فزع ياباني كوري بسبب حرب أوكرانيا
المثير للاهتمام أن مثل هذه الدعوات لا تجد صدى قويا لها في آسيا نفسها؛ لآن حلفاء واشنطن في هذه المنطقة يدركون أن ما يحدث في أوكرانيا لن يظل محصورا داخل حدودها، وأنه إما سيعزز أو يضعف النظام العالمي الذي يعتمدون عليه.
يقول هال براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في تحليل نشرته وكالة بلومبيرج للأنباء «إن هذه الرؤية اتضحت عندما سافر إلى العاصمة الكورية الجنوبية سول لحضور مؤتمر الريادة الآسيوية في الشهر الماضي، فقد كانت قضية أوكرانيا في الواجهة ومحور الاهتمام في منتدى يفترض أن يكون تركيزه على آسيا».
نجاة أوكرانيا
افتتح الرئيس الكوري الجنوبي سون سوك يول المؤتمر بإعلان ضرورة «ألا يسمح العالم بنجاح الغزو غير الشرعي لأوكرانيا وتحوله إلى سابقة»، وكان العنوان البارز الآخر للمؤتمر هو حضور السيدة الأولى لأوكرانيا أولينا زيلينسكي التي يكشف اختيارها مدى سيطرة الحرب الأوكرانية على المناقشات الأمنية الآسيوية.
وأشار براندز الباحث المقيم في معهد أمريكان إنتربرايز إلى أنه عندما زار طوكيو منذ عدة شهور أكد له مسؤولو وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي اليابانيين أن حكومة اليابان مهمومة للغاية بحرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى الدرجة التي جعلت اليابان تتخلى عن المبدأ الذي حكم سياستها الخارجية لسنوات طويلة وهو عدم الدخول في نزاعين مع الصين وروسيا في وقت واحد، وانضمت إلى التحالف الغربي الذي يفرض عقوبات على نظام حكم بوتين ردا على غزو أوكرانيا.
وحتى في تايوان التي تواجه تهديدا وجوديا من جانب الصين، هناك قلة فقط من المسؤولين يدعون واشنطن لقطع علاقتها بالحرب في أوكرانيا من أجل التركيز على آسيا، وقالت هسياو بي كيم التي تترأس البعثة الدبلوماسية التايوانية في واشنطن «إن نجاة أوكرانيا هي نجاة لتايوان نجاح أوكرانيا هو نجاح لتايوان».
مغالطة سياسية
وربما يرى بعض المتشائمين أن حلفاء الولايات المتحدة في آسيا يقولون للقوة العظمى التي توفر لهم الحماية بما تريد سماعه وليس بما يجب أن تسمعه، لكن الدول الديمقراطية في شرق آسيا لا تمارس المغالطة سياسية، فالسبب الذي جعل غزو بوتين لأوكرانيا، يحفزهم لتبني هذا الموقف هو أنهم ذكرهم ببعض الحقائق الاستراتيجية الأساسية.
أولى هذه الحقائق هي أن الحرب في أوكرانيا تمثل اختبارا لإمكانية استخدام الأسلحة النووية لإنجاح غزو تقليدي، فروسيا تستخدم التهديد بالسلاح النووي لردع الغرب عن التدخل بشكل مباشر في الحرب، في الوقت الذي تدمر فيه أوكرانيا وتحاول سلب أراضيها، فإذا نجحت روسيا في تحقيق أهدافها غير المشروعة، فستصبح سابقة مفزعة لكوريا الجنوبية واليابان وتايوان، حيث تواجه هذه الدول أعداء لديهم نوايا للغزو ويمتلكون أسلحة نووية.
الحقيقة الثانية هي أن التاريخ يقول «إن هناك نوعا من الأمن العالمي لا يقبل التجزئة، فلا يمكن المحافظة على السلام في منطقة رئيسة في أوراسيا إذا انهار في مناطقها الأخرى.
عدوان هتلر
وخلال ثلاثينيات القرن العشرين شجع عدوان هتلر في أوروبا النزعة العدوانية لدى اليابان في آسيا، فـ«عالم النوافذ المحطمة» يشجع الوحوش من كل الأنواع، وفي عام 1950 نجح تدخل الولايات المتحدة في الحرب الكورية لصالح الشطر الجنوبي ضد الشطر الشمالي الشيوعي، في ردع الاتحاد السوفيتي عن اختبار قوته في أوروبا الغربية.
واليوم سيكون لأي انتصار روسي في أوكرانيا تداعياته العالمية، فسيمثل إشارة إلى صعود تحالف المستبدين بقيادة بكين وموسكو، في حين يتراجع التحالف الغربي بقيادة واشنطن، كما سيخلق مثل هذا الانتصار مناخا من انعدام الأمن في أوروبا يستهلك اهتمام وموارد الولايات المتحدة لسنوات وربما لعقود عديدة قادمة.
ولن تؤدي أي من هذه التطورات إلى تحسين آفاق الأمن والاستقرار في آسيا، وقادة هذه المنطقة يدركون ذلك، وقال رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا في العام الماضي «إن أوكرانيا اليوم يمكن أن تكون شرق آسيا غدا»
القوة لا تكفي
ثالث الحقائق الاستراتيجية تتعلق بما هو أكثر من توازن القوة، بالفعل فإن استخدام الصين للقوة في غرب المحيط الهادئ يتوقف بدرجة كبيرة على تقديراتها لقدرات أعدائها، وهناك تصبح الانتقادات الموجهة للسياسة الأمريكية صحيحة؛ لأنه لا واشنطن ولا حلفاؤها يستعدون بالسرعة الكافية لمواجهة القوة الصينية المتنامية، رغم أن حرب أوكرانيا ربما تكون ساعدتهم بالفعل من خلال تركيز الاهتمام على أوجه القصور في سلاسل الإمداد وعدم كفاية مخزونات الذخيرة وغيرها من أوجه النقص العسكري. إن قوة الردع تتوقف أيضا على تقدير الدولة المعتدية لنوايا خصومها وما إذا كانت تتصور أن المجتمع الدولي سيعاقبها على عدوانها، وأمام الدول طرق قليلة أفضل للوصول إلى هذه التقديرات، من خلال أحدث التجارب، لذلك فاليابان وتايوان وكوريا الجنوبية تتابع باهتمام ما يحدث في أوكرانيا وتنتظر معرفة من سيتفوق على من، لأنها تدرك تماما أن الصين وكوريا الشمالية تتابعان الموقف أيضا.أخيرا يدرك المسؤولون في تايوان وكوريا الجنوبية واليابان مدى اعتماد دولهم على عالم يعارض غزو أراضي الدول الأخرى، وأن القوة ليست الشيء الوحيد الذي يتم الاحتكام إليه لتسوية الخلافات بين الدول، وأنه لن يتم التخلي عن الدول الديمقراطية الضعيفة في مواجهة الطغاة الذين يتربصون بها، كما يدركون أن العالم الذي تتراجع فيه هذه القواعد هو عالم يمثل خطرا على أمن دولهم وربما على وجودها ذاته.
رسائل المحلل الأمريكي:
- القوة ليست الشيء الوحيد الذي يتم الاحتكام إليه لتسوية الخلافات بين الدول
- العالم لن يتخلى عن الدول الديمقراطية الضعيفة في مواجهة الطغاة الذين يتربصون بها
- بعض القواعد تمثل خطرا على أمن الدول وربما على وجودها نفسه