التغير المناخي: جفاف نهري دجلة والفرات يهدد استقرار وأمن العراق البيئي والمائي والغذائي
- الحارث الحباشنة
- بي بي سي نيوز عربي
تنتشر التحذيرات العراقية الرسمية والشعبية على حد سواء، في جميع وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، من خطر استمرار انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات، ويعقد العراق المنتديات والاجتماعات والندوات، في محاولة لإيجاد حلول ناجعة تنهي شبح جفاف الرافدين.
وشهدت المنصات الرقمية تداولاً لصور مفزعة لما وصلت له حالة دجلة والفرات من جفاف، فإن قاع النهرين بديا واضحين عند الضفاف في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية من البلاد.
إذ بات بمقدور العراقيين في بعض المناطق، أن يقطعوا من ضفة إلى أخرى من خلال المشي عبر المجرى المائي للنهرين، بعد أن كانوا يحتاجون إلى جسور وقوارب ليعبروهما.
ولابد من ذكر سياسات دول المنبع “تركيا وإيران” التي تسهم في جفاف النهرين، إثر تشييد السدود الضخمة وتحويل روافد كثير مُغذية للنهرين والمشاريع الكبيرة الأخرى التي تؤثر على تدفق المياه، وفق ما يقوله المسؤولون في بغداد.
يعزى هذا التدهور أيضاً، إلى تغيرات المناخ ونقص الهطول المطري في المنطقة، وزيادة الاستخدام غير المستدام للمياه، بحسب مكاتب الأمم المتحدة العاملة في العراق.
تضرر الثروة السمكية
يقول عمار حيدر ،42 عاماً، وهو مربي أسماك عراقي، إنه بدأ مشروع تربية الأسماك الخاص، قبل عدة سنوات بأمل توفير مصدر دخل مستدام وتلبية الطلب المتزايد على الأسماك في السوق المحلية، معبراً عن أسفه بسبب تضرر مزرعته من الجفاف.
وبين حيدر، لبي بي سي، أن الجفاف تسبب في نقص حاد في مصدر المياه الذي أعتمد عليه لتشغيل أحواض تربية الأسماك، من خلال التدفق المستمر لمياه أحد فروع نهر الفرات، ولكن مستوى المياه في النهر تناقص بشكل كبير، ما أدى إلى تدهور جودة المياه وانخفاض مستوى الأكسجين، مما أثر سلباً على صحة ونمو الأسماك وفقد الكثير من رأس ماله.
ويؤكد أنه حاول تطبيق إجراءات طارئة للتكيف مع الوضع، من خلال تحسين أنظمة التهوية وتدفق المياه في الأحواض والتخلص من الفضلات بفعالية، وإجراءات توفير المياه بشكل أكثر فاعلية.
وأشار حيدر، إلى الحاجة المُلحة لدعم الحكومة العاجل لتعزيز إدارة المياه وتوجيه الموارد اللازمة لدعم المزارعين المتضررين وتقديم المساعدة التقنية والمالية للمزارعين المتضررين.
وبلغ إنتاج العراق من الأسماك زهاء 800 ألف طن خلال العام الماضي، منها 100 ألف طن من المزارع المٌرخّصة، و700 ألف طن من المزارع غير المٌرخّصة، وفق إحصاءات رسمية نقلتها وسائل إعلام عراقية.
وكانت وزارة الموارد المائية العراقية قد أعلنت عن تجفيف 297 بحيرة أسماك، لمواجهة شح المياه بعد انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات.
الواقع الزراعي وانعكاسه على الأمن الغذائي
وتحذر وزارتا الزراعة والبيئة في العراق، من أن البلاد تفقد سنوياً 100 ألف دونم (الدونم 1000م مربع)، جراء التصحر، كما أن أزمة المياه تسببت بانخفاض الأراضي الزراعية إلى 50% وفق تصريحات رسمية قبل أسابيع.
