آخر خبر

الجوانب التنافسية والاستراتيجية في المستقبل


في خضم الحرب العالمية الثانية، وضع العالم الإنجليزي آلان تورينج اللبنة الأولى لنظام الحاسب الآلي، والذي عد ثورة تكنولوجية حاسمة في حينها، وكان سببا من أسباب انتصار التحالف في الحرب، وبعدها تطورت أجهزة الحاسب الآلي بصورة متسارعة، حتى وصل الحال أنها أضحت الجزء الأساسي في تقنية الطائرات والسفن والمعدات الحربية والسيارات ومعظم الأجهزة الإلكترونية. وهنا يحضر السؤال الأهم حول: ما القطعة المحورية والأهم في أجهزة الحاسب الآلي؟

في كتاب حرب الرقائق chip war للدكتور كريس ميللر أستاذ التاريخ الدولي، ذكر أن الرقائق الالكترونية هي أهم جزء في الكومبيوتر، ولذا تظل التقنية المتخصصة لصناعتها هي محور الصراع القائم اليوم بين الدول الصناعية، وتحديدا بين الولايات المتحدة والصين.

فلو علمنا أن 80% من تلك الصناعة تتركز في شرق آسيا، وأن شركة TSMC في جزيرة تايوان تمتلك وحدها 50% من الإنتاج العالمي لتلك الرقائق، وبالتالي فنحن أمام تفسير منطقي للتنافس الجيواستراتيجي المحتد في بحر الصين الجنوبي، حيث توجد معظم المصانع المنتجة لتقنية الشرائح الالكترونية.

فمن وجهة نظر الكاتب كريس ميللر أن من يتحكم في طرق إمداد وسلاسل التوريد لهذه الصناعة الحيوية، سيمتلك زمام عصب التجارة العالمية، وبالتالي سيسيطر على العالم.

الجانب الثاني: هو مجالات الذكاء الاصطناعي، وهي مجال حيوي حديث للتنافس بين شركات التقنية العالمية حول امتلاك هذه التقنية الرهيبة.

ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة منعت توظيف الجالية الصينية في وادي السليكون للحد من نقل هذه التكنولوجيا إلى بكين، لكن التقارير التقنية الأخيرة تتحدث عن تفوق الجانب الصيني عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، وتعود الأسباب إلى أن الشركات الصينية حكومية بالكامل وتخضع لاستراتيجية موحدة تقتضي بتبادل الخبرات والكفاءات، الأمر الذي انعكس على تقدم الصين في هذا المجال الحيوي على عكس شركات التقنية الأمريكية، التي تعيش ضمن البيئة النيو رأسمالية الحرة واقتصاديات السوق، وهي بيئة تنافسية تضمن البقاء للأفضل فقط، وهذه تشكل نقطة إيجابية ولكنها من الجانب الآخر تفتقر إلى نظام التعاون والتكامل، وبالتالي فطبيعة التنافس هنا ليست في مجال الذكاء الاصطناعي فحسب، وإنما في طبيعة البيئة الاقتصادية والنظامية أيضا.

الجانب الثالث: يتعلق بنظم التعليم. فرهان التقدم التكنولوجي يتعلق بالدرجة الأولى بطبيعة التعليم كمنظومة متكاملة، فتظل المناهج التعليمية المتطورة هي القاعدة الرئيسية لكسب رهان السبق التقني، ولمعرفة سر التقدم التكنولوجي في بلدان شرق آسيا، فتش أولا وأخيرا عن التعليم، هذه المنظومة التي بدأت تتحول في أهميتها الاستراتيجية خلال السنوات الأخيرة إلى ما يشبه قضية أمن قومي، وهذا الأمر يتعلق بتكريس الوعي الثقافي المجتمعي حول مفهوم التعليم، والابتعاد عن النظم القديمة التي كانت تعتمد على نمطية الحفظ والحشو والتكرار، والتحول العلمي المنهجي نحو مناهج البحث العلمي الصحيحة.

وفي الختام، هذه جوانب تنافسية محتدة ترسم طبيعة المستقبل البشري، ولكن يظل الإبداع هو القاسم الفني المشترك بينها، والعامل الحاسم في الفوز، فهو الجانب الرابع الذي يشكل البيئة الحاضنة لمجالات التنافس السابقة، فالشعوب التي لا تمتلك ثقافة الإبداع تظل خارج السباقات العالمية.

albakry1814@



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى