وطن بلا مخدرات! | صحيفة مكة
الشبو يعتبر من العقاقير الترفيهية وهو مؤثر عقلي ومخدر باهظ الكلفة يتم بثه بين الشباب والمراهقين وأهل الثراء، وخطورته أنه يحصل (من أول جرعة) فيسير بالفرد بسرعة نحو النهاية.. فقد يتناوله الشخص من باب الفضول والحماسة والمتعة الشخصية ولا يلبث إلا أن يصبح شيئا ضروريا وجزءا من طقوسه الاحتفالية وحياته اليومية، هذا الخطر أصبح داهما وتؤكده الأرقام بوجود تزايد متسارع في عدد مدمني المخدرات حول العالم بأكثر من عشرة أضعاف مما كان عليه الحال قبل جائحة كوفيد-19 خاصة مخدر الشبو بين (المراهقين) والحصيلة المباشرة ارتفاع دراماتيكي في عدد الوفيات.. فأين يبدأ سوق الإدمان؟
كل يوم تبتكر عصابات المخدرات طرقا جديدة للخداع ويرى المراقبون أن شركات الكيماويات أصبحت تصنع مكونات العقاقير غير القانونية أكثر من أي وقت مضى، فصناعة الشبو والمخدرات بصفة عامة تتم أحيانا تحت أسماء مضللة في المعامل الكيميائية والطبية مما يجعل تجاوز كل الكميات المصدرة منها عبر المنافذ الحدودية آمن تماما فتشتريها الكارتيلات لتحويلها إلى المخدر المطلوب ضامنة مرورها بنسبة 100% حيث يجري تصديرها من بلد المنشأ كمادة أساسية تحتاج فقط لبعض الإضافات في بلد الوصول ومما لا شك فيه أن التعاون بين الدول ضروري لوقف التدفق، كما أن التداول يتم بالعملة المشفرة على الإنترنت عادة.
ومن العوامل المحفزة للتعاطي البيئات المنحرفة أخلاقيا، وجدير بالذكر أن تطبيقات التعارف هي إحدى القنوات التي تستهدف استقطاب المراهقين بطريقة منهجية وتديرها شبكات هرمية خفية تخصص لمهمتها الموارد الطائلة.. فهل هناك نسبة تستدعي إلقاء الضوء محليا يا ترى؟
تشير بعض الاستبيانات التي أجريت حديثا إلى أن حوالي 8% من السعوديين أفادوا بتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية وأن غالبيتهم العظمى(70%) هم ممن تتراوح أعمارهم بين (12 و 22) عاما، ولا يفوتنا التنويه أن الشباب هم المستقبل والغالبية السكانية في المملكة وأن هذه النسب المعلنة تنخفض عن النسب الواقعية بسبب (وصمة العار والخوف من الإفصاح). فلماذا يحدث هذا الارتفاع؟
الشباب غدا متصلا بالعالم كله على مدار الساعة ومن نافذة الانترنت أصبح مطلا على الثقافات الغربية التي تجمل تعاطي المخدرات وتزين له متعة التجربة، وترى الدراسات أن بعض التغييرات الاجتماعية مع غياب رقابة الأهل وضعف الوازع الديني تؤدي إلى زيادة الاحتمالات بالاندفاع إلى التعاطي.. فما الخطر؟
من أهم الأضرار انفصال المدمن عن الواقع مما يؤثر على أدائه التعليمي والعملي وفقدان الوزن وحدوث هلاوس سمعية وبصرية والإصابة بأمراض نفسية كالفصام والذهان وغيره، ويذهب الباحثون إلى أن المعلومات الشائعة عن العواقب السلبية للشبو والمخدرات بصورة عامة لا تصور ذلك بشكل كاف فهي تحمل للمجتمع أضرارا مدمرة وواسعة النطاق ويتجاوز المتداول فهو عنصر قوي للإصابة بأمراض القلب الخطيرة وحوادث السيارات كما أنه يرفع معدل السلوكيات الانتحارية بشكل عالي وعامل أساسي في ارتكاب الجرائم الغريبة شديدة البشاعة!
