آخر خبر

برميل بارود في قلب وسط آسيا


كانت الحروب في السابق حروبا إثنية أو عرقية أو لاستغلال الموارد والاستيلاء على مواقع استراتيجية؛ أو بدافع الاستقلال، ولكننا اليوم أمامنا نوع جديد منها، إنها حروب الماء.

إن خمس سكان العالم تقريبا يعيشون على 160 حوضا نهريا، تصب في 145 دولة، وكل نهر تتقاسمه دولتان على الأقل، ومن الطبيعي عمل اتفاقيات تنظم حصص الدول المائية، وأي خلل فيها يشكل تهديدا حقيقيا لأمن هذه الدولة أو تلك، وربما تكون شرارة لحرب شرسة مباشرة أو أداة لحرب بالوكالة، يفوق سوؤها كل الحروب السابقة في العقود الماضية.

أفغانستان تميزها الجبال العالية، ومنها جبال الهندوكوش التي يصل ارتفاعها حوالي ثمانية آلاف متر؛ كثاني أعلى سلسلة جبال في العالم بعد الهملايا؛ ومنها تنطلق منابع لأنهار تصب في خمس دول مجاورة، فتشارك باكستان في نهر كابل، وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان في نهر جيحون، ومع تركمانستان وإيران في نهر هراة، ومع إيران في نهر هلمند، والأخير هو الأهم، فطوله ألف كيلو متر، منابعه من هندوكوش الأفغانية ويصب في بحيرة هامون الإيرانية.

‏في الشهر الماضي ادعى الإيرانيون أن حصتهم أصبحت صفرا بعد أن كانت حصتهم 800 مليون متر مكعب من مياه نهر هلمند حسب ما نصت عليه الاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 1973م، وأن الجفاف يهدد 400 ألف في ولاية سيستان وبلوشستان بسبب السدود التي بنتها أفغانستان، طالبان أنكرت وبررت بالجفاف وقلة الأمطار، خرج الرئيس الإيراني إبراهيم رئيس بتصريح (لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا، خذوا كلامي على محمل الجد…)، وقابله تصريح شديد اللهجة من قيادي في طالبان (لا تختبر صبرنا؛ يمكننا احتلال طهران في 24 ساعة…)، وظهر قيادي سابق اسمه مبين خان في فيديو ساخر يملأ جردل ماء (جركل) من نهر هلمند كهدية يحملها لرئيس إيران، تلاها عرض عسكري لمقاتلي طالبان مع (جراكل) الماء لإيصاليها لطهران، هذا الاستفزاز نتج عنه الاشتباكات المسلحة على الحدود، ومن غير المستبعد أن تتطور إلى حرب فعلية.

‏إيران قدرتها أعلى من طالبان عسكريا، ولديها عدد هائل من اللاجئين الأفغان، ولكنها تخشى أن تصل إلى حرب مذاهبية بين الطوائف الشيعية والسنية، وهذا سيجعل من طالبان كابوس يصعب الخلاص منه.

‏طالبان تجيد حرب العصابات التي تعيشها منذ قيامها، وتملك خبرة طويلة فيها، وتملك جبهات واسعة جدا ومفتوحة؛ تمتد لعشرات الآلاف من الكيلومترات، تملك تركة هائلة من أسلحة الجيش الأمريكي ما بين صواريخ ومدرعات ومروحيات ومسيرات؛ أكثر من 40 ألف مركبة عسكرية وحوالي 300 ألف قطعة سلاح، أسلحة تقدر قيمتها بحوالي 85 مليار دولار!!!

هزمت الاتحاد السوفيتي في عز قوته بنفس نوع السلاح الذي تملكه الآن، وتستعد طالبان لفتح قناة مائية على نهر جيحون الذي تشارك فيه طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان، وأتوقع أن آجلا أو عاجلا سيتكرر نفس المشهد.

أخيرا، من المستفيد من زرع براميل البارود في قلب آسيا الوسطى، الذي يمكن أن يشتعل في شرق إيران بعد ما اختلفت المصالح معها، وفي غرب الصين لتعطيل طريق الحرير البري، وجنوب روسيا العدو الأزلي. إذا عرفنا من المستفيد فسرنا سبب ذلك الانسحاب المخزي للجيش الأمريكي من كابل، وأن وصفه بالتكتيكي أدق، وأن واشنطن تنتقي من يحارب عنها بالوكالة.

على الصعيد العربي قس ذلك سابقا على استدراج جمهورية مصر العربية لمستنقع سد النهضة لمصلحة الكيان الصهيوني (إسرائيل)، وربما لاحقا العراق وسوريا ضد تركيا لصالح نفس العدو، كلها نذر حروب الماء.

إن أدركنا أن الاحتلال الحقيقي هو احتلال العقول أولا، ثم بعد احتلال العقول يتكفل المحتل بالباقي سيساعدنا في تجنب الجديد من الحروب أو الحرب عنه بالوكالة.

hq22222@



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى