آخر خبر

لماذا يبدو الوعي بالأحداث متأخرا؟!


تبدو عملية الوعي للأحداث ومقاصدها متأخرة – قليلا أو كثيرا – عن الحدث نفسه.

فمعظم الدوائر والأشخاص، قد لا يفهمون أو لا يسعفهم الوقت أن يفهموا المقاصد من الأحداث في الوقت ذاته، ذلك أن الحدث والتخطيط للحديث يسبق عمليه الوعي به، خاصة إن كان الواعي له غير مشارك في صناعة الحدث نفسه، وكل ما يقال على المؤسسات والدوائر ينطبق على الأفراد أيضا.

ولعل أهم الأسباب التي تجعل عملية الوعي متأخرة، هي أن إدراك الإنسان في معظمها (بعدية) وليست (آنية) أو (قبلية)، وقد يحدث الوعي قبلا (ما يُعبر عنه بالتنبؤ – لكنه يبقى تخمينا لا أكثر)، أو يكون آنيا (ويعبر عنه بأنه تحليل)، وقد يصدق في التحليل أو يخطئ، ومصدر الخطأ قد يكون في التحليل نفسه أو في المعطيات المدخلة في الحدث، إذ إنها لم تكتمل أو مخفية! ذلك أن الصورة في المجمل مشوشة عناصرها، فالذي يريد أن يعي الحدث يريد الصورة كاملة بكل أطرافها، لأن ثمة خيوط للحدث – أحيانا – تكون غير ظاهرة كأطراف في الحدث مختفية، وإنما تؤيدها قرائن تالية هي ما يشفع للوعي بأن يجزم بوعيه لها، كما أن الإنسان والدوائر والمؤسسات في لجة عملها اليومي، فإنها قد لا تدرك مغازي الأشياء في لحظتها، لأنها تبدو وكأنها أحداث طبيعية لا تحتاج لتحليل، بدليل وجود بعض الأحداث العابرة، والتي لا تحتمل أكثر من احتمالاتها الظاهرة.

يتأخر الوعي إذا افتقدنا الأدوات الضرورية لعملية الوعي الصحيح، فأنت لا تستطيع أن تعي ما يحدث في دولة بعيدة دون أن تفهم ثقافتها، أو لا تفهم ما يحدث في قبيلة معينة لأن أدواتك الثقافية لم تسعفك في فهم آلية هذه الثقافة، وقد يتأخر في الوعي للحدث حتى لا يظلم أو يتهور، أو تنكشف أوراقه أو تخطئ توقعاته، أو أن يكون آخرون عرضة لأخطاء تنبؤاته التي قد تصيبه (أعني تلك الأخطاء) أو تصيب غيره، وقد يكون وعيه مكلفا، فإن كل هذه تدفع الوعي للتأخير المقصود حتى تصل القناعات في الوعي لقناعة تامة بمعادلة تكاليف الوعي مع مصداقيتها!

وعطفا على ما سبق، فإننا يمكن أن نقول في المجمل، إن تأخر الوعي يعد أمرا منطقيا، ولا غبار عليه، لأن هذا من صفات الوعي ذاته، فلا يمكن أن تقطع بتفسير حدث قبل حدوثه، ولا يمكنك أن تعي النوايا بلا قرائن، ولا يمكنك أن تعي حدثا معينا دون اكتمال أحدث الصورة.

ولذلك، تأتي عملية الوعي منقوصة ومبتورة في حالات أن الفهم استعصى، أو لم تكتمل صورة الحدث في العقل الواعي، وأحيانا إن اختلفت أو اختفت تلك الأدوات عن الإنسان، فبهذه الحالة تتعثر عملية الوعي بشكل واضح وجلي. ويلوم الناس أنفسهم، وتلام المؤسسات في عدم تنبؤيها بالأحداث بوقت كاف، وإن كانت ثمة تقصير محتمل نتيجة إهمال فهذا شيء وارد للغاية، إلا أنه من المهم أننا يجب أن نؤمن بأن هناك فترة زمنية للوعي تلحق الحدث ولا تسبقه ولا حتى تزامنه أيضا، حتى يكون الأمر مقبولا لدى متخذ القرار، على مستوى الفرد أو على مستوى المؤسسة، وهنا يأتي ما يسمى بإدارة المخاطر على مستوى المؤسسة، وحس الخطر على مستوى الأفراد، وهو في الحقيقة نوع من الوعي المسبق!

أما التأخير الطويل، فهذا نتيجة القلق والإهمال، وهذا وارد جدا في عملية الوعي، لكنه يعد عيبا وليس وصفا لمستوى الوعي للحدث، إذ إن معظم الأحدث يتم وعيها في أوقات زمنية محددة، وتقل هذه المدة كلما تكررت التجارب نفسها، حتى يمكن التنبؤ فيها بشكل مباشر، والوعي فيها بسبب تكرار مفرداتها على العقل بشكل قاطع لا يقبل الشك في معرفتها المسبقة.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى