلال الفترة الماضية.
عانى كبار السن -في كل مكان تقريباً- من هذه التبعات، بينما ساعدت برامج الحماية الاجتماعية التي اتبعتها بعض الدول ولو بجزء يسير في تخفيف العبء عن كاهل هذه الفئات.
شيخوخة السكان
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي التونسي، رضا الشكندالي، إن الدول التي تعاني من شيخوخة السكان يتوجب عليها:
- توجيه مخصصات مالية كبيرة للرعاية الصحية.
- حماية المعاشات التقاعدية من خطر تعثر المؤسسات الممولة لها.
- البحث عن حلول لمواجهة التضخم بعيداً عن رفع أسعار الفائدة.
يضيف الشكندالي، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: إن التضخم في البلدان العربية أسبابه ليست نقدية فحسب (في إشارة إلى عوامل التضخم المستورد)، وبالتالي يجب أن يكون علاجها بعيداً عن سياسة التشديد النقدي.
ويوضح أن رفع الفائدة يلقي بظلال سلبية على الدين الداخلي للدول، وبالتالي يزيد من الضغوط على المالية العامة والمؤسسات التي تدفع المعاشات التقاعدية.
تكاليف الرعاية الصحية
تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، سلط الضوء على مدى تضرر الفئات العمرية الأكبر سناً بأوضاع المالية العامة في جميع أنحاء العالم، في وقت حذرت فيه وكالات التصنيف من أن الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة قد زادت من سلبية تأثر المعاشات التقاعدية وتكاليف الرعاية الصحية.
وذكر التقرير أنه مع ارتفاع أسعار الفائدة استجابةً لأكبر زيادة في التضخم على مدى عقود، حذرت “موديز” و”ستاندرد آند بورز” و”فيتش” من أن:
- العوامل الديموغرافية المتدهورة تضر بالفعل بالتصنيفات الائتمانية للحكومات.
- أصبح مرجحاً تخفيض التصنيف دون إصلاحات شاملة.
- يهدد ذلك بخلق حلقة مفرغة من الأعباء المالية المتزايدة وتكاليف الاقتراض المتزايدة.
وتقول وكالات التصنيف إن ارتفاع تكاليف الاقتراض يضاعف من التأثير على كل من نمو التغيرات في السكان في سن العمل، وكذلك الأضرار التي تلحق بالمالية العامة نتيجة زيادة فواتير الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية.
أثر رفع الفائدة
وإلى ذلك، يشير المحلل المالي المصري، مصطفى شفيع، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن رفع الفائدة له تداعيات سلبية على أي اقتصاد (بخلاف تداعياته الإيجابية في كبح جماح التضخم) لأنه يؤدى إلى تأجيل أي توسعات مستهدفة في خطط رواد الأعمال، ولا سيما في القطاعات الدفاعية مثل قطاع الرعاية الصحية الذي يعد من أكثر القطاعات أهمية لكبار السن.
ويشير إلى برامج الحماية الاجتماعية التي اتبعتها عديد من الدول في هذا السياق، مشدداً على أنه على سبيل المثال فيما يخص مصر، فإن الموازنة المصرية متخمة حالياً بأعباء الدين، لذلك تأتي المبادرات الحكومية من أجل الإنفاق على ما يخدم كبار السن وتحديداً برامج التأمين الصحي.
كما يوضح أن التضخم كان يتباطأ في أغلب البلاد العربية خلال الفترة الأخيرة، نتيجة وجود عائدات مرتفعة من ارتفاع أسعار بيع النفط، ولذلك لا تواجه كل الدول نفس التحديات المصرية، خاصة بعد تحرير سعر العملة.
ويلفت إلى أن الخدمات الطبية التي يلجأ إليها كبار السن شهدت زيادات في الأسعار مع انخفاض سعر الجنيه المصري أمام سلة العملات الأجنبية.
- وكالة ستاندرد آند بورز، قالت في يناير الماضي، إن نصف أكبر اقتصادات العالم تقريباً سيتم تخفيض تصنيفها إلى غير مرغوب فيه بحلول العام 2060، ارتفاعاً من المستوى الحالي البالغ نحو الثلث، إذا لم يتم اتخاذ تدابير لتخفيف تكاليف شيخوخة السكان، بحسب ما نقله تقرير فاينانشال تايمز.
- قدرت الوكالة أنه في حالة عدم وجود إصلاحات في السياسات المالية المتعلقة بالشيخوخة، فإن الحكومة النموذجية ستواجه عجزاً بنسبة 9.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2060، بزيادة ضخمة من 2.4 بالمئة في تقديرات العام 2025.
- كما توقعت ستاندرد آند بورز أن ترتفع تكاليف المعاشات التقاعدية بمتوسط 4.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2060، لتصل إلى 9.5 بالمئة، وإن كان ذلك مع وجود تباين كبير بين البلدان.
- وتوقعت الوكالة أيضاً أنه بين عامي 2022 و 2060، سيرتفع الإنفاق على الرعاية الصحية بنسبة 2.7 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للبلد المتوسط.
مستويات طبيعية
على الجانب الآخر، يتحدث الخبير الاقتصادي الأردني، رئيس مركز الدستور للدراسات الاقتصادية، عوني الداوود، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عن وضع مغاير نسبياً تشهده بلاده، ذلك أن معدلات التضخم في البلاد عند مستويات وصفها بـ “الطبيعية” وبالتالي أسعار الفائدة، لذلك لا تتأثر فئات المجتمع بشكل كبير بسياسات التشديد النقدي التي تتبعها البنوك المركزية حول العالم.
وقد واصل معدل التضخم السنوي في الأردن تباطؤه في أبريل إلى 2.93 بالمئة من 3.91 بالمئة في مارس، حسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية. وكان معدل التضخم السنوي خلال مارس قد تراجع عن مستويات فبراير البالغة 4.25 بالمئة. كما واصل معدل التضخم الشهري تباطؤه خلال أبريل إلى 0.24 بالمئة من 0.47 بالمئة خلال مارس.
يضيف الداوود: “فئة كبار السن في المملكة الأردنية تتمتع بتغطية تأمين حكومية، تدفعها للتحوط من ارتفاع أسعار وتكاليف الرعاية الصحية المستمرة في الفترة الأخيرة”، مشيراً إلى أن كبار السن قد يواجهون تحدياً يتمثل في ارتفاع معدلات الفائدة على الاقتراض حتى لو بنسب ضئيلة، نظراً لثبات المعاشات التقاعدية وزيادة قيمة الفائدة على القروض التي حصلوا عليها في سنوات ماضية.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أنه “من المتوقع أن يتباطأ نمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هذا العام بشكل حاد ليصل إلى 3.1 بالمئة و3.4 بالمئة في العام المقبل”، مقارنة مع نمو بلغ 5.3 بالمئة في 2022.
يرجع الصندوق تلك التقديرات لعدة أسباب؛ أبرزها الإجراءات التقييدية التي تتبعها الدول لمكافحة الارتفاعات الحادة في معدلات التضخم، والارتفاعات غير المسبوقة في معدلات الفائدة إلى جانب التداعيات المستمرة للأزمة الأوكرانية.