ووفقا لوزارة الزراعة، فإن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح والشعير خلال عام 2022 تراجعت من 11 مليوناً و600 ألف دونم إلى أقل من 7 ملايين دونم، وهي أقل نسبة زراعة للمحصولين منذ سنوات طويلة.
وفقد العراق ما يقرب من مليونا و747 ألف دونم من الغطاء النباتي خلال الأعوام العشرة الماضية، مؤكدة الحاجة الملحة لاستحداث صندوق لمكافحة التصحر المبتلاه به نسبة كبيرة من أراضيه.
وكان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، قد أكد في مارس/أذار الماضي، أن سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي.
وأضاف أن التغيرات المناخية التي تمثلت بارتفاع معدلات درجات الحرارة، وشح الأمطار، وازدياد العواصف الغبارية، هددت الأمن الغذائي والصحي والبيئي والأمن المجتمعي، ودفعت بمئات الألوف للنزوح.
وأطلق العراق مبادرة كبرى لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق، فيما كانت الحكومة – التي سبقت حكومة السوداني- قد صرحت قبل عام أن العراق بحاجة إلى نحو 14 مليار شجرة للحد من التصحر الذي وصل إلى مراحل متقدمة مع اندثار بساتين النخيل.
تحذيرات أممية
ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” لعام 2019 فإن العراق سيكون أرضاً بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن تصل مياه النهرين إلى المصب النهائي في الخليج العربي.
ومؤشر الإجهاد المائي Water Stress Index هو مقياس لندرة كمية المياه العذبة المتجددة المتوفرة لكل شخص في كل عام من إجمالي الموارد المائية المتاحة لسكان المنطقة.
يبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات -كحد أدنى- في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يحتاج العراق إلى 70 مليار متر مكعب لتلبية احتياجاته.
و تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب.
ويكشف رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بغداد، آوكي لوتسما، أن العراق بلغ بين عامي 2021 و2022، مستوى قياسياً في الجفاف وارتفاع درجات الحرارة الشديد والذي بلغ 54 درجة مئوية / 130 درجة فهرنهايت سُجلت في الجنوب.
ويضيف لوتسما، بأن العراق يتلقى مياهاً أقل من قبل – من حوالي 30 مليار متر مكعب في عام 1933 إلى حوالي 9.5 مليار اليوم. ومن المتوقع أن يصل نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً بحلول عام 2030 – وهو مقدار بعيد كل البعد عن معيار منظمة الصحة العالمية البالغ 1700 متر مكعب سنوياً، مما يهدد الأمن الغذائي والحياة والتنمية.
“نظرة سوداوية مرفوضة”
رفضت وزارة الموارد المائية العراقية ما وصفتها بـ “النظرة السوداوية” للتقارير الأممية، حول المستقبل المائي في العراق، وفق ما قاله الناطق باسم الوزارة خالد شمال لبي بي سي.
وأكد شمال أن المخزون الاستراتيجي ارتفع بنسبة 35% من بداية شهر نوفمبر/ تشرين ثاني مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه.
ولكن مازال العراق يعاني من الجفاف، وخطر التصحر، وانخفاض منسوب الأنهر والروافد وفق الشمال، الذي استبعد أن يصل العراق إلى مرحلة جفاف النهرين بشكل كامل.
وبين شمال لبي بي سي، أن الحكومة العراقية الحالية، تعطي ملف المياه أهمية كبرى، لافتاً أن “كمية الإطلاقات الآن لنهري دجلة والفرات لا تمثل سوى 30% من الاستحقاق الطبيعي للعراق”، موضحاً، أن “تصاريف نهر دجلة تبلغ 313 متر معكب بالثانية أما نهر الفرات فتبلغ 175 متر مكعب بالثانية”.
الاطلاقات المائية هي المياه التي تنطلق من سدود دول المنبع.
والتصريف المائي هو كمية الماء المارة من مكان معين في مجرى النهر خلال زمن مقداره ثانية واحدة ومقداراً بالمتر المكعب او القدم المكعب.