التكلفة الاقتصادية للمخدرات جسيمة تتجاوز المليارات سنويا فهي إهدار سريع لمقدرات المجتمع الكلية، وتبدأ الخسائر من فقد الأرواح لكل من المدمنين ورجال المكافحة والجرائم المتصلة بالمخدرات، وتستمر مؤدية للتراجع في إنتاجية القوة العاملة ولارتفاع ميزانية العلاج للتبعات الصحية من الإدمان وإعادة التأهيل ولا تنتهي بنفقات الجهات المختصة بالمتابعة وإنفاذ القانون وغيرها وعلى سبيل المثال تتكبد الولايات المتحدة خسائر تجاوزت ما قيمته 23 مليار دولار، وقد تنبهت الصين وتصدت مبكرا لهذا الخطر بالحد من تهريب وتسريب السلائف الكيمائية وهي المواد الأم لصناعة المخدرات وحققت انخفاضا في كمية المخدرات المهربة وفي الكمية المصنعة والموردة محليا، ومما ترصده الأخبار للقاصي والداني أن المملكة هي أهم الدول المستهدفة.. كيف ذلك ولماذا؟
المملكة دولة طموحة ثرية بمواردها وأهلها ومن هنا تبدأ التحديات فهي مستهدفة من الدول غير الراغبة في تبوئها المكانة النافذة في سدة القرار العالمي كقوة عظمى، وفي الطرف المقابل هي محاطة بكثير من الدول التي تعاني من الفقر والحروب وتمثل لهؤلاء فرصة واعدة للاستفادة.
المخدرات آفة مدمرة والقيادة في المملكة طليعة وجادة وحازمة في التصدي لها وعلى أعلى مستوى، فقد استشعر الأمير محمد بن سلمان الخطر المحدق بالإنسان والوطن مبكرا وجعل (مكافحة المخدرات) في صدارة أولوياته ويقوم شخصيا بمتابعتها وبصفة حيثية ودقيقة، فلا يكاد يمر يوم إلا وهناك خبر عن القبض على عصابة للترويج أو إحباط تهريب شحنة مهما كانت أساليب التمويه متقنة حيث صدر التوجيه لكافة الجهات المعنية لاتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لمكافحة أي محاولة للتهريب والتداول والترويج للمخدرات كما تم الإعلان عن حماية سرية الشخص المبلغ، حماية له من الخطر مع تأمين المساعدة وتقديم العلاج والدعم اللازم للأشخاص الذين وقعوا في براثن الإدمان.
في هذا المنعطف تبرز ضرورة تصميم حملة تثقيفية للتوعية المجتمعية بأخطار المخدرات لجيل الشباب؛ فالأمر يتطلب توعية الآباء لوقاية الأسرة من البدء في تعاطي المخدرات أساسا مع رفع درايتهم وتثقيفهم بالأساليب الأفضل للتعامل مع الأبناء في حالة الوصول إلى مرحلة التعاطي والإدمان بالإضافة إلى تحسين برامج إعادة التأهيل وتصميمها لتحجيم وتقليل الأضرار الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والنفسية على الفرد والأسرة والمجتمع.
وفي ترجمة للمواكبة الحثيثة لكل قطاعات الدولة للتصدي للاستهداف الممنهج والتحديات الحديثة بما يتماهى مع توجيهات القيادة، دشنت وزارتا التعليم والإعلام حملة وطنية واسعة بعنوان «وطن بلا مخدرات» وهي مظلة توعوية متكاملة تتضمن الكثير من المواد التوعوية والفعاليات التدريبية والبرامج الوقائية، وهكذا غدت الكرة في ملعب المجتمع فالتعاضد بين جميع الفئات خاصة الأسرة والتعليم والإعلام والمشاهير مع التركيز على من هم على خط التماس مع حياة الشباب هو المسار، فقد حان الوقت وآن الأوان لتكاتف الكل لمصلحة الكل.. نعم.. الوطن المحصن أولوية وطنية.. الوطن إنسان؛ فليكن شعارنا (وطن بلا مخدرات)..!
@RimaRabah