وانتهى شمال، إلى أن “العراق جعل ملف المياه سيادي، ولديه خطة على المستويين الداخلي والخارجي من أجل التعامل مع مصادر المياه واستخدمها بالنحو الأمثل”.
ويُعد ملف الموارد المائية في العراق معقد وشائك وفيه بعد دولي ومحلي وإقليمي وفني.
ما هي خلفيات أزمة حصة العراق من مياه النهرين؟
ويعاني العراق بشدة من نقص المياه، ولا سيما بسبب سد إيليسو التركي الذي بُني عند منبع نهر دجلة، والسدود التركية الأخرى التي بنيت على روافد أصغر.
وفي وقت لجأت دول مثل تركيا إلى بناء السدود على نطاق واسع لتأمين المياه للزراعة والطاقة الكهرومائية، تحملت البلدان المجاورة تبعات هذا النقص، حيث أدى بناء السدود إلى تفاقم التحديات الحالية التي يفرضها تغير المناخ.
وكان العراق على وجه الخصوص الأكثر تضرراً من نقص المياه، إذ واجه في سنوات متتالية أزمات حادة في أجزاء مختلفة من البلاد، وخاصة بسبب سد إيليسو الذي بُني في أعلى مجرى نهر دجلة في تركيا، وكذلك السدود التركية الأخرى التي بنيت على روافد أصغر.
ويعد سد إيليسو ثاني أكبر سد في تركيا بعد سد أتاتورك على نهر الفرات، والذي اكتمل بناؤه عام 1990.
وخلال صيف 2018، تسبب مزيج من تضاؤل موارد المياه والتلوث في نفوق جماعي بين تجمعات الأسماك في نهر الفرات.
وكان نقص المياه من بين الأسباب الرئيسية للاضطرابات الاجتماعية في جميع أنحاء البلاد خلال السنوات التي تلت ذلك.
وأدت قضايا بيئية أخرى، مثل قطع الأشجار في شمالي العراق وسط حملة عسكرية ضد أعضاء حزب العمال الكردستاني، إلى تفاقم التوترات مع تركيا.
لكن الجهود المبذولة للضغط على حكومتي تركيا وإيران لم يكن لها تأثير يذكر، وهو الأمر الذي أدى فعلياً إلى تأخير المشكلة بدلاً من معالجتها.
ويحتاج العراق الذي دمر عبر عقود من الصراع والعقوبات إلى استثمار 180 مليار دولار على مدى العقدين المقبلين في البنية التحتية وبناء السدود ومشاريع الري. بحسب البنك الدولي.
يرجى تحديث المتصفح للاطلاع على الخصائص التفاعلية
وينبع نهر دجلة من جبال طوروس في تركيا، ليتدفق جنوبا إلى العراق مروراً بسوريا، ويلتقي مع نهر الفرات عند شط العرب. ويبلغ طوله 1850 كيلو متراً، وله عدّة روافد، أهمها نهر ديالى ونهر الزاب الكبير والزاب الصغير.
كما ينبع نهر “الفرات” من تركيا ويعبر الأراضي السورية ليجري داخل الأراضي العراقية حيث يلتقي في جنوبها مع نهر دجلة، ليشكلا شط العرب.
لمحة تاريخية
وكان نهرا دجلة والفرات شاهدين على سطوع نجم أولى الحضارات الإنسانية، التي كانت الزراعة القوية -بسبب توفر المياه العذبة- أساس نشأتها وتطورها.
فتلك الحضارة الأكادية التي يعتقد العلماء إنها انهارت بعد مرور قرن على نشأتها قبل نحو 4300 عام، بسبب الجفاف الذي أدى إلى هجرات جماعية واندلاع الصراعات في المنطقة، بحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
وامتد تأثير هذه الحضارة على طول نهري الفرات ودجلة والمناطق المحيطة بهما من تركيا شمالا إلى شط العرب في العراق جنوبا، بالطبع مروراً بسوريا في الوسط والغرب.